الحوثي وأمريكا… رقصة المصالح على مسرح العداء المعلن.
في عالم السياسة، حيث تتشابك المصالح وتتصادم المبادئ، يصبح العداء والصداقة مجرد أقنعة تُرتدى وتُخلع حسب الحاجة. إنه عالمٌ لا يعترف بالثوابت، حيث تُدار العلاقات بمنطق البراغماتية الباردة، وحيث تُصبح الحقيقة ضحيةً في لعبة المصالح الكبرى.
في هذا السياق، تتجلى العلاقة بين الحوثيين وأمريكا كأحد أكثر الأمثلة تعقيدًا وازدواجية، علاقة تُعيد تعريف مفهوم التحالفات، ليس كروابط قائمة على القيم أو المبادئ، بل كشبكة من المصالح المتبادلة التي تُخفي وراءها تناقضات صارخة.
العداء المعلن بين الحوثيين وأمريكا ليس إلا ستارًا يُخفي وراءه رقصةً معقدة من المصالح المشتركة. الحوثيون، الذين يُقدمون أنفسهم كأعداء للإمبريالية الأمريكية، يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان مستفيدين من سياسات واشنطن التي تُبقيهم في موقعهم.
وأمريكا، التي تُعلن عداءها للحوثيين، تُمارس سياسات تُظهر وكأنها تُدير الصراع بدلًا من أن تُنهيه. إنها لعبةٌ تُدار بخيوطٍ دقيقة، حيث تُصبح الحقيقة مجرد تفصيل صغير في مشهد أكبر.
قيادات الشرعية، التي تُعاني من ذاكرة مثقوبة، تبدو وكأنها أسيرة لوهمٍ مستمر، وهم أن أمريكا ستخوض حربًا نيابة عنها لتعيدها إلى صنعاء وتمنحها مفاتيح الحكم.
هذا الوهم ليس مجرد خطأ في التقدير، بل هو انعكاس لحالة من التناقض الداخلي الذي يُضعف قدرتها على اتخاذ مواقف حاسمة.
إن استسلام الشرعية لهذه التناقضات لم يُضعفها فقط، بل فتح الباب أمام قوى إقليمية كالسعودية والإمارات لتنتقص من سيادتها، وتُمارس طموحاتها في الاستيلاء على أراضٍ يمنية، وكأنها تُعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة.
الحديث عن العلاقة بين الحوثيين وأمريكا لا يمكن أن يُفهم دون التوقف عند السياق الأوسع، وهو الحوار الأمريكي الإيراني. هذا الحوار، الذي أوقفه ترامب وأعاده اليوم، يُظهر كيف أن المصالح تُعيد تشكيل العداوات التاريخية.
إيران، التي تُقدم نفسها كعدوٍ لدود لأمريكا، تجد في الحوار معها وسيلة لتحقيق مكاسب استراتيجية، بينما تُبقي على خطابها العدائي كوسيلة لتثبيت شرعيتها أمام أنصارها.
هذا التناقض ليس جديدًا، بل هو جزء من لعبة المصالح التي تُدار منذ عقود، حيث تُصبح التهديدات المتبادلة مجرد أدوات في لعبة أكبر.
في هذا السياق، يمكن فهم العلاقة بين الحوثيين وأمريكا. العداء الظاهري بين الطرفين يُخفي وراءه شبكة من المصالح المتبادلة، حيث تُمارس أمريكا دورًا مزدوجًا:
تُظهر عداءها للحوثيين من خلال القصف الجوي، بينما تُمارس سياسات تُبقي الجماعة في موقعها، كأنها تُدير الصراع بدلًا من أن تُنهيه.
من الذي منع تحرير الحديدة؟ من الذي حال دون نقل البنوك من صنعاء إلى عدن؟ أليست هذه السياسات دليلًا على أن أمريكا تُدير اللعبة بما يخدم مصالحها، حتى لو كان ذلك يعني إبقاء الحوثيين في موقع القوة؟
القصف الأمريكي، الذي يُقدم كدليل على العداء، ليس إلا جزءًا من هذه اللعبة. إنه قصفٌ يُوجه بعناية، لا يستهدف القيادات الحوثية الكبرى، بل يضرب أهدافًا تُبقي الجماعة في حالة من التوازن، دون أن تُضعفها بشكل جذري.
القيادات التي تُستهدف ليست من صلب الجماعة، بل من الأطراف التي قد تُشكل تهديدًا لها في المستقبل. إنها سياسة تُعيدنا إلى دروس التاريخ، حيث تُستخدم القوة العسكرية كوسيلة لإدارة الصراعات، لا لحسمها.
في النهاية، العلاقة بين الحوثيين وأمريكا ليست مجرد تناقض سياسي، بل هي انعكاس لعالم تُدار فيه العلاقات الدولية بمنطق المصالح، حيث تُصبح القيم والمبادئ مجرد شعارات تُستخدم لتبرير السياسات.
إنها علاقة تُظهر كيف أن العداء والصداقة يمكن أن يتداخلا، وكيف أن الحقيقة تُصبح ضحية في لعبة تُدار خلف الكواليس.
الشرعية، التي تُعاني من ذاكرة مثقوبة، تحتاج إلى أن تُعيد تقييم مواقفها، وأن تُدرك أن العالم لا يُدار بالأوهام، بل بالحقائق التي تُفرض على الأرض.
أما الحوثيون، الذين يُحاولون أن يُظهروا أنفسهم كقوة لا تُقهر، فإنهم ليسوا إلا جزءًا من لعبة أكبر، لعبة تُدار بمنطق المصالح، حيث لا مكان للثوابت أو القيم.
هذا هو المشهد الحقيقي: عالمٌ تُدار فيه العلاقات بمنطق المصالح، حيث تُصبح العداوات مجرد أدوات، والصراعات مجرد وسائل لتحقيق أهداف أكبر.
الحوثيون وأمريكا، أعداء في العلن، أصدقاء في الخفاء، يُظهرون كيف أن السياسة ليست إلا لعبة تُدار خلف الكواليس، حيث تُصبح الحقيقة مجرد تفصيل صغير في مشهد أكبر.
منور مقبل
كاتب يمني