Logo

حرب إسقاط النظام الإيراني

 شنّت إسرائيل عمليةً مركّبة ضدّ إيران، نُفّذت على موجاتٍ متعدّدة، استهدفت مواقع عدّة للبرنامجين النووي والصاروخي، وقيادات عسكرية، وشخصيات علمية. 

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أوّل تصريح له بعد الضربات إن الهجوم "افتتاحي"، وهذا يعني أنه لن يقف عند هذا الحدّ، وهو مرشّح للتحول حرباً مفتوحة، بالاعتماد على عدّة معطيات، تتعلّق بمدى استقبال طهران رسالة الهجوم، وطبيعة (وحجم) الردّ عليه، وموقف الولايات المتحدة، وإمكانية اشتراكها بشكل مباشر في مساندة إسرائيل.

ركّزت التصريحات الإسرائيلية، التي تلت العملية، في أن تلّ أبيب استهدفت بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أذرع إيران، والآن جاء دور الرأس. وكان المخطّط في حينه ضرب الاثنين معاً، لكن الإدارة الأميركية السابقة عارضت الشقّ الثاني، 

وقدّمت كامل الدعم للشقّ الأول، الذي تمثّل بشنّ حرب مفتوحة على كلّ من حركة حماس وحزب الله والوجود الإيراني في سورية وجماعة "أنصار الله" الحوثية في اليمن.

تفيد تقديرات بأن نموذج الهجوم الإسرائيلي ضدّ إيران قد يشبه الذي طبّقته تلّ أبيب مع حزب الله في لبنان. وعلى هذا، استهدفت فجر أمس البنية العسكرية والقيادية، وقامت بعملية متعدّدة الأهداف، المشروعَين النووي والصاروخي والقيادات العسكرية والنخبة العلمية. 

ويلوح من وراء هذا العمل، الذي خطّط له طويلاً، هدف إضعاف النظام الإيراني من طريق تدمير مقدراته العسكرية والعلمية. 

وهناك أكثر من مؤشّر على نهاية زمن الحسابات، الذي يفصل بين المشروع والنظام، وهو المبدأ ذاته، بخصوص القضاء على قيادة حزب الله وبنيته العسكرية.

لا يمكن لإيران تجاهل الحرب التي بدأتها اسرائيل، وعليها أن تردّ على نحوٍ استراتيجي، وبالمثل. وقد يكون الرد سريعاً، أو قد يستغرق وقتاً، ولكنّ المسألة ستكون محسوبةً ومدروسةً جدّاً. 

وفي الأحوال كافّة، ليس أمامها سوى هذا الخيار، فهي إن ردّت بقوة (كما تتوعّد) قد تفتح الباب لمشاركة الولايات المتحدة. 

وإذا لم تردّ، فإنها تترك المبادرة العسكرية بيد إسرائيل، لتقرّر شكل المواجهة ومضمونها وأهدافها البعيدة والقريبة، وهذا نهج يعبّر عن ضعف، وليس عن حكمة، وأثبت فشله في ردود حزب الله على الضربات الإسرائيلية، التي ظلّ يتعامل معها على أساس الحرب بالنقاط، حتى تلقّى الضربة القاضية.

الولايات المتحدة على علم بالهجوم الإسرائيلي وتوقيته، ولديها تقدير لحجمه وأهدافه، والآثار التي يمكن أن تترتب منه، والدليل على ذلك أنها أوعزت لموظّفيها بمغادرة عدة بلدان في المنطقة، ولكنّها كانت تفاوض إيران في الوقت ذاته، 

وهناك اجتماع مجدول غداً في مسقط، بين المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير خارجية إيران عباس عراقجي. وستستغلّ واشنطن الهجوم لدفع المفاوض الإيراني على تقديم تنازلات تتعلّق بالبرنامجين النووي والصاروخي، 

وخصوصاً أن المفاوضات بين الطرفَين دارت في الأيّام الماضية حول تخصيب اليورانيوم، الذي بلغت فيه إيران مرحلةً تمكّنها من صنع قنبلة نووية، 

وكان المطلوب منها أن تتخلّى عن الكمّيات ذات التخصيب العالي الدرجة، وتفتح بشكل تام المنشآت كافّة لتفتيش خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبمشاركة من الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا).
 
قد لا تكون جولة الضربات الإسرائيلية أمس الأخيرة، وربّما تكون تحذيريةً، أو محاولةً لاستدراج إيران لتوسيع الحرب، وفق السيناريو الذي اتبعته تلّ أبيب مع حزب الله. 

وفي الأحوال كافّة، ستكون الخطوة الإسرائيلية الثانية متعلّقةً بالردّ الإيراني، وكلّما كانت فاعليته كبيرة، كان الردّ الإسرائيلي قوياً، وفي لحظة ما من مجرى المواجهة من المرجّح أن تتدخّل الولايات المتحدة بشكل قوي لتحقيق الهدف الأكبر، وهو إسقاط النظام الإيراني.

بشير البكر 
كاتب وشاعر سوري