Logo

الأمل في بلاد العرب... طريح الفراش ينتظر الإنعاش

 غالب الظن أنك لو استوقفت مواطناً عربياً وسألته عن شعوره في "اليوم الدولي للأمل"، فسيرمقك إما بنظرة عتاب أو ارتياب أو انفعال. العتاب لأن السؤال في غير محله ليس من الذوق، وارتياب إذ قد يشك بعضهم في القوى العقلية للسائل، وانفعال من منطلق أنه غير قادر على تحمل مزيد من السخافات.

لكن الأمل ليس سخافة، هو حال وغاية، حتى لو بدا في ظل أوضاع المنطقة الحالية وكأنه كوكب "بلوتو" الذي جرى سلبه من صفة "كوكب"، ووجد نفسه بعد قرون من مكانة سامية في المجموعة الشمسية مجرد "كوكب قزم".

نصيب الأسد من "الأمل"

في اليوم الدولي للأمل الذي تحييه الأمم المتحدة في الـ12 من يوليو (تموز) من كل عام يمكن القول إن المنطقة تستحوذ على نصيب الأسد من عناوين الأخبار التي تجمع بين كلمتي "العربية" أو "العربي" و"الأمل"، سواء اكتساباً أو فقداناً أو ترويجاً.

"هل فقد المواطن العربي الأمل في صناديق الاقتراع؟" و"تبدد آمال الوصول لاتفاق هدنة في غزة" و"الأمل في المساواة بين تعليم الذكور والإناث يتبدد بفعل الصراع في اليمن" و"موت الزرافة في حديقة الحيوان المركزية يبدد الأمل في جذب الزوار" و"التعليم بين قبضة الفساد ودكة الأمل في السودان"

 و"أمل السوريين العائدين لاستعادة بيوتهم يتبدد" و"ليبيا تقع مجدداً في قبضة فقدان الأمل" و"آمال الأميركيين العرب في تحسن أوضاعهم بعد انتخاب ترمب تتبدد" و"فقدان الأمل يدفع أعداداً متزايدة من عرب إسرائيل للهجرة" و"مهاجرو المراكب يبحثون عن الأمل عبر المتوسط"... جميعها عناوين عن "فقدان الأمل" يصدرها الإعلام شبه يومياً.

في المقابل، فإن أعداداً متزايدة من المشروعات والمبادرات وحتى المدارس والحدائق والمستشفيات الجديدة في الدول العربية تختار أن يكون "الأمل" اسمها وعنوانها، 

وهو ما يفسره بعضهم على سبيل السخرية بإفساح المجال للأمل ولو عبر لافتة أعلى مبنى أو في عنوان بريدي.

الأمم المتحدة بلا أمل؟

في اليوم الدولي للأمل، يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ولسان حاله فاقداً الأمل بعد ما أصاب المنظمة الأممية من نكسات وصدمات من سحب تمويل وتقليص مساعدات وتقويض مهام، إن "الأمم المتحدة هي وليدة الأمل"!.

ومن باب شر البلية ما يضحك، فإن العناوين التي تجمع بين الأمم المتحدة نفسها والأمل على مدى عام مضى لا تخرج عن إطار "دعوة إلى إعادة الأمل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي باتت في خطر" 

و"صندوق الأمم المتحدة للسكان يحذر من فقدان الأمل في تحسين أوضاع النساء والفتيات في مناطق الصراع"

 و"الأمم المتحدة تحذر من تحول الأمل في قدرات الذكاء الاصطناعي لمساعدة الفقراء إلى أداة لا يمتلكها سوى الأقوياء" و"الأمل في حل الدولتين يتلاشى".
 
حتى حين يقترن اسم الأمم المتحدة بإعادة بث الأمل أو ظهوره في الأفق، يأتي مقترناً بالتحذير ومصحوباً بالخوف من انقشاعه. "الأمم المتحدة تحذر من أزمة إنسانية في سوريا على رغم بوادر الأمل" و"أمل لبنان نحو التعافي المستدام يبدأ من إدارة الأنقاض" 

و"شاحنات أممية تحمل المياه والأمل لآلاف الجوعى في غزة" و"خيبة أمل مناخية تعتري العالم" و"الأمم المتحدة تحذر من أن تدمير معدات الإنفاق في غزة يجعل العثور على المفقودين تحت الأنقاض مستحيلاً" 

و"الأمل وسط اليأس: الأمم المتحدة توثق كفاح أم في غزة من أجل ابنتها الوحيدة التي بقيت على قيد الحياة" و"خبيرة أممية تعرب عن خيبة أملها من استمرار تجريم المدافعين عن حقوق الإنسان" والقائمة تأبى أن تنتهي.

