Logo

سقوط الفاشر يبعثر المشهد السياسي والعسكري في السودان

 أحدثت سيطرة مليشيات الدعم السريع في السودان، على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي كانت آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، غربي البلاد، هزّة سياسية وعسكرية في السودان، خصوصاً بعد ارتكاب مليشيات "الدعم" انتهاكات واسعة بحق من تبقى من سكّان المدينة التي صمدت في وجه الحصار والهجمات شبه اليومية منذ بداية الحرب.

 وقد مثّل سقوط الفاشر (أعلنت "الدعم السريع" سيطرتها عليها يوم الأحد الماضي) التي تحولت إلى عنوان لصمود المدن خلال الحرب في السودان (بدأت في 15 إبريل/ نيسان 2023)، نكسةً جديدةً للجيش الذي كان قد تمكن خلال الفترة الماضية من هزيمة "الدعم السريع" وإخراجها من ست ولايات سودانية، هي الخرطوم ونهر النيل والجزيرة والنيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق، وحصرها في إقليمي كردفان ودارفور، كذلك فتحت التطورات الجديدة الباب على احتمالات تصاعد المعارك أو ترجيح كفّة الحلول السلمية.

وبعد فشلها في السيطرة عليها منذ بداية الحرب، لجأت مليشيات الدعم السريع إلى محاصرة مدينة الفاشر بصورة خانقة في مايو/ أيار 2024 واستمرت في ذلك مع هجمات شبه يومية وقصف مدفعي وغارات بالطائرات المسيّرة، وخاضت نحو 268 معركة مع القوات المدافعة عن المدينة قبل سقوط الفاشر أخيراً عقب معارك ضارية خاضتها "الدعم السريع" مع الجيش والقوات المساندة له.

وكانت "الدعم السريع" قد سيطرت منذ الأشهر الأولى للحرب على أربع من جملة خمس ولايات في إقليم دارفور، هي وسط وجنوب وشرق وغرب دارفور، لتضم أخيراً مدينة الفاشر، عاصمة الولاية الخامسة شمال دارفور.
 
دعوات لإنهاء الحرب بعد سقوط الفاشر

وقال المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد عاصم عوض، في تصريح صحافي، أمس الثلاثاء، إن "القوات المسلحة تجدّد العهد بأنها ستظل ثابتة لا تلين، صامدة لا تنكسر، متمسكة بعقيدتها الوطنية الراسخة، ولن تساوم أبداً في الدفاع عن سيادة الوطن ووحدته". 

وأضاف أن "مليشيا آل دقلو الإرهابية (في إشارة إلى قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو) لن تهنأ بما اغتصبته، لأن كل شبر من أرض الوطن له رجال يدافعون عنه حتى آخر رمق".

من جهته، قال نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، أمس، إن ما شهدته مدينة الفاشر من أحداث مؤلمة يستوجب من جميع السودانيين التماسك والتفكير بعقل الدولة ومسؤولية الوطن. 

وأضاف خلال مؤتمر سياسي في مدينة بورتسودان، شرقي البلاد، أن ما يمر به السودان "لحظة صعبة في طريق طويل، لكنها ليست نهاية الطريق"، مؤكداً "التزام الدولة بذل كل الجهود لتجاوز المحنة الراهنة وتحقيق الأمن وبناء دولة المواطنة والعدالة".
 
وكان رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، قد أقرّ أول من أمس بخسارة الفاشر، قائلاً إن تقدير القيادة في المدينة كان مغادرتها بعد ما تعرضت له من تدمير ممنهج. 

وأضاف في كلمة متلفزة: "قواتنا قادرة على تحقيق النصر وقلب الطاولة واستعادة الأراضي... نحن عازمون على أن نقتص لكل شهدائنا وتطهير البلاد من المرتزقة".

سياسياً، تسبب سقوط الفاشر في يد الدعم السريع، بتزايد الأصوات الداعية إلى إنهاء الحرب محلياً ودولياً، مع إدانات واسعة لـ"الدعم السريع" ولما ترتكبه من انتهاكات، وتجاهلها القرارات والمناشدات الدولية بشأن حماية المدنيين ووقف توسيع رقعة الحرب. 

وأدان عدد من الأحزاب السياسية السودانية، في بيانات متتالية، خلال اليومين الماضيين، ما سجّل من انتهاكات في الفاشر، مطالبة طرفي الحرب، الجيش و"الدعم السريع"، بوقف فوري لإطلاق النار، والانخراط في مسار سياسي يعيد للبلاد أمنها ووحدتها، وينهي معاناة الشعب السوداني.

