قمة ألاسكا.. إجماع أميركي على أمرين وهذه أبرز التوقعات
ثمة شبه إجماع في واشنطن حول أمرين بشأن قمة ألاسكا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، أولهما أنهما التقيا كل لحساباته المختلفة على الاستعجال في عقدها،
وأن النتائج المتوقعة في ضوء المعطيات محكومة بأن تكون لصالح الكرملين سواء كانت شكلية أو ضبابية. تسعة أيام فقط فصلت بين طبخها خلال زيارة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إلى موسكو في السادس من أغسطس/ آب وبين موعدها،
وذلك في رقم قياسي غير مسبوق في الإعداد لقمم موسكو - واشنطن.
في 1986 فشلت قمة ريغان - غورباتشوف في ريكيافيك، أيسلند، بسبب فقر الإعداد والتسرع في عقدها. وبعدها حذّر الرئيس جورج بوش الأب من أنه من الآن وصاعداً "لن تعقد قمة مستعجلة بين واشنطن وموسكو".
صحيح أنه كانت الحرب الباردة آنذاك تقضي بإعداد "طبخة القمة على نار خفيفة" لاجتناب التعقيدات، لكن الظرف الحالي ينطوي على مخاطر لا يستهان بها؛ فحرب أوكرانيا مفتوحة على تمدد نيرانها في الجوار الأوروبي.
التخوف من تمدد هذه النيران أعرب عنه الأوروبيون، كما لا تستبعده بعض الدوائر الأميركية، ومنها جمهوريون في الكونغرس، التي ضغطت على البيت الأبيض لاستئناف تسليح كييف ولو بصورة رمزية وعبر الحلفاء الأوروبيين، كما حصل أخيراً،
خصوصاً أن الرئيس بوتين لم تصدر عنه بعد إشارات ولا حتى تلميحات جدّية تشي بحقيقة نواياه والمدى الذي يزمع الوصول إليه في هذه الحرب.
في ضوء هذا الواقع، تقاطعت الردود على القمة عند اعتبارها مكسبا لبوتين حتى قبل انعقادها،
إذ إن مجرد دعوة سيد الكرملين إلى لقاء فوق الأرض الأميركية وفي لحظة يتواصل فيها تقدم قواته في أوكرانيا "تعطي مشروعية لحربه"، بحسب ما يشير جون بولتون، مستشار ترامب السابق لشؤون الأمن القومي،
أما المكسب الثاني للرئيس بوتين، حسب الجهات التي ترى في القمة خطوة خاطئة، أن ترامب ارتضى عقدها من دون مشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وخاصة أنه كان قد لوّح في البداية بضرورة حضوره.
وثمة من يرى أن تراجعه هذا جاء من باب الحرص على ضمان انعقاد القمة وبناء على رغبة بوتين على رفض مشاركة هذا الأخير، بزعم أن ذلك "ما زال سابقاً لأوانه".
في هذا السياق يندرج عزل الأوروبيين عن القمة (ما عدا تشاور افتراضي أجراه ترامب مع الأوروبيين).
ويعزز موقف بوتين أن القمة ستنعقد من دون جدول أعمال معلن يكون وقف إطلاق النار المؤدي إلى مفاوضات لإنهاء الحرب على رأس بنوده،
فيما تردد أن موسكو طرحت وقف إطلاق نار يُبقي خطوط التماس الميداني في مكانها وفق سقف زمني مفتوح "على أن تجري لاحقا مفاوضات لوقف الحرب"، وهي صيغة مفخخة عززت الشكوك بنوايا الكرملين.
لكن العطب الأساسي في مقاربة الإدارة والذي أدى إلى القبول بقمة غير متماسكة في غاياتها، هو أنها ذاهبة إلى هذا اللقاء من "دون الورقة التي تحقق التوازن الميداني" وبما كان يمكن أن ينتزع من الرئيس بوتين تنازلات تفتح مسار مفاوضات طي صفحة الحرب،
حيث أعطى وقف تسليح أوكرانيا اليد العليا لموسكو في ساحة القتال كما في ساحة الدبلوماسية، كما يجادل مايكل ماكفول، السفير الأميركي السابق في موسكو، ومعه قسم كبير من الكونغرس، خاصة في مجلس الشيوخ ومن الحزبين.
في الآونة الأخيرة وبعد المكاسب العسكرية المتتالية التي حققتها القوات الروسية، بدأ يتردد في واشنطن أن التنازل لروسيا عن الأجزاء التي خسرتها أوكرانيا صار مسألة تحصيل حاصل، وأن القمة قد تشهد تلميحاً في هذا الخصوص.
في هذا الموضوع، أعرب أحد المحللين عن الخشية من أن يتكرر في التسليم لموسكو بمنطقة دونباس الأوكرانية، سيناريو ميونخ في 1938 عندما جرى تسليم منطقة في تشيكوسلوفاكيا إلى ألمانيا مقابل وعدها بصرف النظر عن أطماعها في أجزاء أوروبية مجاورة.
ورغم أن الظروف مختلفة، إلا أن التاريخ قد يكرر نفسه. في كلام منسوب لمسؤول في الكرملين سنة 2022، يقول فيه إن "حرب الامبراطور الروسي بطرس الأكبر مع السويد عام 1700، استمرت لمدة 21 سنة".
هل هو يشير ضمنا إلى حرب طويلة في أوكرانيا.. وربما في جوارها؟
هل سارع الرئيس ترامب لاحتواء هذه الحرب كيفما تيسر قبل أن تستعصي على الحلول، أم أن حساباته خاطئة كما يرى معظم المراقبين؟
فكتور شلهوب