في ذكرى تأسيسه... حزب الإصلاح يتبرأ من "الإخوان المسلمين"
في ذكرى تأسيس فرع جماعة "الإخوان المسلمين" الـ35 في اليمن يجدد تنظيم "الإصلاح" التبرؤ من الجماعة التي تواجه سخطاً داخلياً وفي الإقليم والعالم بعد دورها البارز في ما سمي "الربيع العربي"،
وفي الوقت ذاته يسعى الإصلاحيون إلى الإبقاء على كيانهم المشارك في قوام الحكومة الشرعية اليمنية بعدما بدأت تتآكل بقية المكونات الحزبية.
وخلال الأعوام الخمسة الأخيرة، لا تمر مناسبة لذكرى تأسيس "الإصلاح"، من دون أن تسجل قياداته تصريحات نافية لصلة الحزب بالتنظيم الدولي للـ"إخوان المسلمين" آخرها أمس الجمعة، إذ جدد محمد اليدومي، وهو رئيس هيئة شورى الإصلاح، التأكيد على "عدم وجود أي صلة تربطهم بالإخوان".
قال إن "’الإصلاح‘ حزب يمني المنبت والجذور، يعمل في إطار الدستور والقانون ويتمسك بالعمل السياسي السلمي والديمقراطي، وليس له علاقة تنظيمية بأي حزب أو جماعة خارج حدود اليمن".
وأثار هذا التصريح جدلاً كبيراً في الأوساط اليمنية، وثمة أصوات اعتبرته دبلوماسية تهدف للنأي عن أي محظور محلي ودولي يعوق نشاط الحزب، في حين يؤكد آخرون أنه امتداد للجماعة الإخوانية عطفاً على التكوين الفكري والتنظيمي المعلوم الذي نشأ عليه عام 1990 باسم "تجمع الإصلاح" وهو يواجه اليوم اتهامات قبل القوى السياسية بالاستئثار بمفاصل وقرار الحكومة اليمنية.
وعن دوافع التبرؤ من الجماعة الإخوانية المصنفة إرهابية عالمياً، يرى محللون أنها "محاولة تجمع بين التخفف من المحاذير الإقليمية والدولية بشكل صوري يجادل به الحزب خصومه"،
وليتسنى للحزب تجنب أي حظر دولي قد يطاوله مع استمراره في الاستحواذ بنصيبه الوافر في قوام الحكومة الشرعية وهو يحرص على تثبيت حضوره بداخلها من خلال تكريس ولاءاته العسكرية وتعزيز حضوره مستقبلاً،
وهو ما أكده رئيسه الذي دعا إلى تبني "ميثاق شرف سياسي" بين جميع القوى الوطنية "يقوم على إدارة البلاد بعد إنهاء انقلاب الحوثيين بالشراكة والتوافق لعدة أعوام وصولاً إلى انتخابات عامة في إطار توافق وطني واسع".
طموح نحو السلطة
ويرى الكاتب السياسي محمد الصعر أن "مناسبة تأسيس حزب ’الإصلاح‘ باتت موعداً سنوياً للتنصل من ارتباطه بتنظيم ’الإخوان‘ المحظور دولياً وفي ذلك إشارة إلى طموح جامح منه لحجز مقعده السياسي بعد انتهاء الحرب اليمنية وسط سخط الشارع اليمني".
ويعتبر الباحث اليمني أنها "مناورات إخوانية خصوصاً والتنظيمات الإسلامية تُجيد تفريخ الأجنحة العسكرية والسياسية والمتشددة أيضاً، لذا تبقى الصدقية مرتبطة بمدى استعداد الحزب لاتخاذ قرارات جريئة تقطع أي التباس وتؤسس لمرحلة مختلفة بوضوح"،
ووفقاً لذلك "لا يعتد بهذا الأسلوب من المناورات لأنها لم تعمد إلى اليوم بمواقف رسمية من التنظيم المصنف عالمياً أنه إرهابي بتغيير اسم الحزب وشعاره وأدبياته الفكرية والعقائدية مع إبداء شفافية للعامة حول التاريخ السابق له مع التنظيم".
"لا ارتباط لنا مع ’الإخوان المسلمين‘"
وسبق ذلك تصريح سابق لليدومي أكد فيه "بمنتهى الوضوح والشفافية وقطعاً لأي تأويلات أو إشاعات عدم وجود أية علاقات تنظيمية أو سياسية تربطه بالتنظيم الدولي للـ’إخوان المسلمين‘"
ما اعتبر حينها محاولة تنظيمية لإزالة الملابسات والتهم التي تحيط بالإصلاح في مسعى إلى نيل ثقة الإقليم والمجتمع الدولي الداعم للحكومة الشرعية عززها الحزب بحضور تنظيمي سياسي واجتماعي كثيف في الداخل،
وعقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء اتخذوا من محافظة مأرب مركزاً تنظيمياً بديلاً وتداعت فيها قواه التاريخية والفكرية والعسكرية والقبلية إضافة إلى حضورهم البارز في محافظة تعز وبعض المناطق الأخرى.
وحاولت "اندبندنت عربية" تضمين تصريح على لسان عدد من قادة الإصلاح لكن ثلاثة من أعضاء الحزب اعتذروا عن التعليق.
الأحمر: نحن امتداد لجماعة "الإخوان المسلمين"
ومنذ تأسيسه لم يكن "الإصلاح" ينفي ارتباطه بجذوره السياسية والأيديولوجية في مصر، بزعماء التنظيم الدولي ومؤسسيه.