وبينما تبدو الخيارات العسكرية بالنسبة إلى الجيش مفتوحة على كل الاحتمالات، وخصوصاً بعد توعد البرهان بالاقتصاص من "الدعم السريع" لأفعالها في الفاشر، وتعهده بتحقيق النصر، تنذر محاولات "الدعم" فتح جبهات جديدة في ولاية شمال كردفان جنوب وسط البلاد، عبر مهاجمة عدد من المناطق الصغيرة هذه الأيام، باحتدام الصراع أكثر،

 في وقت بدأ فيه كذلك عدد من الكيانات الشعبية وشبه العسكرية المساندة للجيش في الدعوة إلى استنفار عام وتجنيد مقاتلين جدد للانتقام لما حدث في الفاشر ومنع أي تحركات وتقدم جديد لـ"الدعم" في مناطق أخرى.

وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي محمد سنهوري، أن طول فترة الحصار الذي خضعت له مدينة الفاشر كان له تأثيرات كبيرة تسببت في سقوطها في نهاية المطاف بيد "الدعم السريع"، 

مضيفاً أن الفاشر مدينة مترامية الأطراف بسبب الأحياء الجديدة التي نشأت فيها ومخيمات النازحين، حيث من الصعب على قوى عسكرية محاصرة ومنهكة وتتعرض لهجوم يومي الدفاع عنها لفترة طويلة كهذه، لكن رغم ذلك قدّمت الفرقة السادسة التابعة للجيش والقوات المساندة لها درساً كبيراً في الصمود طوال هذه الفترة، وفق رأيه.
 
واعتبر سنهوري أن خيارات الجيش الحالية هي الاستمرار في المعركة بالسيطرة على كامل إقليم كردفان وإخراج "الدعم السريع" منه وحصرها في دارفور وتأمين الولايات الجنوبية والشرقية والشمالية. 

ومن المتوقع حسب سنهوري، احتدام المعارك خلال الأيام المقبلة في ظلّ إحساس المواطنين والجنود معاً بالغبن مما وقع في الفاشر وخروج دعوات الاستنفار الحالية نتيجة ذلك. 

وأشار الوقت ذاته إلى أن سيطرة "الدعم السريع" على الفاشر ستؤدي إلى سيناريو من اثنين: إما تصاعد المعارك إلى حدّها الأقصى في جميع الجبهات، وإما دفع الطرفين إلى التفاوض وإنهاء الحرب، أو على الأقل القبول بهدنة إنسانية كما هو مطروح حالياً من قبل الوسطاء.

ولفت المحلّل السياسي إلى أن الجيش ما زال يسيطر على الجزء الأكبر من البلاد، معتبراً أن سيطرة "الدعم السريع" على إقليم دارفور لن تمنحها شرعية أو قوة إضافية على طاولة المفاوضات، 

مضيفاً أن الحكومة التي يقودها الجيش حالياً هي الممثل المعترف به للدولة السودانية دولياً، وتسيطر على المؤسسات وتحتكر التمثيل الدبلوماسي. 

لذلك، وفق اعتقاده، فإن سقوط الفاشر "لن يقلل الأوراق في يد الجيش، بل على العكس، يفاقم الغضب الدولي على الدعم السريع وحلفائها ويزيد الضغوط عليهم".

من جهته، رأى المحلل السياسي صلاح المليح، أن ما حدث للجيش في الفاشر أمر طبيعي ومتوقع نتيجة للحصار المستمر لأكثر من عامين، وإرهاق القوات من خلال المعارك المتكررة ومحاولات "الدعم" العديدة للاستيلاء على الفاشر، مع نقص حاد في الغذاء والعتاد العسكري. 

وأضاف أنه رغم محاولات الجيش لمعالجة هذا الأمر بالإنزال الجوي، إلا أنه لم ينجح بنسبة كبيرة، إذ كانت الإنزالات تذهب لـ"الدعم السريع" في كثير من الأحيان، حسب اعتقاده.

واعتبر المليح أن انتكاسة الجيش في الفاشر ستزيد من تعقيدات المشهدين، السياسي والعسكري، إذ ستعلو الأصوات الداعمة لرفض التفاوض مع "الدعم السريع" داخل الجيش وحلفائه من أنصار النظام السابق والحركات المسلحة المحسوبة على دارفور التي تقاتل إلى جانبه، كذلك ستزيد دعوات التحشيد والتعبئة العامة لمواجهة تقدم "الدعم".

أيمن إبراهيم