فضاء فيسبوك.. عالم مُحاكاة وتجربة فريدة!!
في فضاء "فيسبوك" الواسع، تبرز ظاهرة تستحق التأمُّل، ظاهرة تعكس جانباً من غياب الأدب والخُلُـق في ثقافة الحوار داخل مجتمعاتنا العربية عموماً، واليمنية خصوصاً..
فبين كل مجموعة وأخرى، لا بد أن تصادف مَنْ يكتب وكأنه لم يتعلم شيئاً في بيته أو جامعته، يخوض معارك وهمية، ويشكّـك في الكاتب دون أن يعرفه أو يتحاور معه، بل ويتمادى أحياناً في وصف أفكاره وسلوكياته كما لو كان من المقرَّبين منه..
وهذا السلوك ليس مجرد قِلَّـة تربية، بل تجاوزاً لحدود المنطق، وسقوطاً قِـيَمياً وأخلاقياً يجعل الناس تنزلق إلى مواضيع شخصية بعيدة كل البعد عن جوهر النقاش..
مَنْ يتأمل هذه المشاهد يدرك أن كثيرين لم يتقنوا بعد فن الإصغاء، ولا فهموا أن الحوار رحلة إلى العقول لا إلى الأهواء والزبْج والهَدْرة كما تَعوَّد البعض..
ويبدو أن بعض الناس يظنون أن صفحات "فيسبوك" ساحات ضوضاء مفتوحة للجميع، بينما هي في الحقيقة فضاءات فكرية تجمع بين مَنْ تتقارب ثقافاتهم ورؤاهم..
واحترام هذه المساحات ليس فضلاً من أحد، بل هو شرط أساسي لأيّ تفاعل إنساني راقٍ..
ومن المؤسف أن نرى مَنْ يدخل تلك الصفحات بلا وعي ولا لباقة، فـيُحدِث اضطراباً يشبه أثر كلمة جارحة في مجلس صامت، ويختزل العالم بعُقدته الشخصية وفشله وقِلَّـة عقله..
وربما لا يكون الحل بالمواجهة المباشرة، بل بالإقصاء الذي قد يمنحه فرصة للتفكير والمراجعة والتربية؛ والتنبيه الصامت سبيل إلى الوعي..
وحين يشعر أولئك بأنهم أُقصوا من الحوار والصفحات، قد يدركون أن الخلل فيهم لا في غيرهم..
إن "فيسبوك" ليس مجرد منصة ترفيه اليوم، بل مرآةً تكشف صورة الإنسان حين يُمنح حرية التعبير؛ وفي هذه المرآة تتجلى الفوارق بين مَنْ يرى الكلمة مسئولية، ومَنْ يراها عبثاً أو إضاعة وقت وتسلية..
فحين يسود احترام الرأي والرأي الآخر، تتحول الصفحات إلى جسور تمتد بين العقول؛ وستظل الكلمة ميزان العقل ومرآة القلب، فإنْ حافظنا على نقائها، حفظت لنا إنسانيتنا وعلاقتنا واحترامنا حتى في أكثر الفضاءات ضجيجاً..
لقد منحكَ "فيسبوك" اليوم فرصة لتدرك أن العالم والناس من حولك ليسوا أمك وأباك ليتحمّلوا قِلَّـة عقلك وسوء أدبك، بل هو فضاء واسع يعرض فيه كل شخص أجمل ما اكتسبه من أخلاق وعِلم وخبرة..
هو مساحة يتباهى فيها الناس بما تعلَّموه وكيف يرتقون بأنفسهم، لا ليكشفوا ما فيهم من نقص وسوء طبع..
إنه عالم محاكاة وتجربة فريدة لم تُـتَحْ للأجيال السابقة، عالم يُظهِر وجهك الحقيقي حين تنطق أو تكتب..
فهل من المنطق أن يكون حظك من هذه التجربة هو أن تصرخ بين البشر بأنك قليل عقل وتربية؟!!