أمل أكثر... اكتئاب أقل

في اليوم الدولي للأمل يبزغ اسم عالم النفس الأميركي تشارلز سنايدر، المتخصص في علم النفس الإيجابي، الذي يعرف الأمل باعتباره "اتحاد بين الدافعية الذاتية والتفكير في المسارات الممكنة، 

أي الإرادة للسعي إلى تحقيق الأهداف والقدرة المتصورة على بلوغها". ورأى سنايدر، بناءً على بحوث عملية، أن الأمل ينشط مراكز تعرف بـ"المكافأة والتحفيز في الدماغ"، وهو ما يؤدي إلى التخفيف من أعراض الاكتئاب.

أما منظمة الصحة العالمية فتعرف الصحة النفسية، التي يساعد وجود الأمل على تحسينها والعكس صحيح، بأنها القدرة على التعامل مع الضغوط والعمل بفاعلية والمساهمة في بناء المجتمع.

ومعروف أن الفوائد النفسية تنعكس إيجاباً على الحالة البدنية للأشخاص، وبينها على سبيل المثال لا الحصر، مرضى السرطان الذين يتحلون بمعدلات أمل أعلى من غيرهم من المرضى من فاقدي الأمل يحققون نسب بقاء أفضل، ويتمسكون بخططهم العلاجية أكثر.

ويرتبط ارتفاع مستويات الأمل بانخفاض معدلات الاكتئاب والقلق والضغوط الناجمة عن الصدمات، لكن ماذا عن ارتباط المنطقة العربية بـ"الصدمات" بصورة متزايدة في الأعوام القليلة الماضية، وبصورة متصاعدة بشدة في الأشهر القليلة الماضية؟

نهاية الأمل في الشرق الأوسط

في عام 2020 كتب الزميل في "مجلس الشؤون الخارجية"، الكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا ستيفن كوك، مقالاً سوداوياً مأسوياً عنوانه "نهاية الأمل في الشرق الأوسط". وجاء فيه أن الإقليم كان دائماً يعاني مشكلات، لكنه تعدى نقطة اللاعودة.

أسهب كوك في هذا المقال في الحديث عن الدول "الاستبدادية"، والشعوب التي اعتادت حكم الفرد والمجتمعات المفككة، وظهور وتوسع الجماعات المتشددة والعنيفة نتيجة لذلك، 

مشيراً إلى أن أنظمة الحكم "الاستبدادية" والعنف ليسا حكراً على الشرق الأوسط، بل شهدتهما أوروبا من قبل، ولكنها (أوروبا) تمكنت من إعادة تجميع نفسها. 

ورأى كوك أن الوضع في المجتمعات العربية يختلف تماماً عن أوروبا، فهو أكثر تعقيداً، وعوامل التغيير ليست موجودة. وخلص كوك في مقاله عام 2020 إلى أن ما يساعد على تبدد الأمل في المنطقة العربية تساهل المجتمع الدولي مع هذا الوضع والسكوت عليه.
 
اليوم، وفي مناسبة "اليوم الدولي للأمل"، يجدر إعادة النظر في أسباب تبدد الأمل التي طرحها كوك قبل خمسة أعوام، ومناقشة "سكوت المجتمع الدولي" على تركيبة الحكم والمجتمعات العربية.

فبين اندلاع حرب غزة واستمرار الفوضى في اليمن وتدهور الأوضاع في السودان ونذر التوتر في ليبيا وبقاء لبنان على صفيح ساخن والأوضاع الاقتصادية الصعبة في مصر والعراق والأردن وغيرها من أحوال المنطقة العربية،

 يصعب الحديث عن الاحتفاء بالأمل في يومه، أو سكوت المجتمع الدول عن تبدد الأمل في المنطقة.

خاطئ جداً أم صحيح جداً؟

صعوبة الحديث عن الأمل في أوضاع لا تبشر بأمل لا يعني عدم القدرة على قياسه، فربما يكون موجوداً على رغم المؤشرات العكسية.

عالم النفس سنايدر وضع مقياساً معتمداً للأمل لدى البالغين، فإذا كان الأمل يتكون من مكونين رئيسين هما: 

القدرة على الفعل، والقدرة على التفكير في طرق لتحقيق الأهداف، يمكن قياس الأمل عبر 12 سؤالاً تشكل "مقياس سمة الأمل" لدى الأفراد، وبعدها يمكن قياس الأمل على مستوى الدول.

