Logo

تعاف مفاجئ للريال اليمني عقب أعوام من الانهيار المتلاحق

الرأي الثالث 

استبشر اليمنيون على مدى الـ48 ساعة الماضية بحال التعافي في قيمة الريال أمام سلة العملات الأجنبية بنسبة بلغت 30 في المئة للمرة الأولى منذ أعوام شهدت انهياراً متلاحقاً للعملة المحلية جراء الأزمة التي تعصف بالبلاد واقتصادها ومعيشة أهلها.

وعقب أسابيع من قيام الحكومة اليمنية الشرعية بإنشاء لجنة مدفوعات لتنظيم الاستيراد وتمويله، استعادت العملة المحلية بعضاً من عافيتها وسط مطالبات شعبية وإجراءات حكومية لخفض الأسعار في مناطق نفوذها، على اعتبار أن العاصمة صنعاء وبعض المحافظات المجاورة لها تقع في نطاق سيطرة ميليشيات الحوثي المتمردة التي تملك نظاماً مصرفياً مستقلاً.

وتحسنت قيمة الريال اليمني أمام الريال السعودي والدولار الأميركي، أكثر العملات تداولاً في سوق الصرف في البلاد بعدما بلغت قيمة الريال السعودي الواحد 755 ريالاً يمنياً حتى الثلاثاء الماضي، 

فيما وصل سعر الدولار الواحد إلى 2838 ريالاً، ليتراجع سعر صرف الريال السعودي إلى 540 ريالاً يمنياً، والدولار الأميركي إلى 2090 ريالاً في أسواق التداول ليوم أمس الجمعة، وفق مصادر خاصة لـ"اندبندنت عربية".

وعادة ما يؤدي انهيار الريال اليمني إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع الضرورية نتيجة لاعتماد البلاد على استيراد السلع والمواد الغذائية من الخارج. 

ومع ترقب الشارع للانخفاض المتوقع للأسعار أكد وزير الصناعة والتجارة اليمني محمد الأشول أن "لجان الرقابة والتفتيش ستباشر النزول إلى الأسواق المحلية ومحال بيع الجملة والتجزئة للرقابة"، 

متوعداً المخالفين "بسحب السجلات التجارية وإعلان قائمة سوداء بالمتلاعبين بأسعار السلع".
 
تنظيم بيع وشراء العملات

ويرجع مراقبون هذا التحسن إلى سلسلة إجراءات حكومية بدأت بقرار رئيس الوزراء اليمني سالم صالح بن بريك في الـ22 من يونيو (حزيران) الماضي، تشكيل "اللجنة الوطنية لتنظيم الواردات وتمويلها" برئاسة محافظ البنك المركزي وينوب عنه وزير الصناعة والتجارة وعضوية ثمانية مسؤولين آخرين. 

وباشرت اللجنة مهماتها "بتنظيم عملية بيع وشراء العملات للتجار والموردين ومنع استخدام السوق السوداء لشراء العملة لغرض الاستيراد". 

ووفقاً للحكومة اليمنية، فإن لجنة تنظيم الاستيراد وتمويله تتكون من الجهات الحكومية ذات العلاقة بالتمويل والتجارة والضبطية الجمركية والقضائية، فضلاً عن ممثلي البنوك وشركات الصرافة والقطاع التجاري. 

كما تهدف إلى تسهيل "عمليات تمويل الاستيراد بما يتناسب مع تدفقات النقد الأجنبي، والحد من الأخطار والآثار السلبية على القطاع المالي والمصرفي والتجاري الناتجة من تصنيف ميليشيات الحوثي منظمة إرهابية دولية، واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة ذلك"، 

إضافة إلى "تشجيع الإنتاج المحلي كبديل لبعض الواردات".

وتمارس اللجنة اختصاصات مختلفة، أهمها "العمل على إدارة وتوجيه موارد النقد بهدف تغطية عمليات الاستيراد من السلع الأساسية والمدفوعات المقابلة للحاجات اللازمة وتحقيق الاستخدام الأفضل للموارد النقدية المتاحة".
 
كما تمارس "وضع السياسات والمعايير المتعلقة بعمليات تمويل الواردات وتحديد مصادر التمويل بالتنسيق مع البنك المركزي وتحديد الأولويات في تمويل السلع الضرورية، ومن بينها السلع الأساسية والأدوية والمواد الخام وغيرها، ووضع قوائم للواردات السلعية وتصنيفها وفقاً لأهميتها في تحقيق الأمن الغذائي ومتطلبات الاقتصاد".

