الحرب الإسرائيلية الإيرانية.. بين التأييد والرفض في اليمن
يسود الجدل والتخوفات في اليمن، بشأن تأثيرات الحرب الإسرائيلية- الإيرانية المشتعلة حاليًا والمستمرة في يومها الثامن في هجمات متبادلة، وسط مخاوف من توسع الصرع في المنطقة الذي لن يكون اليمن بمنأى عن ذلك.
ومنذ فجر 13 يونيو/ حزيران الجاري، تشن إسرائيل بدعم أمريكي عدوانا على إيران يشمل قصف منشآت نووية، وقواعد صواريخ، واغتيال قادة عسكريين، وعلماء نوويين، ما أسفر عن 224 قتيلا و1277 جريحا، فيما ترد طهران بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة، خلفت نحو 24 قتيلا ومئات المصابين.
وتلوح في الأفق مخاطر توسيع الصراع مع تقارير غربية وعبرية عن إمكانية انضمام الولايات المتحدة إلى إسرائيل في حربها على إيران، بالتزامن مع تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا خلالها طهران إلى الاستسلام دون أي شروط، ولوح بإمكانية استهداف المرشد الايراني علي خامنئي.
وأعلنت جماعة الحوثي استعدادها للتدخل إلى جانب إيران في مواجهة ما وصفته بـ "الاعتداءات الصهيونية"، كما فعلت مع غزة، وقالت إنها وإيران في خندق واحد لأي مواجهات.
وحذرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، من "عواقب وخيمة" على البلاد في حال تدخل جماعة الحوثي عسكريا في الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران.
وحملت الحكومة جماعة الحوثي "كامل المسؤولية عن العواقب والتداعيات الوخيمة المترتبة على أي أعمال إضافية متهورة، تنطلق من الأراضي اليمنية، من شأنها إغراق البلاد بمزيد من الأزمات، بما في ذلك مضاعفة عسكرة الممرات المائية، وتهديد الأمن الغذائي، وما تبقى من فرص العيش، ومفاقمة المعاناة الإنسانية للشعب اليمني".
وتوالت ردود فعل اليمنيين بشأن ذلك، منهم من يؤيد تلك الحرب ويعتبرها خطوة إيجابية لكسر شوكة إيران وأذرعها في المنطقة التي نشرت الفوضى والدمار في بعض الأقطار العربية، بينها جماعة الحوثي في اليمن،
بينما هناك من يحذر من تلك الحرب التي ستمكن الكيان المحتل من الهيمنة والتوسع في المنطقة،
فيما يرى آخرون أن الحرب خطوة في الاتجاه الصحيح لتدمير كيانا الشر في المنطقة (إسرائيل وإيران) بعضمها البعض باعتبارهما أعداء العرب وفق المثل العربي "ناب كلب برأس كلب".
وفي السياق قال الكاتب الصحافي سعيد ثابت، إن "زوال إيران أو تدمير قوتها الإقليمية لا يُنتج استقرارا، وإنما يمنح (إسرائيل) موقع السيادة المنفردة على الإقليم".
وأكد ثابت أن التوازن القائم بين قوتين متخاصمتين مهما اختلفت دوافعهما يشكّل حاجزا أمام تفرد أحدهما بالقرار الإقليمي، وتكافؤ الخصوم يوسّع هامش المناورة للقوى الضعيفة، بينما يؤدي اختلال المعادلة إلى شلل القدرة على الصمود والمقاومة.
وقال يرتفع صوت تيار يروّج لفكرة أن إنهاء إيران على يد الكيان الإسرائيلي يمثل "فرصة تاريخية". هذا الطرح يكشف قراءة ساذجة وخطيرة للواقع الجيوسياسي، ويؤسس لتسليم كامل بموازين الهيمنة الصهيونية، في لحظة تفتقر فيها الأمة إلى مشروع تحرري فعّال.
وأضاف "لا ينتظر الكيان الإسرائيلي إذنا ليتوسع لكنه يتحرك حين يتوفر له الفراغ، وتراجع إيران أو اختفاؤها يخلق بالتأكيد هذا الفراغ؛ إذ ستتقدم تل أبيب لفرض هندسة أمنية شاملة على منطقتنا في ظل أنظمة عربية كثيرة أظهرت استعدادها الكامل للانبطاح أمام الإرادة الصهيونية. ومع غياب القوة التي تثير قلقها، ستتوسع دون عوائق وتفرض نفوذها بلا مقاومة".
وتابع: المشروع الإسرائيلي يمتد في خطة مدروسة للهيمنة والتفكيك. وهذه الخطة بدأت قبل الثورة الإيرانية، وتواصلت مع تعاظم نفوذ طهران، وتتسارع عند كل فراغ؛ إذ نجد الكيان الإسرائيلي يضرب غزة ويخترق بيروت ويوجه رسائل نارية إلى دمشق وبغداد وينسق مع أنظمة عربية سرا وعلانية رغم بقاء الخصم الإيراني.. فكيف سيكون المشهد إذا اختفى هذا الخصم من الميدان؟
وزاد إن "المراهنة على اكتفاء (إسرائيل) بزوال إيران وهم سياسي، هذا الكيان يتغذى على الضعف، ويتقدم كلما غاب التهديد، وزوال إيران لا يحرر العواصم العربية لكنه يسلّمها للاختراق الصهيوني الشامل والهيمنة المتفردة.. وعندما تفقد أقطارنا قوة الردع الخاصة بها تتحول أنظمتها إلى وكلاء طيعين ضمن منظومة الهيمنة والتبعية".
