Logo

بعد قمتي ألاسكا وواشنطن.. هل اقترب السلام في أوكرانيا؟

 بعد أكثر من ثلاث سنوات من تعثّر المبادرات الرامية إلى تحقيق السلام في أوكرانيا، شهدت الأيام القليلة الماضية كثافة متزايدة لجهود الوساطة الأميركية بعد القمة التي عقدها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في ولاية ألاسكا الأميركية يوم الجمعة الماضي،

 وأخرى في واشنطن مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وعدد من قادة الدول الأوروبية مطلع الأسبوع الجاري.

وفي وقت يترقب فيه العالم انعقاد اللقاء المباشر بين بوتين وزيلينسكي الذي لم يتحدد موعده أو موقعه حتى الآن، ثمة تساؤلات تفرض نفسها حول ما إذا كانت المحادثات المحتملة ستفضي إلى تسوية مستدامة أم مجرد تجميد النزاع مع احتمال اشتعاله مرة أخرى،

 ناهيك عن طبيعية الضمانات المقبولة لدى موسكو وكييف لمنع تجدد القتال بعد عدة أشهر أو سنوات.

وبموازاة استمرار النقاشات حول ماهية الضمانات الأمنية المراد تقديمها لكييف، رفع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الأربعاء، الستار عن الرؤية الروسية لها، 

موضحا أن موسكو تتمنى أن تكون الضمانات الجماعية الغربية لأوكرانيا موثوقا فيها، وأن تكون وُضعت استنادا إلى مبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة لجيرانها أيضا.

وقال لافروف، في مؤتمر صحافي في ختام محادثاته مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، في موسكو: "فيما يتعلق بالأنباء أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا تريد وضع ضمانات أمنية جماعية، فنتمنى أن تكون هذه الضمانات موثوقا بها حقا". 

وذكّر بأن مفاوضات إسطنبول في عام 2022 تناولت مبادئ الضمانات الأمنية لأوكرانيا مقابل تخلي كييف عن العضوية في حلف الناتو وغيره من الأحلاف العسكرية، وتثبيت وضع أوكرانيا دولة محايدة،

 لافتا إلى أن موسكو دعمت حينها فكرة الضمانات الأمنية بمشاركة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي.
 
تشكيك بنيات روسيا إنهاء الحرب

يشكك المحلل في مركز الاتصال الاستراتيجي والأمن المعلوماتي في كييف، مكسيم يالي، في صدق نيات روسيا إقامة السلام في أوكرانيا، 

جازما بأن صيغة الضمانات التي اقترحها لافروف لا تناسب كييف طالما يتيح إشراك الدول الأعضاء في مجلس الأمن لروسيا فرض حق النقض (الفيتو) على أي قرار يخص هذه الضمانات.
 
ويقول يالي : "من ناحية، يمكن الإقرار بأن القمتين قربتا السلام في أوكرانيا، ولكن الطريق نحو وقف الحرب لا يزال طويلا، ومن المشكوك فيه أن ينعقد لقاء بوتين وزيلينسكي من أساسه، 

كما أن آلية الضمانات لأوكرانيا التي تقترحها روسيا غير مقبولة لدى كييف، لأنها تضع روسيا طرفا ضامنا، وتندرج ضمن إجراء بوتين مناورة من شأنها تأجيل تفعيل العقوبات الثانوية الأميركية بحق شركاء روسيا التجاريين".

ويتوقع ألا يتحقق السلام في أوكرانيا إلا بعد قبول روسيا بتقديم تنازلات في مسألة الأراضي، مخلصا إلى أن "حجر العثرة يتلخص في أن موسكو نفسها لا تريد سلاما،

 ولذلك تطرح أمام كييف مطالب تعجيزية تتعارض مع الدستور الأوكراني، من قبيل الاعتراف بسيادة دولة أجنبية على قسم من الأراضي وانسحاب القوات المسلحة الأوكرانية منها".

وفي موسكو، رغم إشهار كبار المسؤولين الروس، بمن فيهم بوتين ولافروف، نية روسيا إنهاء الحرب في أوكرانيا، تشكك الصحافة الموالية للكرملين في جدوى الوقف الفوري لإطلاق النار، 

إذ رأت صحيفة فزغلياد الإلكترونية، في مقال بعنوان "ثمن وقف العملية العسكرية الخاصة أعلى مما يبدو"، أن "السلطات الأوكرانية واصلت الاستعدادات لنزاع عسكري متكامل الأركان مع روسيا منذ عام 2014، ليس عبر إقامة تحصينات فحسب، وإنما أيضا عبر شحن السكان نفسيا".

وحذّرت الصحيفة من أن "هذا الشحن سيتواصل ما لم يجر بسط السيطرة على أوكرانيا كاملة بصورة أو بأخرى"، على أن تبرر "دعاية العدو" الدمار والخسائر البشرية والحدودية بـ"التواطؤ الروسي وليس بالسياسة الأوكرانية قصيرة النظر"، 

معتبرة أن إنهاء الحرب من دون تحقيق جميع الأهداف "سيُفضي إلى حتمية إكمال النزاع في مرحلة لاحقة"، و"سيشكل مجرد استراحة لخمس أو عشر سنوات أو 15 عاما". 

