6 أيام هزت طهران وأسقطت هالة الوكلاء
مع دخول الحرب بين إسرائيل وإيران يومها السادس، تتكشف ملامح صراع لا يشبه ما سبق، وتغيب إشارات التهدئة عن الأفق. إسرائيل لم تكتفِ بإصابة قلب المشروع الإيراني، بل فتحت بوابات المواجهة المباشرة مع طهران، واضعةً العالم على حافة انفجار إقليمي شامل.
وبينما تتوالى الضربات الجوية وتنهار البنى التحتية العسكرية داخل إيران، تبدو الولايات المتحدة في حالة "تحضر"، لتأدية دوراً جديداً يتجاوز الدعم السياسي إلى الدخول الفعلي في ساحة المعركة. ذلك أن التصعيد لم يعد محصوراً بين عدوين تقليديين، بل أصبح مرشحاً لتغيير معادلات القوة في الشرق الأوسط، وربما إعادة رسم خريطة النفوذ الدولي بأكملها.
إنها ليست حرباً عابرة، بل لحظة فاصلة في التاريخ الحديث، وكل المؤشرات تدل على أن ما يجري ليس مجرد ردع أو تصفية حسابات.
فإسرائيل، بدعم أميركي مباشر أو ضمني، لا تكتفي هذه المرة بتحجيم القدرات النووية الإيرانية، بل تُمعن في ضرب الأعصاب الحيوية لنظام بُنِي على تصدير الثورة وتفكيك دول الجوار عبر الوكلاء.
من هنا، فإن الضربات ليست انتقائية، بل ممنهجة، حيث تستهدف القيادات، والعلماء النوويين، ومراكز القيادة والسيطرة، ومقرات الحرس الثوري، ومنظومات الصواريخ، وحتى البنية الفكرية التي تُغذي أذرع طهران في لبنان والعراق واليمن وسوريا، جميعها باتت تحت النيران.
ويبدو أن واشنطن والتي ظلت تمارس ضبط النفس، وكأنها تتحرك في الظل، تركت لإسرائيل مشهد الكاميرا، لكن معززةً إياها بالاستخبارات، والغطاء الدبلوماسي، وربما قريباً، الدعم العسكري المباشر.
في الإجمال، هي لحظة قد تكون حاسمة في استراتيجية "قطع الرأس" بدل "جز العشب". والهدف ليس فقط إسكات الصواريخ، بل إسقاط مشروع الهيمنة الإيراني برمته، وإنهاء عصر الميليشيات العابرة للحدود التي حولت الشرق الأوسط إلى ساحة حرب مفتوحة لعقود.
وفي حين تتصاعد التهديدات الإسرائيلية، إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه لا يستبعد إمكانية اغتيال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي،
معتبراً وفي حديث مع شبكة "أي بي سي نيوز" الأميركية، أن مثل هذه الخطوة قد تسهم في تهدئة التوترات في المنطقة، خلافاً لما يشاع عن أنها قد تؤدي إلى تصعيدها.
أيضاً رفع وزير الدفاع يسرائيل كاتس من حدة التهديدات، وقال إن إسرائيل ستضرب "الديكتاتور الإيراني أينما وجد" في إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي وذلك بعد استهداف هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية في طهران،
مشيراً إلى أنه "جرى استهداف هيئة البث التابعة للنظام الإيراني، المسؤولة عن الدعاية والتحريض... وذلك بعد تنفيذ عملية إخلاء واسعة للسكان في المنطقة".
كذلك أعلن السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، في تصريح أنه "عندما ينقشع الغبار سترون مفاجآت ليلة الخميس ويوم الجمعة، ستجعل عملية البيجر تبدو بسيطة".
في المقابل كان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، حذر إسرائيل من مصير مرير ومؤلم بعد الهجوم العسكري الذي شنته على إيران، فجر الجمعة 13 يونيو (حزيران) الجاري، وقال "فلينتظر الكيان عقاباً صارماً".
وضمن هذا المشهد المحتدم، وبعدما نقلت إسرائيل المعركة إلى داخل إيران، يبدو "فاقعاً" غياب وكلاء طهران في الإقليم، "حزب الله"، و"حماس" وغيرها من الفصائل الفلسطينية، والحوثيين، والفصائل الشيعية العراقية. فأين تلك التنظيمات في ساعة حاجتها؟.
