Logo

الحرب في غزة.. انزلاق قاسٍ إلى هاوية الهشاشة المطلقة

يفاقم طول أمد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الوضع المعيشي يوماً بعد آخر، ويزيد رقعة الفئات الهشة التي لم تعد قادرة على توفير أدنى مقومات الحياة الأساسية والمتطلبات اليومية. 

ومع مرور الأشهر واستمرار حرب الإبادة الجماعية، تتسع خريطة الفئات الفقيرة بشكل غير مسبوق، فالحرب الطويلة لم تعد تقتصر آثارها على الفقراء والمهمشين، بل امتدت إلى شرائح اجتماعية واسعة استطاعت حتى وقت قريب الصمود أو التكيّف مع الأزمات.

وإلى جانب التبعات الأمنية الكارثية للحرب على غزة، تعيش الفئات الهشة حياة مليئة بالحرمان والنقص في وقت تزداد قسوة الحرب على الأسر الفقيرة التي باتت محرومة من المعونات الإنسانية التي كانت تعتمد عليها في ظل الخوف الدائم من القادم المجهول. 

ودفعت الحرب فئات نحو الهشاشة مع توقف عمل المياومين في الأسواق المدمرة، وقطع "شيكات الشؤون" التي كانت تصرفها وزارة الشؤون الاجتماعية لنحو ثمانين ألف أسرة فقيرة كل ثلاثة أشهر كي تعينهم على البقاء، 

بينما تبخرت مدخرات الطبقة المتوسطة كي تنزلق فجأة إلى دائرة العوز.

أيضاً، تسبب العدوان في تضاعف نسب الفقر التي وصلت إلى نحو 95% في ظل الحرمان من المساعدات الإنسانية وقضاء ساعات عند نقاط التوزيع الخطيرة كي يعودوا بلا شيء. 

ويعيش النازحون في خيام ومدارس مكتظة بلا أدنى مقومات للحياة الكريمة في وقت انقطع الدواء والرعاية عن المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة ليجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الموت.
 
قال محمود أصليبي (39 عاماً)، الذي كان يعمل سائق أجرة قبل أن يفقد مركبته في الحرب، : "كنت أخرج مع ساعات النهار الأولى، وأعود مساءً ومعي ما يكفي من طعام ومستلزمات لأسرتي، والآن فقدت عملي وبيتي وأعيش في خيمة رديئة مع زوجتي وأطفالي الأربعة".

 أضاف: "لم تكن الأوضاع المادية وردية قبل الحرب بسبب الحصار الإسرائيلي وسوء الوضع الاقتصادي، والحرب أعدمت أدق التفاصيل وسلبت قوت الأطفال وأمان واستقرار الأسر، وحتى الأمل في غد قريب".

وقالت إنعام الصرفندي (53 عاماً)  : "كانت المساعدات الاجتماعية البسيطة بمثابة طوق نجاة رغم أنها لم تكن منتظمة قبل الحرب بفعل الانقسام الفلسطيني الداخلي، 

أما اليوم فلا تصل إلي أي دفعة، وانتقل من مخيم إلى آخر ومن تكية إلى أخرى للبحث عن بعض طعام لأسرتي".

 تابعت: "ابنتي سهام (19 عاماً) مريضة بالربو ولا أجد لها دواء. لم أعد أستطيع النوم من كثرة التفكير، بت أشعر أنني عاجزة أمام متطلبات أسرتي المتزايدة، وتفاقم سوء الأوضاع المادية والمعيشية بشكل مستمر".
 
وتحدثت الفلسطينية لبنى السعدي (40 عاماً)، وهي ربة بيت كان زوجها يملك ورشة لصناعة المفروشات قرب المنطقة الصناعية شرق مدينة غزة، عن أنها كانت تعيش حياة متوسطة لكن مستقرة تحرص فيها على توفير متطلبات أسرتها. 

وقالت "كنت أحرص على ادخار بعض النقود للطوارئ والظروف الصعبة، مثل المرض المفاجيء أو الأعطال أو أي من مستجدات، ولم أتصور في حياتي أن أصرف هذه المدخرات خلال الحرب التي طالت. 

بدأت منذ اليوم الأول للحرب باستنزاف الأموال البسيطة بعدما بدأت في النزوح وشراء الشوادر والملابس والفرش والأغطية، وبعدها في توفير الطعام والأدوية بعدما انقطعت كل أشكال الدعم بفعل إغلاق المعابر، واضطرت أسرتي لشراء كل شيء بأسعار خيالية".

وتتشارك هذه الفئات اليوم في معاناة واحدة، حيث لم تعد هناك حدود فاصلة بين الفقير والمتوسط، وبين العامل والنازح، وبين المريض والعاطل عن العمل. انزلق الجميع نحو هاوية الهشاشة المطلقة تحت رحى حرب لا تنتهي. 

علاء الحلو