شهر من العدوان الأميركي على اليمن: استراتيجية الردع لا تحقق أهدافها
في 15 مارس/آذار الماضي، بدأ العدوان الأميركي على اليمن بأمر من الرئيس دونالد ترامب، عبر شنّ سلسلة غارات جوية على مواقع وأهداف تابعة لجماعة الحوثيين في مناطق سيطرتها شمالي وغربي اليمن، لتتصاعد هذه الغارات بوتيرة متزايدة، سواء في عددها اليومي، أو في توسع الرقعة الجغرافية للمناطق المستهدفة.
وتأتي هذه الغارات التي أمر بشنّها ترامب، رداً على استعادة جماعة الحوثيين عملياتهم في المياه الإقليمية، "إسناداً" لقطاع غزة بعدما استأنف الاحتلال عدوانه على قطاع غزة رافضاً المضي في اتفاق وقف إطلاق النار.
وكان الطيران الأميركي، في عهد سلف ترامب، جو بايدن، قد وجّه ضربات جوية ضد ما قال إنها أهداف تابعة لجماعة الحوثيين في اليمن، العام الماضي، رداً على "إسناد غزة"، والذي تمثّل بعرقلة واستهداف سفن شحن وناقلات نفط في البحر الأحمر، قالت الجماعة إن لها ارتباطا بإسرائيل، أو متجهة إلى الأراضي المحتلة.
كما استهدف الحوثيون مرات عدة، ولا يزالون، الأراضي المحتلة، بصواريخ منها الفرط صوتية، وقالوا إنهم اشتبكوا مع حاملات طائرات أميركية في المنطقة.
وكان الطيران الحربي الأميركي في عهد بايدن، استهدف مواقع الجماعة، بحسب إعلاناته، بمساندة سلاح الجو البريطاني، كما استهدفت إسرائيل أيضاً، بغارات، مرات عدة، الأراضي اليمنية.
ويعدّ العدوان الأميركي على اليمن منذ 15 مارس الماضي، أعنف وأكثف، وقد أدّت إلى سقوط عشرات القتلى في مناطق سيطرة الحوثيين.
أهداف العدوان الأميركي على اليمن
وتتركز هذه الغارات الأميركية منذ شهر، على ثلاث مدن رئيسية تمثل مركز السيطرة الحوثية، هي العاصمة صنعاء التي تعد مركز الحكم السياسي للجماعة، ومحافظة صعدة شمالي اليمن، والتي تعد المعقل الرئيسي للجماعة والمخزن الرئيسي لترسانتها من الأسلحة النوعية والثقيلة،
بالإضافة إلى محافظة الحديدة الساحلية التي تمثل الشريان الاقتصادي للجماعة، ومنطلق تنفيذ عملياتها البحرية التي تستهدف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.
غير أن رقعة المناطق المستهدفة قد توسعت لتشمل غالبية المحافظات الواقعة كلياً أو جزئياً تحت سيطرة الجماعة، حيث شمل العدوان الأميركي على اليمن محافظات مأرب والجوف والبيضاء وحجة وعمران وذمار وإب وتعز، وتستهدف بشكل رئيسي المعسكرات والمواقع والأنفاق ومخازن السلاح وأنظمة وشبكات الاتصالات، بالإضافة إلى استهداف قيادات في الجماعة، وكذا مقرات ومبان تابعة للجماعة وقياداتها.
وتشنّ المقاتلات الأميركية غاراتها منذ شهر على اليمن، يوميا. وفجر أمس الثلاثاء، استهدف العدوان الأميركي على اليمن مواقع وأهدافا حوثية في منطقتي الجحف والقدير في أطراف مديرية الحزم مركز محافظة الجوف شمال شرقي اليمن.
كما استهدف العدوان الأميركي بغارتين، مواقع حوثية في مديرية العبدية بمحافظة مأرب شمال شرقي اليمن.
وطاول العدوان الأميركي بغارات عدة، في وقت متأخر من مساء الاثنين، منطقة اليتمة في مديرية خب والشعف بالجوف.
ويوم الاثنين، طاولت الغارات معسكرات ومواقع عسكرية ومخازن أسلحة تابعة للحوثيين في مأرب والحديدة.
وفي مأرب، استهدفت أكثر من 20 غارة، معسكرات ومواقع عسكرية ومخازن أسلحة في مديريات مدغل ورغوان ومجرز وصرواح والجوبة.