معالجات موقتة

وعلى رغم حال التعافي هذه، فإن مراقبين يقللون من تلك المؤشرات المفاجئة التي عززت من قيمة الريال لأنها لا تستند إلى معالجات اقتصادية ومصرفية عميقة تلامس جذور المشكلات التي تعانيها البلاد منذ أكثر من 10 أعوام.

ويقول الباحث الاقتصادي عبدالحميد المساجدي إن "التحسن المفاجئ في سعر صرف الريال اليمني لا يمكن اعتباره مؤشراً على استقرار اقتصادي أو تعافٍ حقيقي في بيئة السوق، 

بل يعكس في جوهره تحركاً صادماً ناتجاً من مزيج من الإجراءات التنظيمية الظرفية التي اتخذها البنك المركزي في عدن، أبرزها إيقاف تراخيص عدد من شركات الصرافة وتكثيف الرقابة على السوق، 

فضلاً عن انتقال جزء من الأنشطة والأرصدة المصرفية من صنعاء إلى عدن". 

وهذه العوامل وفق المساجدي عملت فقط على "رفع موقت لحجم المعروض من العملة الأجنبية لكن أثرها يظل محدوداً زمنياً ولا يعكس تحسناً في الهيكل الاقتصادي أو مصادر النقد الأجنبي".

ويتطرق المساجدي إلى "المؤشرات التي غابت والتي كان البناء عليها من الممكن أن يمهد لتعافٍ دائم ومستمر"، وتتمثل في "غياب المنح الخارجية وتحويلات المغتربين التي لم تسجل نمواً نوعياً. 

كما لا يزال الحساب الجاري يعاني عجزاً يتجاوز 4 مليارات دولار سنوياً، مما يعني أن الطلب على العملة الصعبة سيظل يفوق المعروض منها بكثير مما يهدد بعودة الضغوط على سعر الصرف فور انكشاف الأثر الموقت للتدخلات الراهنة".

وفي حين تفرض ميليشيات الحوثي سعراً وهمياً ثابتاً ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها يقابله ارتفاع كبير في الأسعار، ينذر تهاوي العملة مجدداً بتفاقم الأزمة الإنسانية على نحو أكثر شراسة، 

فضلاً عن حال التردي غير المسبوق في قطاع الخدمات وفي مقدمتها المياه والكهرباء وانقطاع الرواتب عن غالبية الموظفين العموميين، كتبعات رسمها انقسام البلاد بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية من دون حل منظور.

هدنة

وفي قراءة للوضع المستقبلي يخلص المساجدي إلى أن ما حصل "ليس سوى هدنة قصيرة في مسار تدهور سعر الصرف ما لم تترافق مع إصلاحات هيكلية وإعادة هيكلة للقطاع المالي وتدخل مباشر من الشركاء الإقليميين والدوليين لدعم احتياطيات البنك المركزي وتمكين الحكومة من تغيير معادلة الحساب الجاري.

 أما الاستمرار في التعويل على أدوات ظرفية محدودة، فسيؤدي إلى انتكاسة حادة في السوق ومزيد من الضغط على معيشة المواطنين وانكشاف أوسع للقطاع المصرفي أمام تقلبات مقبلة لا محالة".

وترجع الحكومة اليمنية كل تلك التبعات لتكبدها خسائر اقتصادية تقدر بنحو ملياري دولار جراء توقف تصدير النفط الخام عقب استهداف جماعة الحوثي موانئ نفطية في جنوب البلاد وشرقها أواخر عام 2022.

 وللسماح بالتصدير، اشترطت الميليشيات حصولها على نصيب الأسد من عائدات النفط، مما رفضته الحكومة ليحول دون إعادة التصدير، بالتالي حرمان اليمنيين من دخلهم القومي الرئيس،

 إضافة إلى تكبد الحكومة شراء المشتقات النفطية الخاصة بالتشغيل التي تستهلك مئات ملايين الدولارات شهرياً، كما يوجد في البلاد بنكان مركزيان متنافسان أحدهما خاضع للحكومة المعترف بها في عدن والآخر لجماعة الحوثي في صنعاء.

توفيق الشنواح 
صحافي يمني