ماذا وراء قرارات "الانتقالي" ودعوته للاحتشاد في جنوب اليمن؟
على وقع الأزمات الاقتصادية وحالة الجمود السياسي التي يمر بها اليمن منذ سنوات، أثار عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، الجدل بإصدار جملة من القرارات وإطلاق دعوة لأنصاره للاحتشاد تأكيداً لـ"حق تقرير المصير".
قرارات التعيين التي أصدرها الزبيدي في مناصب حكومية وأخرى محلية رأى فيها بعض السياسيين والمحللين اليمنيين سطواً على صلاحيات الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، اللذين يحظيان بدعم كبير من قبل الحكومة السعودية.
وتتزامن إجراءات ودعوات الزبيدي مع عودة رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي إلى عدن، الأمر الذي دفع البعض إلى اعتبارها محاولة انقلابية جديدة من داخل الشرعية نفسها هذه المرة.
تعيينات أحادية
الزبيدي يرأس إلى جانب المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال قيادة القوات المسلحة الجنوبية، وشملت تعييناته شخصيات محسوبة على المجلس في مناصب عدة بهيئات ووزارات ووكلاء في عدد من المحافظات الجنوبية، علماً أنها من اختصاص مجلس القيادة الرئاسي.
كما جاءت القرارات بعد بيان المجلس الانتقالي (الأربعاء 10 سبتمبر) الذي يتهم فيه الحكومة الشرعية بـ"تجاهل حقوق شعب الجنوبي"، والانتقاص من الحقوق المترتبة على الشراكة السياسية.
كما برر المجلس في بيانه القرارات بما أسماها "عرقلة القرارات الخاصة بتمكين الكوادر الجنوبية، وتعطيل تنفيذ اتفاق الرياض 2019، وعدم تنفيذ الالتزامات الواردة في مشاورات الرياض 2022".
وعلى الفور أصدرت هيئات المجلس الانتقالي بيانات مؤيدة لقرارات الزبيدي، مؤكدةً أنها "تمثل خطوة عظيمة نحو تمكين الكوادر الوطنية واستعادة القرار السياسي الجنوبي، بما يضمن التطوير المؤسسي وتفعيل أداء المؤسسات والهيئات لخدمة شعب الجنوب وحفظ كرامته".
دعوة للاحتشاد
وبالتزامن مع قرارات التعيين أطلق عيدروس الزبيدي دعوة لأنصار المجلس الانتقالي للاحتشاد للاحتفال بذكرى ثورة 14 أكتوبر وذكرى الجلاء في 30 نوفمبر، في عدن وبقية المحافظات الجنوبية.
الزبيدي قال في تدوينة على منصة "إكس": إن "احتشاد جماهير شعبنا وخروجها إلى الساحات في عموم المحافظات لإحياء مناسبتَي الثورة والاستقلال يمثل رسالة للعالم أجمع بأننا ماضون بثبات نحو استعادة دولتنا الجنوبية كاملة السيادة من المهرة إلى باب المندب".
ويعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي مشاركته في مجلس القيادة الرئاسي الذي تشكل في أبريل من العام 2022، بمنزلة مرحلة في طريق حق تقرير المصير لجنوب اليمن، معتبراً نفسه الرافعة السياسية لاستعادة "دولة الجنوب".
كما يملك المجلس الانتقالي الجنوبي حضوراً شعبياً وعسكرياً وأمنياً في عدن ومحافظات لحج وأبين والضالع، وأيضاً حضرموت وشبوة وأرخبيل سقطرى، وسبق أن فرض الإدارة الذاتية (أبريل 2020)، قبل أن يتراجع عنها ويدخل في شراكة وتقاسم ويصبح شريكاً في إدارة الدولة اليمنية المعترف بها دولياً، من خلال عضوية مجلس القيادة وعدد من الحقائب الوزارية.
خرق للمرجعيات
وفي مقابل مبررات الانتقالي من وراء اتخاذ هذه القرارات، التي يفترض أن تتم بالتوافق بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ثمة من يرى فيها انقلاباً خطيراً على التوافق والمرجعيات المتفق عليها بموجب اتفاق الرياض.
