الهاشميون بين السياسة والكراهية!!
لا تزال مسألة النسب تمثل جانبًا حساسًا في المجتمع اليمني إذ تتحول في كثير من الأحيان من كونها توصيفًا ثقافيًا أو اجتماعيًا إلى أداة إقصاء وتمييز تُستثمر في لحظات التوتر والصراع ويتم تحميلها معاني سياسية لا علاقة لها بحقيقة الأفراد وانتماءاتهم الشخصية ..
فالكثير من الناس يُستهدفون بناءً على انحدارهم العائلي دون أن يكون لهم في ذلك يد ولا مكسب وقد يدفعون ثمنًا باهظًا لاختيار لم يختاروه ولا سعوا إليه بل وجدوا أنفسهم مرغمين على الدفاع عن حقهم في الوجود والمشاركة والانتماء ضمن وطن يفترض أن يتسع للجميع ..
لقد أصبح الهاشميون نموذجًا حيًا لهذه الإشكالية إذ يتعرض كثير منهم لحملات منظمة من الإقصاء والشيطنة فقط بسبب انتمائهم لنسب الهاشميين دون التمييز بين من له ارتباط سياسي أو عسكري وبين من يعيش حياته بعيدًا عن أي مشروع سلطوي أو حتى من يناهض تلك المشاريع علنًا في العقد الأخير ..
ومع انهيار الدولة المركزية وتفاقم الصراع الداخلي اتسع الخطاب التحريضي ضد الهاشميين وبلغ حد المطالبة بإقصائهم من المؤسسات العامة واستبعادهم من المشهد الوطني بل والتحريض ضدهم في الإعلام بطرق تتجاوز النقد السياسي إلى المسّ بالكرامة الشخصية والهُوية الاجتماعية ..
ولا يمكن فهم هذا التوجه إلا بالعودة إلى خلفية تاريخية معقدة فقد عرف الهاشميون في فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي محنًا واضطهادًا حين لم يكونوا في موقع السلطة ..
ففي العصر العباسي تعرّضوا للملاحقة والقمع رغم القرابة بين العباسيين والعلويين وفي فترات المماليك والعثمانيين خضع بعضهم للرقابة أو الإقامة الجبرية خوفًا من التمرد السياسي ..
بل وحتى في اليمن شهدت مرحلة الإمامة الزيدية نفسها صراعات دامية بين البيوت الهاشمية ما يوضح أن النزاع لم يكن مرتبطًا بجوهر النسب بل بتوظيفه في معادلات السلطة والنفوذ على حساب القيم الأخلاقية والشرعية التي يدعيها الجميع ..
ورغم هذه الظروف ظل كثير من الهاشميين رافضين لاستغلال النسب كوسيلة للتمييز أو السيطرة بل إن عددًا كبيرًا من المثقفين والأكاديميين الهاشميين يؤكدون أن انتماءهم لا يمنحهم أي امتياز بل يزيد من مسؤوليتهم الأخلاقية في مواجهة الظلم ورفض العنصرية ..
ويصرّحون علنًا بأنهم لا يريدون أن يُستغل نسبهم لإيذاء الآخرين ولا أن يُستغل ضدهم في الوقت ذاته ..
وهم بذلك يعبّرون عن موقف ناضج يرفض ثنائية التقديس والتجريم ويطالب بمجتمع مدني عادل يقوم على المساواة والمواطنة لا على الامتيازات الوراثية ..
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن كثيرًا من الأصوات العاقلة في اليمن من غير الهاشميين قد لعبت دورًا كبيرًا في الدفاع عن حقوق الهاشميين ورفض خطاب الكراهية والإقصاء ضدهم من كل الذين يحملون الكراهية ضدهم ..
وهذا الدور مهم وأساسي لأنه يكرس منطق العدالة والمواطنة ويُضعف منطق الاصطفاف الطائفي أو السلالي ويعيد الاعتبار للموقف الإنساني الذي يقف مع المظلوم كائنًا من كان ..
ويُدين الاستهداف الجماعي بوصفه شكلًا من أشكال الظلم التي لا يجوز تبريرها تحت أي مسمى أو حجة ..
لقد آن الأوان لأن نتجاوز خطاب الاستعلاء والاستهداف معًا وأن نتعامل مع النسب بوصفه شأنًا شخصيًا لا علاقة له بحقوق الفرد أو مكانته في المجتمع ..
فالمعيار الحقيقي يجب أن يكون الكفاءة والنزاهة والموقف من قضايا الوطن لا ما يرثه الإنسان من اسم أو سلالة ..
كما أن العدالة لا تتحقق بمحاربة الأنساب ولا بتمجيدها بل بخلق بيئة قانونية ومجتمعية تكرّس المساواة وتحمي الجميع من التمييز والتهميش وتعيد الاعتبار للمواطنة كإطار جامع يتجاوز الهويات الفرعية ويمنح كل إنسان حقه الكامل بصرف النظر عن خلفيته العائلية ..
النسب حين يتحول إلى أداة استغلال يُفقد معناه الروحي والأخلاقي وحين يصبح سببًا للاستهداف يتحول إلى عبء جماعي بدل أن يبقى دلالة احترام شخصية ..
ومن المؤلم أن يُختصر تاريخ طويل من التفاعل والمساهمة والعيش المشترك في شعارات عابرة أو كراهية مؤقتة تنزع عن الناس إنسانيتهم وتحوّلهم إلى رموز لصراعات لا تخصهم ..
وقد يكون من أكثر مظاهر الإنصاف اليوم أن نعيد الاعتبار لجميع اليمنيين الذين انحازوا لقيم العدالة والمساواة والذين تصدوا بشجاعة لخطابات الإقصاء دفاعًا عن الحق لا عن النسب. ..
* سفير بوزارة الخارجية