وبالعودة إلى قراءة عابرة في خلفيات إنشاء حزب "الإصلاح" التي تؤكد حقيقة منبته، يؤكد الشيخ القبلي البارز عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح منذ 1990 إلى عام 2008، في مذكراته التي أصدرها عام 2007، أن حزبه يعتبر امتداداً لحركة "الإخوان المسلمين"، وسجل هذه الشهادة كما وردت في الكتاب من الصفحة 231 إلى صفحة 252، وقال فيها إن "’الإصلاح‘ امتداد لحركة ’الإخوان المسلمين‘ ومثل هذا لا يستطيع قادة الحزب اليوم نفيه ولا حتى نفي منشوراتهم وإصداراتهم بل وتصريحاتهم".
ويؤكد الإصلاحي السابق، أن ما تعرف بـ"الجبهة الإسلامية تحولت إلى حزب الإصلاح بأمر من الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح".
ويكشف الشيخ الأحمر أن الرئيس علي عبدالله صالح طلب منه "ومن مجموعة الاتجاه الإسلامي بالذات وأنا معهم، أن نكوّن حزباً سياسياً يكون رديفاً للمؤتمر الشعبي العام ’حزب صالح‘ وكنا ما زلنا في المؤتمر، وقال كونوا حزباً رديفاً للمؤتمر ونحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة وسندعمكم.. وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح في حين كان هناك فعلاً تنظيم وهو ’الإخوان المسلمون‘ الذي جعلناه كنواة داخلية في التجمع، لديه التنظيم الدقيق والنظرة السياسية والأيديولوجية والتربية الفكرية".
وفي الأدبيات التي يعرف بها "الإصلاح" عن نفسه كما نص في نظامه الأساسي أنه "حركة تشكل الوعاء التنظيمي لتيار الصحوة الإسلامية المتنامي"، ويعتبر نفسه "امتداداً حياً لحركة التجديد والإصلاح الناهضة في تاريخنا الحديث"، في إشارة إلى جماعة "الإخوان المسلمين" الأم.
وفي تصريحات سابقة للقيادي في "الإصلاح" عبدالله العديني قال في مقطع متداول موثق "أقمنا حركة ’الإخوان المسلمين‘ ضد ٢٦ سبتمبر لأنها ثورة جاهلية".
موقف إيجابي
وللتبرؤ من الجماعة وفق كثر مؤشر تراجع إيجابي في نهج "التجمع اليمني" وذلك باستعادتهم إلى محيطهم والتخلي عن الفكر الذي نشأوا عليه.
ويعتبر الباحث السياسي ثابت الأحمدي أن "مجرد نفي رئيس الهيئة للـ’إصلاح‘ لأية علاقة لهم في اليمن بتنظيم ’الإخوان المسلمين‘ موقف إيجابي بصرف النظر عن الجانب العملي فيه والشق الواقعي الذي يجب أن نقرأه وفق سياقه التاريخي الطويل والمعقد بعض الشيء".
للـ"إصلاح"... "مواقف وتضحيات"
ومع ما يحيط هذه الدعوة من خفايا سياسية، يرى الأحمدي أنه "يجب أن نتعامل مع ’الإصلاح‘ باعتباره حزباً سياسياً يمنياً، بخصوصيته المحلية، في الأقل لموقفه الوطني الأخير، وتضحياته الجسيمة بصرف النظر عن التقاطعات الفكرية التي لا تزال مشتركة بينهم وبين التنظيم الأم".
ويقول إن "جزءاً من هذا التقاطع في إطاره المقبول كمنظومة إسلامية تلتقي فيه كل الجماعات، وجزءاً آخر نأمل أن يتم التخلص منه نهائياً في المرحلة القادمة لأنه من الصعب قطع علاقة تاريخية ممتدة لما يزيد على 80 عاماً في عشية أو ضحاها".
أما عن التساؤلات المطروحة حول لماذا لم يحلّ الحزب وينشأ كيان جديد، فيستبعد الأحمدي ذلك نظراً إلى محاذير تنظيمية ومنها حتمية مثلاً "تصويت الثلثين من قوام مؤتمره العام، وهو قرار لا يمتلكه رئيس الحزب ولا أمينه العام فالمؤتمر العام هو السلطة العليا لأي حزب سياسي،
وليس بالضرورة لكي يتخلى أي حزب عن فكرة ما أو يجدد نفسه أن يحلّ نفسه، يكفيه اتخاذ قرار بذلك، ثم إن حل أي حزب لنفسه ليس بالأمر السهل".
مرحلتان
ويقول الأحمدي إن للـ"إصلاح"، "مرحلتين من عمره، الأولى ما قبل عام 90م حين كان ذراعاً من أذرع ’الإخوان‘ في اليمن، بشيء من الخصوصية المحلية، وهذا لا ينكره أحد"،
فيما المرحلة الثانية "بعد عام 90 وإعلان التعددية السياسية، حيث بدأ الحزب يتخفف قليلاً، وخاصة بعد مؤتمره العام الثالث عام 2003 وإن بقي الحبل السري ممتداً بين الطرفين،
كما هو الشأن مع بقية الأحزاب الأيديولوجية الأخرى: اشتراكي، ناصري، بعثي، سلفي.. إلخ. جميعهم مرتبطون بالجذور الأولى في بلد المنشأ، وهذا الارتباط ذو شقين، إيجابي وسلبي، في الوقت نفسه"، وفقاً للباحث السياسي.
توفيق الشنواح
صحافي بمني