السكين في قلب طهران والوكلاء صامتون
للمرة الأولى منذ قيام الجمهورية الإيرانية، تُنقل المعركة إلى قلب إيران، لا عبر وكلاء، بل عبر ضربات جوية إسرائيلية مباشرة استهدفت البنية العسكرية والعقل الأمني والعلمي للنظام.
وبينما تحترق منشآت طهران، يُطرح السؤال الكبير: أين وكلاء إيران، الذين ظل يتغنى بهم النظام الإيراني كجدار ردع خارجي؟ هل تخلوا عن طهران؟ أم أن الحسابات الآن أقوى من الشعارات؟.
عقيدة "الوكلاء" تحت الضغط
طوال ما يقارب الـ46 سنة أي منذ بدء مشروع تصدير الثورة الإيرانية، عام 1979، طورت طهران شبكة أذرع إقليمية لتحصين نفسها من الحرب، لكن الآن، وبينما تتعرض للهجوم، يبدو أن "حزب الله" وغيره إما ضعفاء جداً أو متخوفون للغاية من المشاركة في الحرب.
وعلى مدى سنوات اعتمد النظام الإيراني على ما يسمى بـ"محور المقاومة"، وهي كما بات معلوم شبكة ميليشيات عبر المنطقة (حزب الله في لبنان، الحوثيون في اليمن، الميليشيات العراقية، وبعض الخلايا في سوريا وغزة).
وكان الهدف الأساسي من هذه الشبكة هو نقل المعركة بعيداً من حدود إيران، وتحصين الداخل عبر تهديدات خارجية.
غير أن إسرائيل قلبت المعادلة الآن، ونقلت المواجهة إلى الداخل الإيراني نفسه، عبر عملية "الأسد الصاعد" مجردة هذه الشبكة من وظيفتها الأساسية. من هنا فإن غياب الرد يعود لأسباب بنيوية واستراتيجية.
"حزب الله"... "دُرة تاج" المشروع الإيراني
هذا الحزب الذي تأسس عام 1982 بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني، والذي تحول لاحقاً إلى أقوى ميليشيات إيرانية خارج حدود إيران، والتي اعتبرته "درة تاج" مشروعها، وكان بمثابة الدرع الواقي للحدود الإيرانية عبر "إلهاء" إسرائيل من على الحدود الجنوبية اللبنانية، شلت جبهته منذ أكثر من ثمانية أشهر، إذ إن القصف الإسرائيلي المستمر أفقده حرية المناورة، وأي تصعيد كبير الآن قد يؤدي إلى اجتياح بري واسع، وهو ما لا يريده الحزب ولا إيران في هذا التوقيت.
الحزب الذي كان يمتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ (ما بين 100 إلى 150 ألف صاروخ)، وفقاً لقياديه، ولديه وحدات نخبة مثل "فرقة الرضوان"، وشبكة أنفاق واسعة في الجنوب وبعض المناطق اللبنانية، وقدرات متقدمة في الطائرات المسيرة والحرب الإلكترونية.
جاءت حرب غزة وما تلاها من عمليات نوعية، (اغتيالات، واستهدافات لمخازن الأسلحة وقوافل الإمداد)، فضلاً عن التفوق الاستخباراتي والجوي الإسرائيلي الذي أعاق قدرة الحزب على تنفيذ عمليات نوعية.
تلك الاستراتيجية كانت حرب استنزاف منخفضة الحدة، ولكن أفقدت الحزب عشرات القيادات والكوادر، ودفعته للتخفي الدفاعي، ولاحقاً لم تترك إسرائيل له فرصة لإعادة بناء جبهة هجومية نشطة،
وذلك بعدما استخدمت الضربات الجوية الدقيقة في سوريا ولبنان لتدمير شحنات السلاح النوعي.
تلك العوامل منعت الحزب من استخدام سلاح "المفاجأة"، فأصبح رده مكلفاً جداً أكثر مما هو مجدٍ، وذلك إذا كان لا يزال يستطيع الرد. وعدا عن خسارته لقيادات ميدانية بارزة نتيجة الضربات الجوية والاغتيالات،
فإن الحسابات الداخلية اللبنانية المعقدة تمنع الحزب من فتح جبهة شاملة،
كما أنه قد تكون القيادة الإيرانية لا تريد حرق ورقته الاستراتيجية التي قد تلزم في معركة لاحقة إذا توسعت الحرب.
الحوثيون في اليمن
نشأت تلك الجماعة في صعدة شمال اليمن في بداية التسعينيات، وتحولت إلى قوة إقليمية بعد سيطرتها على صنعاء عام 2014.
