حرب السودان: هدنة مؤجلة ومعارك مستمرة
بين ضبابية موقف الحكومة السودانية تجاه هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر اقترحتها اللجنة الرباعية (تضم الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات) وتتولى واشنطن اتصالات لمحاولة التوافق عليها،
وحديث قوات الدعم السريع عن شن مسيّرات انطلقت من "قاعدة خارجية" ضربات في إقليم دارفور، تشي الأوضاع بمزيد من التصعيد في السودان وهو ما يعكسه الميدان عبر تواصل المعارك والغارات الجوية المتبادلة بين الجيش و"الدعم السريع" في إقليم كردفان جنوب وسط البلاد،
وحشد الجيش أعداداً كبيرة من قواته في مدينة بارا التي تسيطر عليها "الدعم" بولاية شمال كردفان، إلى جانب نشره قوات ضخمة حول مدينة الأبيض عاصمة الولاية، وإعلان القوات المساندة للجيش استمرارها في قتال "الدعم السريع".
تصعيد في السودان
ويدفع المدنيون ثمن هذا التصعيد، إذ أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) الأربعاء بمقتل 40 شخصاً على الأقل وإصابة آخرين في هجوم على تجمّع عزاء في الأبيض الخاضعة لسيطرة الجيش، وفق ما نقلته وكالة فرانس برس.
ولم يحدد المكتب الجهة التي تقف وراء الهجوم، لكنه حذر من أن "الوضع الأمني في منطقة كردفان مستمر في التدهور". من جهتها، اتهمت حكومة شمال كردفان في بيان "مليشيا التمرد الإرهابية" (في إشارة للدعم) "بقتل المواطنين الأبرياء العزّل" خلال عزاء بقرية اللويب في إدارية خور طقت،
مشيرة إلى سقوط عشرات الشهداء والمصابين من النساء والأطفال والشيوخ في الهجوم.
في هذا الوقت، زعمت قوات الدعم السريع، في بيان عبر "تليغرام" اليوم، أن "طائرات مسيّرة انطلقت من قاعدة خارجية، اليوم الأربعاء، نفذت ضربات جوية استهدفت مناطق مأهولة في مدينتي زالنجي وكبكابية في إقليم دارفور".
وأضافت أن "هذه الهجمات أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا المدنيين العُزّل، من بينهم نساء وأطفال، من جراء العدوان الآثم الذي شنّه جيش الحركة الإسلامية الإرهابية بدعمٍ من جهاتٍ نَعْرفُها ونرصد تزايد تدخلاتها السافرة في حملات الإبادة المنهجية ضد مجتمعات محددة في السودان".
ودعت "المنظمات الحقوقية والدول التي طالبتنا مراراً بالجنوح إلى السلم لتحمل مسؤولياتها الأخلاقية إزاء الانتهاكات المستمرة بحق المدنيين في مناطقٍ لا وجود لقواتنا فيها"،
مؤكدة أن "قواتنا قادرة على الردِّ في الزمان والمكان المناسبين لحماية المدنيين وصون الأمن".
ويأتي ذلك بعدما كان قائد "الدعم" محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قد هدد أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي باستهداف أي مطار أو طائرة تقلع من السودان أو "أي دولة مجاورة"، باعتبارها أهدافاً "مشروعة" إذا ما تورطت في الحرب السودانية.
موقف ضبابي للحكومة السودانية
على المقلب الآخر، بقي موقف الحكومة السودانية من مقترح الهدنة ضبابياً وهو ما دفع وكالة بلومبيرغ إلى وضعه في خانة الرفض، رغم عدم صدور موقف صريح، لكن الاستنتاج استند إلى ما قاله وزير الدفاع السوداني حسن داوود كبرون، في بيان عقب اجتماع لمجلس الأمن والدفاع السوداني أول أمس الثلاثاء، إن الاجتماع ناقش المبادرات المقدمة من بعض الدول،
وأكد الترحيب بالجهود المخلصة التي تدعو لإنهاء معاناة السودانيين التي سببتها "الدعم السريع"، والتي تخوض حربا مع الجيش منذ 15 إبريل/نيسان 2023.
وأضاف أن المجلس شكر حكومة الولايات المتحدة ومستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس، مبديا ترحيبه بأي جهد يُسهم في إنهاء معاناة الشعب،
لافتا إلى أن المجلس قرر تكليف لجنة لإعداد رؤية الحكومة حول تسهيل وصول المساعدات الإنسانية ودعم العمل الإنساني واستعادة الأمن والسلام في كل أرجاء البلاد، معلناً في الوقت نفسه استنفار الشعب في إطار التعبئة العامة لمساندة الجيش والقضاء على "الدعم".
وعقب اجتماع مجلس الأمن والدفاع ليل الثلاثاء، عقد مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا اجتماعاً مع عدد من قادة الجيش والقوات المساندة،
وقال في تصريحات عقب الاجتماع، إن "الدعم السريع ستهرب كما هربت من مناطق متعددة من قبل، وستهرب من كردفان قريباً، وكذلك ستهرب من دارفور وليس ذلك ببعيد المنال"، وأضاف: "سنطهر البلاد من هؤلاء القتلة اللصوص".
