Logo

نحو فجر يمني جديد: الحرية التي لا يسلبها أحد

 في زمنٍ أضحت فيه المدن هيكلًا من الركام، والجوعُ سيدَ المشهد، يظلّ صوتُ اليمنيين أعمق من دويّ الرصاص. ليست المأساة في الخراب المادي وحده، بل في ذلك الشعور القاسي بالاغتراب، حيث يصبح الإنسان سجينًا في أرضه، غريبًا في بيته، محاصرًا بين جدران لا تفهم أنينه.

لقد طال الليل حتى ظنّ اليائسون أنّه قدرٌ أبدي، لكن تحت رماد اليأس، تُخبّئ القلوبُ شعلةً لا يطفئها ليل. الحرية الحقيقية ليست معاهدة تُوقّع، بل حالة وجودية تُصنع في أعماق الروح. 

إنها تلك اللحظة التي يختار فيها الإنسان أن يولد من جديد، أن يتحرر من الداخل، وأن يرفض أن يكون عبدًا للوهم أو رهينةً للقهر، مهما كانت القيود من حوله.

اليمن اليوم يواجه عبودية مزدوجة: قيد سياسي يغتصب الوطن، ووهم الخلاص الذي يربط المصير بأيادٍ غريبة. لكن التاريخ، المعلم الأبدي، يهمس في آذاننا بأن الأمم لا تنهض إلا بأبنائها. 

الخلاص يبدأ في لحظة يقرر فيها اليمني أن يقول "لا" للطغيان، وأن يشيد في روحه وطنًا جديدًا قبل أن تُعاد لبناته في الخارج.

في هذا "الوطن الداخلي"، يصبح الفقير غنيًا بعزيمته، والمشرد يمتلك سماءً تمشي معه، ويغدو كل يائس فجرًا يختبئ خلف غيوم المأساة. إنها الحرية التي تمنح القوة لمواجهة الجوع بالصبر، والخراب بالأمل، واليأس بالكرامة.

هذه الحرية ليست سلعة تُشترى، ولا هبة من الأمم المتحدة أو جيش عابر. إنها لحظة الموقف الصامت التي يقف فيها اليمني وسط الدمار، رافعًا رأسه ليقول: "قد تأخذون كل شيء، إلا إنسانيتي." 

إنها الحرية التي تجعل من الطفل الموشوم بالجوع بطلًا أكبر من سادة الحرب، وتجعل من المرأة التي تعجن الخبز تحت القصف رمزًا خالدًا للحياة في وجه الموت.

فحين يولد الإنسان من داخله، يتحول إلى شعلة صغيرة، والشعلة قادرة على إذابة الظلام. وإذا تجمعت القلوب لتضيء معًا، تحولت إلى فجر يمني لا تحجبه مدافع ولا تُخفيه سلالات الموت. 

هذا هو الطريق الوحيد لإعادة البوصلة إلى وطنٍ لا تُستعبد فيه الأرواح، ولا يُحاصر فيه الإنسان بين جوع الخبز وجوع الكرامة.