ولطالما مثلت اليد الإيرانية في شبه الجزيرة العربية وباب المندب. الجماعة التي تمتلك ترسانة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وقدرات متقدمة في الحرب البحرية (زرع ألغام – استهداف سفن)،
وتلقت تدريبات على يد الحرس الثوري وخبراء لبنانيين (من حزب الله) وإيرانيين.
إلا أن الميليشيات اليمنية تعرضت في الفترة الماضية لضربات أميركية وبريطانية متواصلة أضعفت بنيتها التحتية، وأنهكت مخزونها من الصواريخ خلال عملياتها ضد السفن في البحر الأحمر.
عدا عن الضغط الدبلوماسي من عُمان والسعودية للتهدئة ضمن مسار الحل السياسي في اليمن.
إذاً استنزفت طاقاتهم في الأشهر الماضية في الهجمات على البحر الأحمر، وتحت الضغط الأميركي، والضربات الجوية التي باتت تستهدف قياداتهم العليا، وهم أصلاً أداة بعيدة جغرافياً من الحدود مع إسرائيل،
فلا يتوقع أن يكون لهم دور مباشر في الدفاع عن النظام الإيراني، بخاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن قدرة الإمداد الإيرانية ستتقلص للصفر.
الميليشيات العراقية
ظهرت تلك الميليشيات المدعومة إيرانياً، أي "الحشد الشعبي" و"كتائب حزب الله" و"منظمة بدر" و"عصائب أهل الحق" وغيرها كرد فعل على الاحتلال الأميركي عام 2003، ثم جرى تنظيمها رسمياً بعد فتوى "الجهاد الكفائي" ضد "داعش" في 2014.
وتحتفظ بعلاقة عضوية مع الحرس الثوري، بخاصة "فيلق القدس".
وتمتلك أسلحة متطورة وصواريخ دقيقة، واختراق عميق للمؤسسات الأمنية والسياسية العراقية، وخبرة قتالية من معارك سوريا والعراق.
ولكنها لم تتحرك حتى اللحظة، وذلك بسبب الوضع السياسي الداخلي الهش في العراق، الذي يمنعها من فتح جبهة قد تؤدي إلى عقوبات أو ضربات أميركية، بحيث باتت محاصرة بقرار سياسي داخلي يمنعها من إشعال مواجهة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل انطلاقاً من الأراضي العراقية،
عدا عن أنه تعرضت لضربات متكررة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة خلال الأشهر الماضية أضعفت حضورها الفعلي، ولضغوط من حكومة بغداد لعدم استدراج العراق إلى صراع إقليمي.
كما أنها تعاني من تناقض داخل صفوفها بين فصائل الولاء لإيران وفصائل تسعى للاستقلال الذاتي عن القرار الإيراني.
"حماس" في غزة
تأسست حركة "حماس" عام 1987 كفرع فلسطيني لجماعة "الإخوان المسلمين"، لكنها انخرطت تدريجاً في المحور الإيراني بعد عام 2006، ودعم عسكري من "فيلق القدس" و"حزب الله". تلك الحركة التي تمتلك آلاف الصواريخ والقذائف، وشبكة أنفاق تحت الأرض، ووحدة بحرية وطائرات مسيرة، وتعتبر "كتائب القسام" ذراعها العسكرية.
ولكنها تغيب هي الأخرى عن مسرح الأحداث الحالية، وذلك بسبب ما تعرضت له منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أفقدها أكثر من نصف بنيتها القتالية، عدا عن اتفاق التهدئة الموقت بوساطة قطرية ومصرية تحاول الحفاظ عليه.
فضلاً عن الدمار الكامل لشبكات القيادة والسيطرة في شمال قطاع غزة، والضغوط الإنسانية الهائلة داخل القطاع تجعل أي تصعيد بمثابة انتحار سياسي.
كما أن قياداتها الأساسية تحت الملاحقة الدائمة، سواء في غزة أو سوريا أو لبنان، ولم تعد تملك الزخم العملياتي أو الشعبي الذي يسمح لها بتوسيع المواجهة.
وما يسري على "حماس" يسري على حركة "الجهاد الإسلامي" وغيرها من الفصائل الفلسطينية المدعومة إيرانياً، حيث ركزت إسرائيل طوال الفترة الماضية على اغتيال الكوادر الهندسية والقيادية داخل غزة وخارجها.