ووصف البرلماني اليمني علي عشار قرارات الزبيدي بأنها "خطوة مؤسفة"، لأنها –حسب قوله– "تمثل خرقاً واضحاً وخطيراً لكل المرجعيات؛ كونه لا يملك أي صلاحيات تخوّله لإصدار مثل هذه القرارات".
كما أوضح في منشور على "فيسبوك" أن "ما جرى انتهاك صارخ للدستور والمرجعيات الوطنية الحاكمة، ومضمونه لا يخرج عن كونه إعلاناً صريحاً للانقلاب على الشرعية الدستورية وتجاوزاً لمؤسسات الدولة، بما يمسّ جوهر التوافق الوطني الذي أُسِّس عليه مجلس القيادة الرئاسي".
كما لفت إلى أن هذه القرارات والخطوات "تمثل تهديداً مباشراً للشرعية أمام العالم الذي تعامل معها بوصفها الممثل الرسمي للدولة اليمنية"، لافتاً إلى أنها تمس أيضاً "داعمي الشرعية" في إشارة للسعودية والإمارات.
وأشار عشار إلى أنه "إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لوقف هذا العبث، فإن الأمر سيتحوّل إلى طعنة قاتلة لجسد الشرعية، وانقلاب صريح على التزامات دولية وإقليمية ارتضاها الجميع".
تعميق الخلافات
ولم يصدر حتى هذه اللحظة أي موقف أو بيان من قبل رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي حول قرارات الزبيدي، وسط تحذيرات من تداعياتها وآثارها على البلاد المنهكة أصلاً من الحرب المستمرة منذ 2014.
من ناحيته قال الأكاديمي والمحلل السياسي اليمني عادل الشجاع والقيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام: إن "الإجراءات التي اتخذها الزبيدي لا يمكن فصلها عن المسار العام الذي يتبناه المجلس الانتقالي منذ توقيع اتفاق الرياض، والذي منحه دوراً سياسياً معترفاً به ضمن تركيبة السلطة الشرعية، دون أن يتخلى عن مشروعه الجنوبي الانفصالي".
وأضاف الشجاع :
- الزبيدي يتحرك ضمن هامش سياسي يتيح له الاستفادة من موقعه كنائب لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، وفي الوقت نفسه يعزز نفوذه في الجنوب كممثل فعلي لسلطة الأمر الواقع هناك.
- من المتوقع أن تؤدي تلك القرارات إلى تعميق الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي يعاني أصلاً من تباينات حادة بين أعضائه، خصوصاً بين الزبيدي وطارق صالح ورشاد العليمي.
- هذه الخطوات تعكس نوعاً من الانفراد بالقرار، وتتعارض مع روح القيادة الجماعية التي يفترض أن يقوم عليها المجلس.
- في حال استمرت هذه القرارات بدون توافق أو تنسيق مسبق مع باقي أعضاء المجلس، سنشهد مزيداً من الجمود أو حتى التفكك داخل مجلس القيادة، خاصة إذا ما تزايدت الضغوط الإقليمية أو الداخلية لإعادة ضبط العلاقة.
- استمرار الزبيدي في اتخاذ قرارات تعزز من استقلالية الجنوب سيضعف أكثر فأكثر من صورة الشرعية اليمنية الموحدة، ويعزز التصورات بوجود سلطتين منفصلتين (جنوبية وشمالية)، حتى وإن ظلت الشكليات موحدة ضمن مجلس القيادة.
ووضع الشجاع ثلاثة سيناريوهات لنتائج هذا التصعيد، تمثلت في:
- تصاعد الدعوات لانفصال الجنوب كأمر واقع.
- تراجع قدرة الحكومة الشرعية على التفاوض مع الحوثيين من موقع موحد.
- زيادة الضغوط الإقليمية والدولية لإعادة تشكيل السلطة الشرعية بما يتناسب مع موازين القوى على الأرض.
واختتم حديثة بالتحذير من أن "هذه القرارات تهدد التوازن الهش داخل مجلس القيادة، وهذا قد يعجل بإعادة رسم المشهد السياسي اليمني برمته، خصوصاً إذا استمرت الحكومة الشرعية في ضعفها المؤسسي وغياب رؤيتها الواضحة للتعامل مع شركائها الانفصاليين".