وتجري الإجابة بواحد من ثمانية اختيارات تراوح ما بين "خاطئ جداً" و"صحيح جداً" وما بينهما من درجات، وذلك على النقاط التالية: 

أستطيع التفكير في طرق عدة للخروج من المآزق، أسعى إلى تحقيق أهداف بنشاط، أشعر بالتعب معظم الوقت، 

هناك طرق عدة للتغلب على أي مشكلة، أتعرض للفشل بسهولة في أي جدال، أستطيع التفكير في طرق عدة للحصول على الأشياء المهمة بالنسبة إليَّ، أقلق في شأن صحتي، 

حتى عندما يشعر الآخرون بالإحباط أعلم أنني أستطيع إيجاد طريقة لحل المشكلة، هيأتني تجاربي السابقة جيداً لمستقبلي، حققت نجاحاً كبيراً في الحياة، عادة أجد نفسي قلقاً على شيء ما، وأحقق الأهداف التي حددتها لنفسي.

العلماء والباحثون يؤمنون بالأسس العلمية لقياس معدلات الأمل لدى الأفراد والشعوب، وهذا جميل، لكن، وبشهادة الأمم المتحدة، في عالم يرزح تحت وطأة اضطراب متصاعد، 

لا سيما في المنطقة العربية، وانقسامات اجتماعية آخذة في الاتساع، ونصيب الدول العربية وافر في الفجوات والفروق، وتحديات اقتصادية وبيئية تصر على الإلقاء بظلال ثقيلة، يبدو مجرد الحديث عن الأمل أمراً صعباً، فما بالك بالتمسك به؟!

الشباب وعدم اليقين

ويبدو الوضع أكثر صعوبة بالنسبة إلى الأجيال الشابة التي ولدت في كنف التوتر، ونشأت في أحضان عدم اليقين، وتنظر صوب المستقبل نظرة ملئها القلق وعدم اليقين.

مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية نشرت نتائج دراسة موسعة عام 2024 على أوضاع الشباب في العالم العربي، وتوقعاتهم حول فرص الحياة وآفاق المستقبل.

 الدراسة شملت 12 ألف شاب وشابة، تراوح أعمارهم بين 16 و30 عاماً، في 12 دولة هي: مصر والجزائر والعراق واليمن والأردن ولبنان وليبيا والمغرب وفلسطين والسودان وسوريا وتونس، مع الإشارة إلى أن البحث الميداني جرى قبل اندلاع حرب غزة.

شملت الدراسة أربعة محاور هي، المفارقة بين أوضاع الحرمان التي يعيشها الشباب في دول المنطقة والفرص القائمة أو المهدورة، والأزمات المتعددة والمركبة التي يعيشونها،

 والتوجهات الشخصية والتحولات في القيم الفردية والجماعية، وأنساق العلاقات الاجتماعية ومستوى الالتزام الاجتماعي للشباب ونظرته للمؤسسات ومدى ثقته فيها، وصولاً إلى رصد تطلعاته وأحلامه على المستويين الشخصي والجماعي.
 
أظهرت النتائج أن غالب الشباب العربي - باستثناء دول الخليج حيث الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مختلفة - يعاني الخيبة والحرمان بدرجات متفاوتة.

 الأزمات المتعاقبة في المنطقة العربية أسهمت في كشف الاختلالات البنيوية في النظام الاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول، التي أثرت سلباً في أوضاع الشباب بصورة خاصة.

عدم الرضا أبعد من الاقتصاد

وفي مؤشر الرضا من عدمه لدى الشباب كشفت الدراسة عن أن معدل عدم الرضا عن الحياة سواء من منظور فردي أو في سياق الوضع العام، يتجاوز مجرد عامل محدد، سواء كان الأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأزمات السياسية. 

ولوحظ أن عوامل مجتمعية متداخلة تشمل أبعاداً ثقافية ونفسية، تسهم في حال عدم الرضا العام لدى الشباب، مع وجود تفاوتات نسبية.

وتراوح الرضا بين "عدم رضا كبير" في سوريا ولبنان واليمن والسودان، حيث أزمات كبيرة ومركبة ومزمنة، و"عدم رضا نسبي" في الأردن والجزائر وتونس وفلسطين. 

وفي هذه الدول، وعلى رغم تفاوت الأوضاع الاقتصادية والسياسية، فإن التقارب النسبي في مستويات الشباب والتطور الاجتماعي الحادث، وكذلك النظرة النقدية إزاء طريقة تدبير الشأن العام جعلت معدلات الشعور بالرضا بينهم متقاربة.