واستخدمت اختراقات استخباراتية لتعطيل تطوير منظومات الصواريخ والطائرات المسيرة، عدا عن الحملة العسكرية المدمرة التي أفقدت الفصائل القدرة على المبادرة الاستراتيجية.
"سوريا القديمة"
ولكن ربما تكون الضربة التي قصمت ظهر المشروع الإيراني في المنطقة هو سقوط نظام بشار الأسد. ولسنوات طويلة، شكلت سوريا تحت حكم بشار أحد أهم أركان "محور الممانعة"، بل كانت الجسر الاستراتيجي الذي يصل إيران بـ "حزب الله" في لبنان، والعمق الخلفي لكل معركة تخوضها طهران ضد إسرائيل.
ومع انهيار نظام الأسد وخروج سوريا من يد إيران، اختل التوازن الجغرافي والاستراتيجي بشكل غير مسبوق، مما جعل إيران تواجه إسرائيل الآن مباشرة ومن دون وسطاء ميدانيين.
فكيف غير غياب الدور السوري وسقوط نظام الأسد موازين المواجهة بين إسرائيل وإيران؟.
كثيراً ما كانت سوريا ساحة مستباحة جوياً لإسرائيل ومنذ سنوات، إذ إن النظام السوري البائد تجنب الانخراط في أي تصعيد مباشر ليحافظ على بقائه الهش، طوال السنوات التي سبقت سقوطه.
واليوم مع غياب الدور السوري وسقوط نظام الأسد، انقلبت المقاييس بالنسبة للمواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، ومع خروج دمشق من المعادلة ضاع العمق الإيراني في المنطقة.
أهمية سوريا في العقيدة العسكرية الإيرانية
منذ تدخلها في سوريا عام 2012، سعت إيران إلى تحويل سوريا إلى قاعدة عسكرية متقدمة (مستودعات وقواعد ومصانع أسلحة). ولتثبيت وجود الحرس الثوري و"فيلق القدس" في مناطق مثل دمشق والكسوة والبوكمال ودير الزور واللاذقية.
واستخدمت الأراضي السورية لنقل الأسلحة الدقيقة إلى "حزب الله" عبر طريق طهران– بغداد– دمشق– بيروت. ولاحقاً استنسخت نموذج "حزب الله" عبر "فاطميون" و"زينبيون" وتوطين ميليشيات في الجنوب السوري.
لكن كل هذه الأهداف تعرقلت تدريجاً، ثم انهارت بالكامل مع انهيار حكم الأسد وعودة سوريا تدريجاً إلى المسار العربي المحايد والبعيد من الهيمنة الإيرانية.
كيف غير هذا الانهيار في قواعد المواجهة؟
سقوط "الجدار العازل"
كانت سوريا بمثابة منطقة عازلة، تمتص الضربات الإسرائيلية أو تتحملها بالنيابة عن إيران. وبعد تفكيك النفوذ الإيراني في سوريا، أصبحت طهران مكشوفة مباشرة أمام الضربات الإسرائيلية من دون خطوط دفاع أمامية.
عدا عن انقطاع "طريق الإمداد" البري إلى الحزب، والذي لم يعد آمناً ولا موثوقاً.
كما أن الضربات الإسرائيلية على البوكمال والميادين والجنوب السوري دمرت محاور التهريب الرئيسة.
هذا أضعف قدرات "حزب الله" وقلص الدعم الإيراني الميداني له. أضف إلى ذلك تفتت ساحة المناورة الجغرافية، ولم يعد بمقدور إيران إدارة المعركة مع إسرائيل من سوريا، لا عبر نشر بطاريات، ولا عبر استخدام الميليشيات العابرة.
وأي هجوم على إسرائيل اليوم يجب أن يُدار إما من إيران مباشرة أو من اليمن والعراق، ما يزيد من تعقيد المعركة ويُضعف فعاليتها.
تراجع القدرة على التهديد المتزامن من عدة جبهات
وسابقاً اعتادت إسرائيل على أن تعيش في "بيئة تهديد متعددة الجبهات"، غزة– جنوب لبنان– الجولان. لكن سقوط الجبهة السورية أسقط ضلعاً كاملاً من مثلث الضغط الإيراني على إسرائيل،
ما خفف أو ألغى عبء الردع. ومع التحول السياسي في سوريا زادت العزلة الإيرانية، إذ إن تغير السلطة في دمشق ووصول قيادة جديدة أكثر انفتاحاً على الدول العربية والغربية، أفقد إيران ليس فقط الأرض السورية، بل حليفاً سياسياً كان يُغطي وجودها إقليمياً،
فضلاً عن تراجع العلاقات أو توقفها بين دمشق و"حزب الله". وغاب الدعم الروسي لإيران داخل سوريا. كلها عوامل جعلت من الوجود الإيراني تهديداً خارجياً لا داخلياً في سوريا، مما مهد لضربه وتفكيكه بهدوء.