ومع ذلك، أقر كاتب المقال بأن مثل هذه المهلة ستحقق بعض المكاسب لروسيا، بما فيها فترة زمنية لإصلاح الجيش وإنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية واستراحة الأفراد وعودة من جرت تعبئتهم إلى ديارهم.

روسيا تنذر بفشل أي ضمانات أمنية لا تراعي مصالحها

من جهتها، حكمت روسيا، الأربعاء، بالفشل على أي ضمانات أمنية يدرس الغرب توفيرها لأوكرانيا من دون مراعاة مصالحها، في وقت بحث رؤساء أركان دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) هذه المسألة. 

كما قلّلت موسكو مجدداً من شأن التكهنات حول قمة وشيكة محتملة بين بوتين وزيلينسكي، مؤكدة أن مثل هذا الاجتماع يجب أن يُولى الإعداد له عناية فائقة.

وفي تصريحات صدرت، قبل انطلاق اجتماع رؤساء أركان الناتو، حذّر لافروف، بحسب ما أفادت وكالة "فرانس برس"، من أن "بحث الضمانات الأمنية بشكل جدي من دون روسيا الاتحادية طريق إلى المجهول". 

وأضاف: "لا يمكن أن نوافق على أن يجري الآن اقتراح حل مسائل أمنية جماعية من دون إشراك روسيا الاتحادية". 

واتهم لافروف القادة الأوروبيين، الذين زار بعضهم البيت الأبيض، الاثنين، بالقيام بـ"محاولات خرقاء" لتغيير موقف الرئيس الأميركي حيال أوكرانيا. وقال: "لم نسمع أي أفكار بنّاءة من الأوروبيين هنا".

كما أفاد لافروف بأن "موقف (الغرب) القائم على المواجهة، موقف مواصلة الحرب، لا يجد من يتفهمه في الإدارة الأميركية الحالية التي تسعى للمساعدة في اجتثاث الأسباب الأساسية للنزاع". 

من جانبه، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لنظيره الروسي، في اتصال هاتفي الأربعاء، إنه يتابع مجريات عملية السلام، وإن "تركيا تدعم التوجهات الرامية إلى إرساء سلام دائم بمشاركة جميع الأطراف"، قاصداً أوكرانيا.
 
تعزيز الوساطة الخليجية

رأى مؤسس ورئيس مركز الخليج للأبحاث في السعودية، عبد العزيز بن صقر، أن "علاقات السعودية المتوازنة" مع روسيا والولايات المتحدة وأوكرانيا تؤهلها لأن تستضيف الجولات القادمة من المفاوضات حول أوكرانيا. 

وقال بن صقر في حديث لوكالة تاس الرسمية الروسية: "قد أثبتت السعودية قدرتها على جمع الخصوم حول طاولة واحدة استنادا إلى سياسة الحياد والعلاقات المتوازنة مع موسكو وواشنطن وكييف، 

وكذلك إلى تجربتها الدبلوماسية والقدرة على الوصول إلى الأروقة. نجاح اللقاءات التمهيدية في الرياض يجعلها مرشحا طبيعيا لجولات قادمة ذات فحوى أكبر على سبيل الامتداد لقمة ألاسكا".

وأشار إلى أن السعودية والإمارات وقطر "تقيّم إيجابيا القمة"، انطلاقا من رؤية مفادها أن "أي تقارب بين واشنطن وموسكو سيتيح تخفيف تداعيات الحرب (في أوكرانيا)، بما في ذلك على أسواق الطاقة والغذاء العالمية ذات الأهمية الاستراتيجية". 

وأضاف أن الإمارات تنظر إلى لقاء بوتين وترامب في ألاسكا في سياق "ضرورة خفض حدة التوتر العالمي الذي يؤثر بشكل مباشر في أسواق الطاقة والاقتصاد العالمي". 

أما قطر، التي تؤدي دور الوساطة بين موسكو وكييف في مسألة إعادة الأطفال المهجرين من منطقة النزاع إلى ذويهم، فتنظر إلى أي تقدم سياسي على أنه "منصة أوسع قد تنمّي بها جهود الوساطة الإنسانية"، وفق الباحث السعودي.

وكانت السعودية قد احتضنت أول لقاء بين لافروف ونظيره الأميركي ماركو روبيو، في فبراير/شباط الماضي.

 وأثناء استقباله رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في الكرملين في وقت سابق من الشهر الجاري، رشح بوتين الإمارات موقعا محتملا لعقد أول قمة له مع ترامب، 

ولكن حُسم الخيار لصالح ولاية ألاسكا الأميركية في نهاية المطاف، مما عزز الطابع الثنائي للقمة.

رامي القليوبي