وفي المجموعة الثالثة، قال شباب العراق وليبيا إنهم يشعرون بـ"رضا متوسط"، ويجمع البلدين ثراء الموارد الطبيعية والطاقة، وكذلك الأزمات المعقدة والمزمنة في البلاد، إضافة إلى "سيطرة مجموعات هجينة تتشكل من قوة مدنية ومسلحة على الحكم".

وأظهرت الدراسة مستوى "رضا مرتفعاً نسبياً" بين شباب المغرب ومصر، وهو المستوى الأعلى عربياً من ناحية الرضا، وذلك على رغم أن البلدين يواجهان تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، 

إلا أن نظرة الشباب تتسم بالرضا عن أوضاعهم الشخصية في سياق عام. ويفسر مؤلفو الدراسة ذلك بالفرص المتاحة لتحسين أوضاع الشباب، بخلاف حال اليأس والعجز التي تصيب الشباب في المجموعتين الأولى والثانية.

وأضافوا أن المثير للقلق في البلدين - المغرب ومصر- هو ارتفاع مؤشر تفكك الطبقة الوسطى، واتساع نسبة الفقر لدى الشرائح التي تتشكل منها تقليدياً هذه الطبقة، مقابل زيادة ثراء الأغنياء، مع اقتراب الشرائح الميسورة من الطبقة الوسطة من الطبقة الغنية.

مشاعر الخوف من المستقبل المتزايدة بين الشباب، التي تعكس تضاؤلاً للأمل، سببها عوامل عدة، أبرزها: 

الوضع الاقتصادي الصعب ومخاوف صحية والعنف والحصول على الغذاء ومستقبل العائلة واحتمالات نشوب صراعات مسلحة في الوطن والضغوط النفسية والمسار المهني.

لا توجد دراسات حديثة عن مدى شيوع أو انقشاع الأمل عربياً، ولكن غالب الظن أن توسع دائرة الصراعات وثقل الظلال الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة يؤثران سلباً في قدرة المواطنين العرب على التمسك بتلابيب الأمل.

خيبة الأمل راكبة جمل

الأمثال الشعبية والأقوال المأثورة العربية تقول كثيراً عن الأمل في مناسبة يومه الدولي. هناك "ما أضيق العيش من دون فسحة أمل" و"الناس معادن، تصدأ بالملل، وتتمدد بالأمل، وتنكمش بالألم" و"الأمل حلم المستيقظين"، 

وهناك أيضاً "من قوي أمله ضعف عمله" و"الأمل كالسراب، كلما اقتربت منه بعد عنك" و"خيبة الأمل راكبة جمل"، وذلك للدلالة على ثقل ضياع الأمل والإخفاق في تحقيق المراد.

مجاملة اليوم الدولي للأمل

وعلى سبيل مجاملة اليوم الدولي للأمل تنبغي الإشارة إلى أن هذا اليوم يعتمد على "القيم الخالدة التي ينطوي عليها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، 

وامتداد لمبادرات أخرى مثل "اليوم الدولي للضمير" و"اليوم الدولي لحوار الحضارات" و"اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع" و"اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية" و"اليوم الدولي للعيش معاً في سلام" و"اليوم الدولي للسعادة" وغيرها.

المنظمة الأممية ما زالت تتمسك بالأمل، وتقول إن اليوم الدولي للأمل يتجاوز الرمزية، ويعد نداءً عالمياً للدعوة إلى الأمل، وذلك عبر جهود الدول والمنظمات والمجتمع المدني عبر "مبادرات اللطف وتعزيز مسارات الصفح والمصالحة والعمل على نشأة مجتمعات تقوم على الإدماج والتعاطف والقدرة على التكيف".

من جهة أخرى أصدرت كل من "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (الإسكوا) بالتعاون مع جامعة الدول العربية قبل أسابيع، منشوراً عنوانه "الرؤية العربية 2045: 

تحقيق الأمل بالفكر والإرادة والعمل"، وذلك "في ضوء الحاجة الماسة إلى خريطة طريق للمنطقة العربية تجمع بين الطموح والواقعية وتتبين وجهتها بمبادرات إقليمية قابلة للتنفيذ".

تعتمد الرؤية العربية 2045 على ست نقاط في شأنها أن تعيد الأمل للمنطقة العربية، وهي: الأمن والأمان، والعدل والعدالة، والابتكار والإبداع، والازدهار والتنمية المستدامة، والتنوع والحيوية، والتجدد الثقافي والحضاري. 

ووقع الاختيار على هذه النقاط "مراعات لأولويات المنطقة، ولموجات التغيير الكبرى التي يشهدها العالم، والاستفادة من الإيجابيات، والتخفيف من الآثار السلبية".

أمينة خيري
 كاتبة صحفية مصرية