Logo

زيارة الشرع وأبعادها السورية الأميركية والإقليمية

 تتعامل واشنطن خاصة مجلس النواب وغالبيته من الجمهوريين، مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع المقرّرة الاثنين، من خلال الخلفية المضطربة التي حكمت العلاقات الأميركية السورية قرابة سبعين سنة،

 إذ لم تغادر الريبة والشكوك والتوجس المقاربة الأميركية إلى سورية، وغالباً ما كانت ولا تزال تتكوّن نتيجة النظر إلى هذه الأخيرة عبر العدسة الإسرائيلية، خاصة في الكونغرس. 

في ضوء كل ذلك، بقيت العلاقات تتأرجح بين التوتر وبين فترات استقرار غير مديد ومشوب بالحذر والارتياب المتبادل، 

لكن ذلك لم ينقص من اهتمام واشنطن بسورية، وهو اهتمام قديم تجلّت تعبيراته المبكرة منذ 1835 حين جرى آنذاك تعيين قنصل أميركي في مدينة حلب التي كانت جزءاً من الامبراطورية العثمانية. 

وفي 1941 انتقلت القنصلية إلى دمشق، لتتحول في 1943 إلى سفارة في أعقاب استقلال سورية، 

غير أن العلاقات بدأت تتردى منذ 1957 حين جرى طرد السفير الأميركي من دمشق إثر محاولة الانقلاب التي دبرتها آنذاك وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ضد الرئيس شكري القوتلي. 

ثم تكرّر قطع العلاقات وسحب السفراء ومنع السفر إلى سورية أكثر من مرة، بما واكب ذلك أو تبعه ضمّ سورية إلى لائحة الإرهاب وفرض عقوبات عليها عقوبات وقيود مالية قاسية، كان أهمها تلك التي تضمنها "قانون قيصر" في 2019.

مع دخول الرئيس دونالد ترامب على الخط في مايو/ أيار الفائت، تغيّر هذا المشهد وبسرعة. لقاؤه آنذاك مع الرئيس الشرع في الرياض، كان بمثابة انقلاب، 

تبعه رفع العقوبات الذي صوّت عليه مجلس الشيوخ. لكن مجلس النواب تعمّد المماطلة بحجة ضعف الثقة بالحكم الجديد في دمشق؛ 

نتيجة الأحداث التي جرت "ضد بعض الأقليات" السورية في الآونة الأخيرة، في تعامل قريب من الخطاب الإسرائيلي أثناء حوادث السويداء. 
 
ودعت الإدارة الأميركية مجلس النواب إلى الأسراع في البتّ برفع العقوبات قبل لقاء الرئيسَين يوم الاثنين، لكن ضيق الوقت قد لا يسمح، 

فضلاً عن أنّ المجلس شبه متوقف عن العمل بأمر من رئيسه منذ 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، لحسابات تشريعية تتعلق بموضوع الإقفال الحكومي.

ولا بدّ للرئيس الشرع أنّ تكون قضية العقوبات من أولويات بنود زيارته، وربما أيضاً موضوع المساعدات التي تحتاجها سورية لتمكينها من النهوض بأعباء الانطلاقة الجديدة. 

ومن المتوقع أنّ تشمل محادثاته مع الرئيس ترامب، الإشكالات والترتيبات الأمنية مع إسرائيل، مع ما يتصل بتدخل هذه الأخيرة في الشؤون السورية الداخلية التي يُقال إنّ ترامب يتفهمها. 

وتقول مصادر الإدارة، إن الرئيس مهتم أيضاً بتسريع صدور قانون رفع العقوبات (بعد تصويت مجلس النواب)، لتشجيع الاستثمارات وتسهيل دخول الشركات الأميركية في عملية إعادة إعمار سورية. 
 
وتسرّب الخميس، حسب وكالة رويترز، أن الإدارة تعتزم بناء قاعدة عسكرية أميركية قرب دمشق (نفته الخارجية السورية)، وطرح الخبر علامة استفهام كبيرة، 

في ضوء ما سبق وألمحت إليه الإدارة بخصوص عزمها على سحب القوات الأميركية الموجودة منذ سنوات في شرق سورية، 

وكذلك في ضوء قيامها مؤخراً بسحب قواتها من ليتوانيا ورومانيا وربما قريباً من بلدان أوروبية أخرى فيها قواعد أميركية، فهل هي فعلاً في وارد بناء قاعدة عسكرية جديدة في سورية، في وقت بدأت انسحابها من قواعد أوروبية؟ 

بكل حال تبقى زيارة الرئيس الشرع، بمثابة حدث فارق وتحول تاريخي جيوسياسي في المنطقة، فهو أول رئيس سوري يزور واشنطن ويجري مباحثات مع سيّد البيت الأبيض، 

وثاني رئيس سوري جاء إلى الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/ أيلول الماضي التي كان قد سبقه إليها الرئيس نور الدين الأتاسي عام 1967 للمشاركة في مداولات المنظمة الدولية بشأن عدوان 5 يونيو/حزيران من ذلك العام. 

وثمّة مراقبون وضعوا زيارة الشرع في خانة تدشين انتقال سورية إلى الفلك الأميركي بعد أكثر من ستّة عقود من الدوران في الفلك الروسي – السوفياتي، وهو انتقال مهّد له الرئيس الشرع بزيارته الأخيرة لموسكو، وبذلك بدأ فصل جديد من تاريخ سورية.

فكتور شلهوب