ويرى ثابت أن إيران، رغم مشروعها الطائفي القبيح وتمددها الخبيث لا تمثل العقبة الوحيدة أمام النهضة، فالعقبة الكبرى -في نظر الكاتب- تكمن في غياب المشروع العربي المستقل، وفي افتقاد الإرادة السياسية الرافضة للارتهان بين مطرقة التمدد الإيراني وسندان التبعية الغربية،
مشيرا إلى أن الأمة لا تحتاج إلى (عدو واحد)، ولكن إلى معادلة توازن تسمح بنشوء قوة ثالثة تعيد تعريف الاستقلال القومي وتحرر القرار السياسي.
وأكد أن الاحتماء بعدو لتصفية عدو آخر لا يصنع سيادة لكنه يرسّخ الاستلاب والتبعية. والخروج من هذا الحصار لا يمر عبر نيران العدو الإسرائيلي، وإنما عبر بناء القوة الذاتية، وتحشيد الإرادة الشعبية، واستعادة القرار السيادي من قبضة الارتهان المزدوج.
"ستفقد الأمة ما تبقى من قدرتها على المقاومة والمواجهة حين يتفرد الكيان الإسرائيلي بالسيادة على الإقليم، وتتحول الأنظمة العربية إلى أدوات تنفيذ لا تملك من أمرها شيئا..
تنفذ ما يملى عليها من مراكز القرار الأجنبية، وتضطلع بدور الوكيل المحلي في مشروع الهيمنة، وتسخر مواردها لحماية المصالح الخارجية بدلا من حماية شعوبها، إسهاما في ترسيخ الضعف، وقمعا لأي نزوع نحو التحرر أو المقاومة حتى تصبح الدولة الوطنية مجرد واجهة شكلية لسلطة بلا إرادة أو قرار أو سيادة" وفق ثابت.
يشير إلى أن الصراع الحقيقي لا يقتصر على إيران أو إسرائيل، إنما يدور مع بنية الهيمنة التي تحاصر أمتنا وشعوبنا منذ لحظة الاستقلال وقيام الدولة العربية الحديثة. وقال "من يراهن على الكيان الإسرائيلي لتحقيق الخلاص، فإنه بذلك يسلّم المفاتيح، ويوقّع على بياض، ويخسر نفسه قبل أن يخسر عدوه".
الدكتور عبده غالب العديني المستشار الثقافي بالسفارة اليمنية في المملكة المغربية، يقول "نؤمن إيمانا عميقا بأن العدو الحقيقي لأمتنا العربية والإسلامية هو العدو الاسرائيلي وندرك أن الصراع العربي الاسرائيلي هو صراع وجود لا صراع حدود،
وسيظل الصراع قائما ما ظل العدو الاسرائيلي مغتصبا لأرض فلسطين".
وأضاف "في ذات الوقت فإننا على خلاف حقيقي مع نظام ملالي إيران بممارساته وتدخلاته في الشأن الداخلي في الدول العربية،
وما أحدثه من تمزيق واذكاء الصراعات المذهبية والطائفية في العديد من البلدان العربية خدمة لأهدافه ومشروعه التوسعي، وفي مقدمتها بلادنا وإضعاف لها ولدورها في محيطها الإقليمي والدولي حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الان،
ليجد نفسه وحيدا في الحرب مع العدو الإسرائيلي".
وأضاف أن "هذه الحرب التي تدور رحاها اليوم أكدت بأن كل من اسرائيل وطهران ليستا قوتان قاهرتان في المنطقة كما كان يعتقد البعض ويتصرف وفقا لهذا التصور،
حيث بدا واضحا أن لكل منها نقاط ضعفه قاتلة يمكن إدراكها والنفاذ منها لتحقيق توازن الرعب في الصراع دون التسليم لهما بالسيطرة المطلقة في الصراع".
وقال "ما نتمناه أنه مهما ستكون النتائج بالنسبة لإيران أن يفسح المجال أمام القوى التقدمية في إيران من التفكير في إعادة صياغة واقعها على أسس تضمن الأمن والاستقرار الداخلي والإقليمي والتعامل مع المحيط وفقا لمحددات القانون الدولي الإنساني والاحترام المتبادل بين الشعوب وعدم التدخل في شئونها الداخلية".
وتابع "كما نأمل ايضا كذلك هذه الحقيقة أن يتمكن العالم العربي من التقاط اللحظة التاريخية لإعادة صياغة المشروع العربي على أسس أكثر إدراكا لمقتضيات العصر والتزاما بمسؤولياتنا التاريخية".
الباحث مصطفى الجبزي، يفيد أن "اضعاف النظام الإيراني هو التعبيد الأمتن للطريق نحو السلام في اليمن".
وقال الجبزي "قد يكون إضعاف إيران هو التمهيد الآمن لطريق السلام في اليمن"،
مشيرا إلى أن الحوثي في وضع مشابه لحزب الله من حيث موقعه السياسي على الساحة الدولية، بل إن وضعه ربما أصعب، لأن القوى المناوئة له في اليمن ليست بالضعف الذي كانت عليه بعض القوى اللبنانية.