Logo

قد تفهمون- لماذا تجدون آباءكم صامتين معظم الوقت !!

 عدتُ من السفر، وأحتاج الآن إلى إجازة، رغم أنني لم أُحتج إلى إجازة ولم آخذ واحدة منذ 10 سنوات. آخر إجازة رسمية لي كانت قبل الحرب، في فبراير 2015. لكن الإنسان يتغير بعد تجاوزه سن الأربعين، وأنا قد تجاوزت الخمسين.
 أجد نفسي أمام محرك داخلي بدأ يجذبني نحو الهدوء في إيقاع العمل، ونحو إعادة تنظيم الذات بأسلوب وسلوك مختلفين، استعدادًا للسنوات الـ13 إلى 15 القادمة قبل التقاعد. 
وعلى الرغم من أنني أقنع نفسي بأنني "قلعت العداد" عند سن 35، كما قال أحد الإخوة، ويمكنني الاستمرار بنفس النشاط والانشغال،
 إلا أن التقدم في العمر نحو مرحلة الشيخوخة يحمل معه تغيرات جوهرية في القدرات الجسدية، والمعرفية، والإدراكية، لا يمكن إدراكها بسرعة. 
وعلى وجه الخصوص، فإن الدماغ يكمل المعلومات الناقصة من خلال الخبرات المكتسبة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الصورة التي نراها أو نعيشها تعكس الواقع الحقيقي، خصوصًا إذا قارناها بما يعيشه الشاب اليوم. فمن الناحية النظرية، 
تبدأ عملية الشيخوخة من سن 24 عامًا، وتختلف من شخص لآخر، لكن هناك أمورًا مشتركة تطال الجميع: مثل تراجع حاسة السمع، والبصر، والشم، والتذوق، واللمس، وكذلك تضعف المهارات الحركية والذاكرة تدريجيًا. 
فحدة البصر تبدأ في التراجع، ويصبح الخطر من العمى أعلى بسبب الأضواء الساطعة، كأضواء النيون أو الأرضيات اللامعة. ويصبح التأقلم مع الظلام أصعب بعد سن 45 تقريبًا، وتضعف رؤية الألوان، وتتحول عدسة العين إلى اللون الأصفر والغبش. 
كما أن الضوء البنفسجي لا يصل إلى شبكية العين بسهولة، مما يجعل تمييز الألوان مثل الأزرق والأخضر والبنفسجي أمرًا صعبًا، في حين تُميز درجات اللون الأصفر بشكل أفضل. 
كما أن بعد سن 55 يضيق مجال الرؤية، وتقل الحركة الأفقية والرأسية للعين، وتضعف الرؤية المكانية. 
وفي السمع أيضًا تظهر مشكلات مماثلة: تقل وتختفي مجموعة من الترددات الصوتية، خصوصًا الترددات العالية، ما يعني أن الشخص لا يسمع الأصوات الخفيفة، بل يسمع فقط الأصوات العميقة والثقيلة، مثل صوت محرك السيارة.
 لذلك، يُستحسن الحديث مع كبار السن ببطء، وبوضوح، دون بلع المقاطع، وتخفيف السرعة والتعقيد. كما أن وجود أصوات متعددة في آن واحد يُعقّد عملية استيعاب المعنى والإدراك،
 لذا من الأفضل أن يتكلم شخص واحد فقط، وليس عشرة. أما حاسة التذوق والشم، فتتغير مع التقدم في العمر، وتقل القدرة على التمييز، 
لكن الدماغ يستمر في "خداع" الإنسان ويُوهمه بأنه ما زال يدرك كل شيء. كذلك، تتأثر وظائف الحركة، والسرعة، وقوة العضلات، والذاكرة، وحتى اتخاذ قرارات بسيطة يستغرق وقتًا أطول. 
وقد ينقطع التفكير في إيجاد الحلول. فإذا لم يتمكن من مجاراة الآخرين في الإدراك بسبب ضعف التركيز ونسيان أمور مهمة، فسوف تجدون الآباء صامتين معظم الوقت، أو يتحدثون في موضوعات مختلفة. 
لكن هذا لا يعني أنهم فقدوا القدرة على التفكير، بل يحتاجون فقط إلى وقت أطول، خصوصًا أن الذاكرة القصيرة تتأثر بشكل واضح مع التقدم في العمر. 
أما المعلومات المخزنة في الذاكرة طويلة المدى، فهي لا تتأثر بسهولة، لأنها أعمق ومرتبطة بشبكة من المعلومات الأخرى المخزنة. 
أي أن كل ما تعلمته في أي مرحلة من حياتك يمكن استرجاعه إذا وُجدت الوسيلة المناسبة، لأنها ما زالت محفوظة. وهذا ما يساعد كبار السن على التذكر. 
وعلى عكس الذاكرة القصيرة، لا توجد حدود معروفة للذاكرة طويلة المدى. أما بالنسبة للذكاء، 
فيمكن القول إن "الذكاء السائل" يبدأ بالانخفاض من سن العشرين، مثل خفة الحركة، أو القدرة على التكيّف مع المواقف الجديدة، أو الجمع بين المهارات والتوجيهات في ظروف غير مألوفة. 
لكن هناك نوعًا آخر من الذكاء يُعرف بـ"الذكاء المتبلور"، وهو يزداد مع التقدم في العمر، مثل المعرفة العامة، والخبرة الحياتية، والثروة اللغوية، وفهم الحياة. 
وأخيرًا، كيف تكون العواطف مع تقدم العمر؟ من هذه الزاوية أيضًا تحدث تغيرات كثيرة في مجرى الحياة. لكن مع الشيخوخة، يميل الإنسان إلى تجنّب التحفيزات الصغيرة، لأنها تُنتج مشاعر قوية لا يرغب بها. 
لذلك، يسعى كبار السن إلى تجنب المواقف غير المعروفة، ويعتمدون أكثر على القرارات الآمنة، وعلى الذكريات المحفوظة، تجنبًا للمخاطر. 
أيضًا، مع التقدم في العمر، تبدأ الأيام بالمرور بسرعة، بحيث لا تصدق أن الشهر أو الأسبوع قد بدأ حتى ينتهي. فتصبح وتيرة الشهور والأيام والساعات مختلفة في إدراكك. ولتسهيل الفهم: لماذا يختلف الإدراك الزمني؟ 
ببساطة، يعود ذلك إلى طريقة شعورنا بالزمن. فالزمن يبدو لنا أبطأ عندما يكون الدماغ بحاجة إلى معالجة كم كبير من المعلومات الجديدة وغير المألوفة، التي تصله بطرق متعددة، 
كما في مراحل الطفولة، والشباب، والدراسة، وبداية الزواج، ورعاية الأطفال. أما عندما تصبح المعلومات والأحداث مكررة بنفس النمط، وتكون الأخبار متشابهة، كما هو الحال غالبًا مع كبار السن، 
فإن الدماغ يشعر بأن نبض الزمن أسرع، ولا نشعر بمرور الأيام والشهور، وهذه هي مرحلة الاستقرار، أي من سن 35 إلى 65 تقريبًا. 
الآن، أعتقد أنكم قد تفهمون كيف يدرك كبار السن المكان والزمن والتغيرات من حولهم، وتفهمون لماذا يتصرفون بهذه الطريقة. وسوف تعرفون، ماذا ينتظركم بعد سنوات !!!!!