خليل العمري… شهيد الكلمة التي لم تساوم
لم يمت خليل، بل صعد ومعه الحبر الذي لم يجف، والموقف الذي لم ينحنِ.
مضى كما يمضي الذين يعرفون أن للكلمة عُمرًا أطول من الجسد، وأن الحقيقة لا تُدفن حتى لو وُورِي صاحبها التراب.
كان يكتب كما يُقاتل المخلصون: بلا خوذةٍ ولا درع، بل بقلبٍ يشتعل باليقين.
كل مقالة له كانت طلقةً في وجه الخوف، وكل سطرٍ كان يتيمًا من الرفق، عظيمًا في الشجاعة، عنيدًا في صدقه.
لم يكن صحفيًّا فحسب، بل ضميرًا يُؤنّب الصمت، ومرآةً للوطن حين يتشوه وجهه في نشرات الأخبار.
رحل متعبًا من واقعٍ يخذل من أحبوه، ومحاربًا حتى الرمق الأخير ضد التزييف، ضد الترويض، ضد كل يدٍ تريد أن تُخرس القلم.
وحين أنهكته الجراح، لم يتراجع إلى الظل، بل ظلّ في الضوء، يُشعل الكلمة كما يُشعل الشهيد فتيل فجرٍ جديد.
يا خليل،
لم تُغلق صفحتك برحيلك، بل فُتحت بك صفحةٌ أخرى، تُكتب فيها أسماء الذين لم يبيعوا حبرهم، ولم يُصافحوا القبح باسم الحياد.
ستبقى حاضراً في كل نصٍّ يخرج من تحت الرماد، في كل قلمٍ يقاوم الخوف، في كل عينٍ ترفض العتمة.
سلامٌ عليك يوم كتبت، ويوم واجهت، ويوم رحلت على تعبٍ يشبه البطولة.
سلامٌ على قلمك الذي لم يُهادن، وعلى روحك التي ارتفعت وهي تحمل في راحتيها شرف الكلمة الحرة.
نم قرير العين يا خليل،
فما زالت كلماتك تمشي بيننا، كأنها وصيّة السماء إلى الأرض:
أن لا تصمت الحقيقة،
وأن لا يموت الوطن ما دام فيه من يكتب بدمه لا بحبره.
نجم الدين الرفاعي