وشن الطيران الأميركي ست غارات على مواقع تابعة للجماعة في وادي حلحلان بمديرية مجزر، و15 غارة على مواقع ومخازن أسلحة للحوثيين في رغوان ومدغل، وأربع غارات على مخازن أسلحة تابعة للحوثيين في أطراف مديرية الجوبة، وغارات أخرى على مديرية صرواح.
وتحدثت مصادر محلية ، عن تسجيل انفجارات عنيفة في معسكر ماس ناجمة عن استهداف الطيران الأميركي مخازن أسلحة داخل المعسكر الواقع في منطقة الجدعان. كما شن الطيران الأميركي غارات على جزيرة كمران التابعة لمحافظة الحديدة.
وأدّى العدوان الأميركي على اليمن منذ شهر، والذي تصر الإدارة الأميركية على أنه يستهدف فقط الحوثيين، إلى سقوط عشرات الضحايا، بينهم نساء وأطفال، وتدمير مبانٍ سكنية وانقطاع التيار الكهربائي في بعض المناطق.
وأدّت الغارات، إلى مقتل 123 مدنيا وإصابة 247 آخرين على الأقل، منذ شهر، غالبيتهم أطفال ونساء، بحسب بيانات حوثية أمس، وذلك في حصيلة لا تشمل قتلى ومصابين من قوات الجماعة.
وفيما توعد ترامب بأن إيران ستتحمل مسؤولية كل طلقة نار يطلقها الحوثيون في اليمن، فإن بدء المفاوضات بين طهران وواشنطن حول البرنامج النووي الإيراني السبت الماضي، لم يفض إلى وقف العدوان الأميركي على اليمن.
وبلغ عدد الغارات الأميركية خلال شهر من العدوان، أكثر من 500 غارة، حيث تتزايد أعدادها نتيجة استمرار الحوثيين بالتصعيد عبر إطلاقهم للصواريخ والمسيّرات لاستهداف القطع الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن، مع استمرار استهدافهم للأراضي الفلسطينية المحتلة،
وهو ما دعا مسؤولين في الإدارة الأميركية للتصريح في أكثر من مناسبة أن العمليات التي تنفذها القوات الأميركية ضد الحوثيين ستستمر حتى تحقيق أهدافها المعلنة في تأمين الملاحة في البحر الأحمر.
وفي تقرير لها نشر في الرابع من إبريل/نيسان الحالي، نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، أن العدوان الأميركي على اليمن قد يستمر ستة أشهر، وأن تكلفته قد تتجاوز مليار دولار (باختتامه ثلاثة أسابيع)، وأن البنتاغون ربما يضطر لطلب أموال إضافية لتمويل عدوانه على اليمن من الكونغرس.
وجعل اتباع الحوثيين لسياسة "مواجهة التصعيد بالتصعيد"، الإدارة الأميركية، تتوجه إلى تصعيد وتكثيف عملياتها، عبر تسيير حاملة طائرات إضافية إلى المنطقة، وهي حاملة الطائرات يو أس أس كارل ڤينسون (CVN 70) التي تحمل الشعار Vis Per Mare، والذي يعني "القوة من البحر"،
حيث نشرت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) فيديو يوثق لحظة إقلاع طائرات حربية من على متن هذه الحاملة التي دخلت الخدمة في البحر الأحمر يوم الجمعة الماضي.
ولفت موقع سي أن أن، في الخامس من إبريل، نقلاً عن مسؤولين دفاعيين أن قاذفات بي 2 في قاعدة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، تُستخدم أيضاً ضد الحوثيين.
وتشدد الولايات المتحدة على أنها لن تتسامح مع أي دولة أو جهة تجارية تقدم الدعم للمنظمات الإرهابية الأجنبية، مثل الحوثيين، بما في ذلك تفريغ السفن أو تزويدها بالنفط في الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون،
فمثل هذه الأفعال قد تُعدّ انتهاكاً للقانون الأميركي، وفق التصريحات الأميركية الرسمية.
التوسع في العدوان الأميركي على اليمن من حيث عدد الغارات، رافقه تطور في نوعية هذه الغارات، حيث بدأت المقاتلات الجوية الأميركية مطلع إبريل، باستهداف أهداف متحركة عبر استهداف سيارات ومركبات لقيادات حوثية.
ففي الثاني من إبريل، نفذت الطائرات الأميركية غارة على مركبة تقل قيادات حوثية في منطقة قحازة بمديرية بلاد الروس جنوبي صنعاء.
