Logo

هائل سعيد أنعم: قصة خير يمتد من الجذور إلى الأجيال

 في تربة يمن العراقة، تنبت أشجار باسقة، تثمر خيرًا يمتد ظلاله ليغطي مساحات واسعة من الأرض والروح. 

ومن بين هذه الأشجار، يتربع اسم الحاج هائل سعيد أنعم كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تحمل في أغصانها قصصًا من العطاء والإحسان، ترويها الأجيال جيلاً بعد جيل.

لم يكن الحاج هائل مجرد رجل أعمال ناجح، بل كان مهندسًا للخير، يرى في المال وسيلة لا غاية، وأداة لبناء صروح من الأمل والتنمية. 

لقد آمن بأن سعادة الإنسان الحقيقية تكمن في قدرته على ترك بصمة إيجابية في هذا العالم، وأن أسمى أنواع الاستثمار هو الاستثمار في الإنسان ذاته.

شيد المساجد بيوتًا لله، تتردد فيها أصداء الذكر والدعاء، وتنطلق منها أرواح متصلة بالخالق. وأقام المدارس منابر للعلم والمعرفة، تنهل منها العقول الشابة لتنير دروب المستقبل.

 وأنشأ المستشفيات ملاذًا للمرضى والضعفاء، حيث تُمسح الدموع وتُضمد الجراح، وتعود البسمة إلى الوجوه الشاحبة. وأسس الجمعيات الخيرية أيادي سخية تمتد بالعون إلى المحتاجين، تحفظ كرامتهم وتعينهم على نوائب الدهر.

لم يتوقف خيره عند حدود الوطن، بل عبر البحار والقارات، ليصل إلى أفريقيا وآسيا وأوروبا، ليثبت أن الإنسانية تجمع ولا تفرق، وأن العطاء لغة عالمية تفهمها القلوب النقية. 

لقد كان رحمه الله بمثابة النهر المتدفق الذي يروي الأرض العطشى، ويحيي النفوس المتعلقة بالأمل.

لم يسعَ الحاج هائل إلى لقب أو جاه، ولكنه نال أسمى الألقاب وأجلها: لقب "فاعل الخير" الذي حفر اسمه عميقًا في قلوب اليمنيين جميعًا. 

لقد وحد اليمن بفعله الصادق، فاجتمعت القلوب على محبته وتقديره، وتجاوزت ذكراه كل الانقسامات والخلافات.

إن الأثر الطيب الذي غرسه الحاج هائل لم يتوقف عند حدود المشاريع التي أسسها في حياته، بل تجذّر عميقًا في نفوس أبنائه، الذين حملوا الراية من بعده، مضيفين إلى مسيرة الخير أبعادًا جمالية وحضارية تلامس جوانب أخرى من حياة الإنسان والمجتمع.

لقد استلهم الأبناء من رؤية والدهم الشاملة للتنمية، فلم يقتصر اهتمامهم على بناء المؤسسات الخدمية الأساسية، بل امتد ليشمل تجميل محيط الإنسان وتوفير سبل الراحة والترفيه له.

 فكما اهتم الأب ببناء العقول والأجساد، اهتم الأبناء بتهيئة البيئة الحاضنة لهذه العقول والأجساد، إيمانًا منهم بأن جودة الحياة لا تكتمل إلا بجمال المحيط وسلامة البيئة.

فكانت مساهمتهم الفاعلة في شق الطرق وتعبيدها بمثابة شرايين جديدة تتدفق بالحياة والتواصل بين أرجاء الوطن، تسهل حركة الناس وتزيد من فرص التنمية والازدهار. 

هذه الطرق لم تكن مجرد مسالك لربط المدن والقرى، بل كانت جسورًا للتلاقي والتكامل بين أبناء اليمن الواحد.

ولم يغفلوا أهمية المتنزهات والحدائق في توفير متنفس طبيعي للناس، ومساحات خضراء تبعث على الراحة والاستجمام. 

لقد أدركوا أن هذه الأماكن ليست مجرد مساحات للترفيه، بل هي رئات يتنفس بها المجتمع، ومواقع لتعزيز الروابط الاجتماعية وتنمية الحس الجمالي. فبإنشائهم لهذه الحدائق والمتنزهات، أضافوا لمسة جمالية تبعث البهجة في النفوس وتزيد من جاذبية المدن.

وامتدت أياديهم البيضاء لتشمل تجميل الشواطئ، تلك الثروة الطبيعية التي حبا الله بها اليمن. 

لقد عملوا على صيانتها وتطويرها لتكون متنفساً طبيعياً للجميع، ومصدرًا للبهجة والاسترخاء، مدركين أهمية الحفاظ على جمال الطبيعة وتقديمها في أبهى صورها للأجيال الحاضرة والقادمة.

إن هذه الإضافات النوعية من قبل أبناء الحاج هائل سعيد أنعم، والتي تشمل شق الطرق وتجميل المدن والشواطئ، لم تكن مجرد أعمال إنشائية، بل كانت تعبيرًا عن رؤية حضارية متكاملة، تؤمن بأن التنمية الحقيقية تشمل كافة جوانب حياة الإنسان، المادية والروحية والجمالية.

لقد سار الأبناء على نهج والدهم في العمل بصمت وإخلاص، تاركين بصمات واضحة للعيان، وشواهد حية على إيمانهم بمسؤوليتهم تجاه مجتمعهم ووطنهم. 

إنهم بذلك لم يحافظوا على إرث والدهم فحسب، بل أضافوا إليه فصولًا جديدة من العطاء والجمال، مؤكدين أن شجرة الخير التي غرسها الحاج هائل ما زالت تثمر يانعًا، وتظلل بفيئها أجيالًا متعاقبة.

الحاج هائل سعيد أنعم ليس مجرد اسم في سجل التاريخ، بل هو أيقونة مضيئة في ذاكرة اليمن، ونموذج يحتذى به في العطاء والإنسانية. قصته ليست مجرد سيرة ذاتية لرجل، بل هي قصة أمة عرفت فيه رمزًا للخير والوحدة والأمل. 

سيظل ذكره خالدًا، وأعماله شاهدة على عظمة روحه ونبل مقاصده، تتناقلها الأجيال بفخر واعتزاز. لقد كان ملكًا متوجًا على القلوب، وسيبقى كذلك إلى الأبد. 

بقلم: أ.  عبدالله الشرعبي