المواجهة انتقلت من الأطراف إلى القلب
كان المشروع الإيراني قائماً على التمدد عبر الأطراف لتجنب المواجهة المباشرة، لكن مع سقوط نظام الأسد سقطت أهم جبهة أمامية، وانكشفت إيران استراتيجياً، واختفى العمق السوري الذي كانت تبني عليه كل مشاريع الردع والمناورة.
والنتيجة اليوم أن طهران تقاتل وحدها، على أرضها، أمام خصم يتمتع بتفوق جوي واستخباراتي حاسم.
ضرب هيبة المشروع الإيراني
كل ذلك أفضى، إلى توجه إسرائيل وبدلاً من مواجهة "الوكلاء"، لاستهداف رموز المشروع الإيراني مباشرة، مثل الضربات في قلب طهران الآن.
وسحبت ورقة "الردع بالمحيط" من يد طهران، وأجبرتها على الدفاع عن نفسها بنفسها. وأثبتت أن إيران لا تملك القدرة على حماية نفسها على رغم كل هذا التمدد، مما ضرب صورة قوتها الرمزية في الداخل والخارج.
إسرائيل فككت شبكة الوكلاء قبل أن تضرب الرأس
في المحصلة، إسرائيل لم تهاجم إيران إلا بعد أن أفرغت ساحة الوكلاء من فعاليتها. فالهجوم الجوي على طهران اليوم لم يكن بداية المعركة، بل ذروتها بعد سنوات من العمل الممنهج لتفكيك الجدران والأدرع الواقية المحيطة بإيران.
أصبحت طهران اليوم في موقف دفاعي استراتيجي، مجردة من مخالبها الإقليمية، ومحاصرة بخطوط النار الجوية والسياسية والاستخباراتية.
إيران وحدها في الميدان الغريب، والمقلق لطهران، هو أن الوكلاء الذين صُنفوا دائماً كـ"جيش احتياطي متقدم"، تحولوا في لحظة الحقيقة إلى عبء أو ورقة مُجمدة.
وهذا يكشف أن الهيكل الهرمي لسلطة طهران متمحور أكثر حول السيطرة على الخارج من الدفاع عن الداخل، وأن حسابات البقاء السياسي لدى كل وكيل باتت أقوى من أي "ولاء عقائدي" لإيران.
هل هو انهيار لنموذج "الحرب بالوكالة"؟
ليس بالضرورة، لكنه تحول جوهري في وظيفته. فالحرب التي كانت تُدار من الظل، أصبحت علنية. والمواجهة انتقلت من حروب هامشية في الجنوب اللبناني أو غزة، إلى معركة وجودية داخل إيران نفسها.
وعليه، فإن خيار الوكلاء للرد قد أُفقد فاعليته، لأنه ببساطة لا يمكن لوكيل أن يدافع عن رأس النظام وهو على مسافة آلاف الكيلومترات.
إيران، التي صنعت جيشاً غير نظامي إقليمياً ليحميها، تجد نفسها اليوم وحيدة في قلب المعركة. وكلاؤها غارقون في حسابات محلية أو خائفون من ردود انتقامية.
وبينما تسقط رموز الحرس الثوري وتشتعل مفاعلاتها النووية، تتعرى عقيدة تصدير الثورة، وتنكشف محدودية القوة بالوكالة عندما تُضرب الدولة الأم.
ربما هي اللحظة الأكثر إحراجاً للنظام الإيراني منذ نشأته، كل الميليشيات من وكلاء إيران تمر في لحظة شلل أو تردد، إما لأسباب تتعلق بالبنية العسكرية أو بالحسابات السياسية، أو بفقدان القدرة بعد استنزاف مستمر.
ما يجمع بينها الآن هو عدم الاستعداد لخوض مواجهة شاملة دفاعاً عن إيران، وهو ما يكشف حدود العقيدة الإيرانية في بناء محور "لا يمكن الاعتماد عليه ساعة الصفر".
سوسن مهنا
صحافية