الوطن للجميع لا مكان لعنصرية مقنّعة بشعارات وطنية
طالعت مقال الكاتب فكري قاسم الذي حمل طابعًا شخصيًا غاضبًا واستخدم فيه عبارات تهاجم شريحة اجتماعية واسعة بناءً على النسب والانتماء العائلي لا على السلوك أو الموقف السياسي ..
وقد أثار في النفس تساؤلات كثيرة حول طبيعة الخطاب الذي يتجاوز النقد السياسي إلى تصنيفات تكرّس الكراهية وتعيد إنتاج التمييز الذي لطالما رفضناه جميعًا في شعارات الجمهورية وثورات اليمنيين عبر العقود ..
ومن المؤسف أن يتحول الخلاف مع جماعة مسلحة إلى مبرر لإدانة كل من يرتبط بها نسبًا أو قرابة رغم أن آلافًا من اليمنيين المنتمين إلى ذات الخلفية وقفوا بوضوح ضد الانقلاب ودفعوا ثمنا باهظا لمواقفهم الوطنية ..
يبدو أن بعض الخطابات التي تتكرر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل باتت تصر على تصنيف الناس بناء على أسمائهم وأنسابهم متجاهلة أن اليمن بلد متنوع ومعقد ..
وأن الاختزال في الهوية لا يخدم أي مشروع وطني بل يعمق الجراح ويؤسس لمزيد من الفرز الاجتماعي القائم على الوهم والارتياب وليس على الوقائع ولا القيم السياسية السليمة التي يفترض أن تكون هي معيار الحكم والتقييم ..
الخلط بين السلالة والنوايا وبين النسب والموقف السياسي يمثل انزلاقا خطيرا نحو ممارسات تمييزية طالما عانى منها اليمنيون أنفسهم ولا يمكن القبول بإعادة إنتاجها تحت شعارات وطنية أو جمهورية ..
فالتمييز القائم على الأصل العائلي أو الطبقي لا يقل خطرا عن المشاريع العنصرية التي تشكل تهديدا حقيقيا لوحدة المجتمع ومستقبل التعايش فيه ..
إن تصوير كل من ينتمي إلى عائلة أو نسب معين بأنه متآمر أو متخفي أو صاحب مشروع خاص فيه تجن صارخ على الآلاف من الناس الذين يعيشون مثل غيرهم يكدحون ويتعلمون ويخدمون وطنهم بصدق ..
ولا يمكن التعامل مع الإنسان بناء على ما ورثه من اسم بل بما يبذله من فعل وما يحمله من مبدأ وما يلتزم به من سلوك أخلاقي ووطني .. ..
من الخطأ الفادح أن يُفترض أن كل من يحمل لقبا هاشميا هو بالضرورة مع الحوثيين أو أنه جزء من مشروع ولاية ..
فهذا التعميم الظالم لا يختلف كثيرا عن التهم التي يطلقها الحوثيون ضد خصومهم ويصنفونهم بأنهم دواعش أو مرتزقة أو عملاء فمثل هذا الخطاب لا ينتج إلا بيئة من الحقد والتوجس والكراهية المتبادلة التي تعمق الشرخ وتعرقل أي أفق لحل سياسي شامل ..
على القوى السياسية والإعلامية أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية في ضبط الخطاب وتوجيهه نحو القضايا الحقيقية التي تهم المواطن لا نحو إطلاق النار على مكونات اجتماعية واسعة بسبب رواسب تاريخية أو مواقف شخصية أو تجارب محدودة ..
فالحل لا يكون بالنبش في الأنساب بل ببناء عقد اجتماعي يقوم على المساواة والمشاركة والتوزيع العادل للسلطة والفرص ..
اليمن في حاجة إلى خطاب جامع يكرس قيم الجمهورية والمواطنة لا إلى خطابات التشكيك والتخوين التي لا تفرق بين الفرد والمجموعة ولا ترى الناس إلا من خلال خلفياتهم لا من خلال حاضرهم ومواقفهم ..
فالعنصرية لا تبني دولة والكراهية لا تصنع سلاما بل تجر البلاد إلى مزيد من الانقسام والتفتت والواجب اليوم أن نغادر مربع التوصيف العدائي للآخر ونؤسس لمسار وطني يتسع للجميع دون تمييز أو إقصاء ..
* سفير بوزارة الخارجية