وتزايد استهداف الأهداف المتحركة، حيث شنّ الطيران الأميركي في الثامن من إبريل، غارات على رتل عسكري يضم مركبات عدة في كوفل بمديرية صرواح بمحافظة مأرب، وبقيادة أركان حرب جبهة صرواح مأرب الملقب بالحاضري والذي قتل مع 17 عنصراً من مرافقيه.
كما استهدفت غارة أميركية في التاسع من الشهر الحالي سيارة لقيادات حوثية بالقرب من ميدان السبعين والذي يعد من أكثر الأحياء تحصيناً وسط صنعاء، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص كانوا على متنها، وتفحم جثثهم بشكل كامل.
وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت كشفت أن القصف الأميركي المتواصل استهدف قادة حوثيين رئيسيين، وتمّ القضاء على شخصيات مهمة كانت مسؤولة عن شنّ هجمات على السفن الحربية والتجارية في البحر الأحمر، مشدّدة على أن هذه العمليات لن تتوقف حتى تتم استعادة حرية الملاحة في هذه المنطقة.
حجم العدوان وفاعليته
كما ركزت الغارات الأميركية على استهداف شبكات اتصالات يتم استخدامها من قبل الحوثيين لأغراض عسكرية، حيث استهدفت شبكات الاتصالات في مديريات ذيبين وحرف سفيان بمحافظة عمران شمالي صنعاء، وفي مديريات جبلة وبعدان بمحافظة إب، وفي مديرية برع بالحديدة.
وتحدد المناطق التي يتم استهدافها من قبل الطيران الأميركي خريطة وجود مخازن وأنفاق الأسلحة والمواقع العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ التابعة للحوثيين والتي تمتد في سلسلة جبلية من الجبال الواقعة غرب محافظة مأرب والجوف شرقاً، مروراً بصعدة ووصولاً إلى محافظة حجة شمال غربي البلاد.
كما يستفيد الحوثيون من جغرافية محافظة الحديدة الساحلية حيث تستخدم العديد من المناطق فيها منصات إطلاق صواريخ ومسيّرات، فيما تستخدم جزيرة كمران مركزا للتحكم والسيطرة.
وقد واجه الأميركيون بعض التحديات في التعامل مع مخازن الأسلحة والأنفاق والتحصينات الموجودة في الجبال شديدة التحصين، والتي تمتاز بغطاء طبيعي يصعب اختراقه، ما استدعى استخدام قنابل ارتجاجية وخارقة للتحصينات، وهي أسلحة متقدمة يتم استخدامها للوصول إلى أعماق بعيدة تحت الأرض.
ومع اتساع رقعة المناطق المستهدفة، عمد الحوثيون إلى استخدام منشآت مدنية لتخزين السلاح، كما حدث مع مصنع السواري للسيراميك في مديرية بني مطر جنوب غرب صنعاء، والذي تم استهدافه يوم الأحد الماضي بغارات عدة،
حيث أفادت مصادر محلية ، بأن الغارات نجمت عنها انفجارات متتالية لأسلحة تمّ تخزينها داخل المصنع.
وفي الجانب التكتيكي للتعامل مع نتائج العدوان الأميركي على اليمن منذ 15 مارس، يسعى الحوثيون للتقليل من أثر الغارات على أتباع الجماعة، حيث يفرضون إجراءات أمنية مشددة على المناطق المستهدفة، ويرفضون الكشف عن نتائج الغارات، باستثناء الإعلان عن الضحايا المدنيين.
وتتم حالة التعتيم بالتزامن مع حملات اختطافات واسعة نفذتها الجماعة في محافظات عدة، أبرزها حملة الاختطافات في مديريات مجز ورازح في صعدة، بتهمة تزويد "العدوان الأميركي بمعلومات عن المواقع العسكرية والإحداثيات".
المحلل السياسي سعيد عقلان، رأى أن "هناك تطوراً ملحوظاً في بنك الأهداف الخاصة بالإدارة الأميركية، والتي تستهدفها بالغارات الجوية، حيث تركز على محاور رئيسية، هي الأهداف العسكرية، ونلحظ ذلك من خلال الاستهداف الدقيق للأنفاق في جبال صعدة وصنعاء وحجة وعمران ومأرب، وكذا استهداف مخازن السلاح، ومنصات إطلاق الصواريخ، ومراكز القيادة والسيطرة".