وأصدرت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح (حركات موقعة على سلام مع الحكومة) المساندة للجيش بياناً عقب الاجتماع، قالت فيه إنها تؤكد دعمها الكامل والثابت لإرادة الشعب السوداني الرافضة لأي تسويات أو حلول تُكرّس واقعاً مختلاً يساوي بين الدولة الشرعية والمليشيا الخارجة عن القانون، في إشارة لـ"الدعم".
وأضافت: "إننا في القوة المشتركة نثمّن الموقف الوطني الواضح للحكومة السودانية وقيادة القوات المسلحة في تمسّكهما بالحقوق المشروعة في الدفاع عن الوطن، ومواجهة آلة القتل والدمار التي تمارسها مليشيا الدعم السريع بدعم أجنبي معلن...
ونؤكد أن هذه المعركة هي معركة كرامة ووجود، وليست صراعاً سياسياً عابراً".
في المقابل، وصف مستشار قائد "الدعم" الباشا طبيق، في تصريح على منصة إكس اليوم، تصريحات ياسر العطا بأنها تصعيدية،
وأضاف أن الخطاب التصعيدي الذي ألقاه العطا "يعبّر عن موقف الحركة الإسلامية التي أشعلت الحرب في 15 إبريل 2023"، معتبراً أنه بمثابة رفض صريح للمبادرة الأميركية والرباعية الدولية.
وتابع: "عليه وعلى قادة الجيش تحمّل المسؤولية الكاملة عن معاناة الشعب السوداني واستمرار الحرب". ووجّه طبيق قوات "الدعم" في كل المحاور برفع درجات الاستعداد والجاهزية القصوى "والتقدم والزحف لتحرير كل المدن السودانية".
ووسط ذلك، واصل الجيش السوداني غاراته الجوية على عدد من المناطق الخاضعة لسيطرة "الدعم" في إقليم كردفان مستهدفاً مركبات عسكرية وإمدادات.
وحسب مصادر عسكرية، طاولت الغارات مدن الفولة وبابنوسة والنهود، إلى جانب إسقاطه طائرات مسيّرة أطلقتها "الدعم".
من جهته، قال قائد "كتائب البراء بن مالك" شبه العسكرية المساندة للجيش السوداني، المصباح طلحة، على صفحته بموقع فيسبوك اليوم الأربعاء، إن القوات الجوية تعاملت مع جرارات كانت تحمل دبابات ووقوداً وأحدثت بها خسائر كبيرة داخل مدينة النهود في ولاية غرب كردفان،
وأشار إلى أن هناك قوات كبيرة لـ"الدعم" انسحبت من منطقة المثلث على الحدود السودانية المصرية الليبية (سيطرت عليه الدعم السريع منتصف يونيو/حزيران الماضي).
كما قالت شبكة أطباء السودان في بيان ، إن "الدعم السريع" قتلت الطبيب آدم إبراهيم إسماعيل بمدينة الفاشر في استمرار ممنهج لاستهداف الكوادر الطبية والعاملين في الحقل الإنساني.
من جانبه، قال تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) الذي تقوده "الدعم السريع"، إن أجهزة "حكومة السلام" (الموازية) تواصل عملها في تحسين الأوضاع في مدينتي بارا بولاية شمال كردفان والفاشر في شمال دارفور،
معلناً وصول العديد من شاحنات المساعدات الإنسانية من مواد غذائية وطبية والفرق الطبية والصحية إلى المدينتين.
وقال المتحدث باسم التحالف علاء الدين نقد، في بيان امس الأربعاء، إن قواتهم وفرقها الهندسية تواصل نزع الألغام الأرضية التي زرعتها القوات المشتركة داخل المدينة.
وكانت طائرة شحن تابعة للجيش السوداني قد سقطت أمس الثلاثاء في مدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان بعد تنفيذ عملية إنزال جوي لمصلحة الفرقة 22 مشاة في المدينة، وزعمت "الدعم السريع" في بيان إسقاط الطائرة،
لكن الفرقة 22 قالت في تصريح مساء الثلاثاء، إن الطائرة نفذت مهمة إنزال إمدادات للقوات الميدانية التابعة للفرقة في بابنوسة، وتعرضت أثناء ذلك لعطل فني مفاجئ في الجناح الأيمن بعد إتمام المهمة، ما أدى إلى فقدان التوازن واشتعالها وسقوطها غرب الفرقة على بُعد عشرات الكيلومترات،
وأضافت أنه "رغم الخطر أظهر طاقم الطائرة بطولة نادرة بإبعادها عن موقع القوات قبل تحطمها، فاستشهدوا أثناء أداء الواجب".
وفي بيان آخر في اليوم نفسه، قالت الفرقة إن المضادات التابعة لها تمكنت من إسقاط مسيّرة استراتيجية معادية حاولت اختراق أجواء الفرقة في تمام الساعة السابعة والنصف مساءً الثلاثاء،
مؤكدة أن قواتها في أعلى درجات الاستعداد والتأهب للتصدي لأي محاولة عدائية تمس أمن الوطن وسلامة أراضيه.