والمحور الآخر، برأيه، "هو استهداف البنى التحتية المتمثلة بالمطارات وشبكات الاتصالات، أما المحور الأخير فيتمثل بالقيادات التي يتم استهدافها بعد عمليات رصد دقيقة، تكشف عن تطور استخباري يتمثل بوجود معلومات دقيقة من داخل الجماعة نفسها، وهذا ما يبث حالة من الرعب والخلخلة داخل صفوف الجماعة"، وفق قوله.
وأضاف المحلل العسكري أن الضربات الأميركية أثّرت على سياق العمليات التي تنفذها الجماعة والتي بات يخرج متحدثها العسكري بين الحين والآخر للإعلان عن استهداف حاملة الطائرات الأميركية ترومان، والتي تم الإعلان عن استهدافها أكثر من 20 مرة، حيث نفت القيادة الأميركية المركزية في بعض الأحيان صحة المزاعم الحوثية،
وأحياناً أخرى تقوم "سنتكوم" ببث مقاطع فيديو من على سطح الحاملة للاستعدادات لتنفيذ هجمات على الحوثيين. وبحسب عقلان، فقد "لاحظنا أيضاً نقصا في إطلاق الصواريخ فرط الصوتية مقارنة بالأسابيع الأولى للهجمات الأميركية".
وكان ترامب قد أصدر بعد عودته للبيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أمراً تنفيذياً بإعادة تصنيف جماعة الحوثيين منظمةً إرهابية أجنبية.
إلا أن العدوان الواسع على اليمن، يبقى متواضع التأثير، وفق تقييم خبراء، لاسيما أن الاختراق الاستخباري للجماعة، لا يزال يواجه تحدياً كبيراً،
فيما الطبيعة الجغرافية لليمن، خصوصاً في شماله، تصعّب مهمة القضاء على الترسانة العسكرية للجماعة، والتي راكمتها على مدى سنوات، أو على خبراتها في تصنيع هذه الترسانة التي تطورت أيضاً.
ورأت الباحثة إليزابيث دينت، في تقرير بمعهد واشنطن البحثي، نشر في 28 مارس الماضي، أن وتيرة الضربات وشموليتها تثير القلق بشأن جاهزية القوات الأميركية ومخزونها من الذخائر.
واعتبرت أنه لتحييد التهديد الحوثي بفعالية، تحتاج واشنطن إلى تنسيق مساهمات الشركاء وتعزيز عمليات اعتراض السفن التي تحاول تزويد الحوثيين بالإمدادات.
وحذّر مايكل نايتس في التقرير ذاته، من أن إرغام الحوثيين على الإعلان عن وقف الهجمات سيبقى أمراً شبه مستحيل، نظراً لقدرتها على الصمود في وجه القوى الغربية على مدى عقدين.
وأضاف أنه مع تصاعد الضغط الأميركي، قد تلجأ الجماعة إلى مهاجمة السعودية، مستغلة نقطة ضعف استراتيجية أميركية.
وفي هذه الحالة، برأيه، ستُضطر واشنطن إلى إثبات قدرتها على حماية المملكة بنفس الحزم الذي تحمي به إسرائيل، وهو ما سيُعد نصراً استراتيجياً كبيراً.
وذهب نعوم ريدان، في تقرير معهد واشنطن، إلى أنه "في حال استمر الحوثيون في تطوير ترسانتهم بدعم إيراني، فقد تكون التداعيات شديدة الخطورة على مصالح الولايات المتحدة والسعودية وحلفائهما".
وأوضح أنه "إلى جانب تهديد حرية الملاحة، قد يُغري هذا النفوذ المتزايد الجماعة بمحاولة توسيع دورها خارج سياق الحرب في غزة".
وفي تقريرها الذي نشرته في الخامس من إبريل، نقلت شبكة سي أن أن، عن مسؤول دفاعي أميركي إقراره بأن الحملة "دمّرت حتى الآن بعض المواقع،
لكن ذلك لم يؤثر على قدرة الحوثيين على مواصلة إطلاق النار على السفن في البحر الأحمر أو إسقاط المسيّرات الأميركية"، مضيفاً أنه "في الوقت نفسه، نستنفد كل طاقتنا وكذلك الذخائر والوقود والوقت".
لكن مسؤولاً دفاعياً آخر رأى أن هجمات الصواريخ التي يشنها الحوثيون على إسرائيل انخفضت، مضيفاً أن حملة القصف المتواصلة جعلت من الصعب على الحوثيين التواصل وإصابة الأهداف بدقة لأنهم أُجبروا على "إبقاء رؤوسهم منخفضة".
فخر العزب
صحافي يمني