Logo

لكي لا يضيع اليمن بين الحوار والسلاح

قرأت باهتمام بعض التعليقات على مقالي الأخير بشأن أهمية الحوار مع الولايات المتحدة كخيار استراتيجي يخدم مصالح اليمن العليا. .  

ورغم ما حملته بعض الردود من لغة انفعالية وتفسيرات متعجلة فإنني أجد في هذا النقاش فرصة لتوضيح موقفي أمام الرأي العام بعيدًا عن المزايدات وبمنطق الدولة لا ردود الفعل. . 

 دعوتي للحوار لا تنطلق من موقع ضعف أو تبعية بل من قناعة راسخة بأن اليمن لا يمكن أن يخرج من أزمته الراهنة إلا عبر مسارات سياسية واقعية تعلي من شأن المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار . . 

إن اختزال فكرة الحوار في صورة ساذجة وكأنه مجرد غطاء لإنقاذ طرف معين يعكس قراءة سطحية للواقع السياسي وتعقيداته. . 

 فالحوار لم يكن يومًا ترفًا ولا حيلة بل ضرورة فرضتها حقائق الميدان ومآسي الناس . . 

الدول المسؤولة لا تنتظر المعجزات بل تتحرك عبر الأدوات المتاحة والحوار أحد هذه الأدوات بل أهمها حين يكون بمرجعية وطنية وإرادة مستقلة التاريخ السياسي حافل بتجارب لقوى تفاوضت مع خصومها حين اقتضت مصلحة أوطانها ذلك. .  

فلماذا يُستنكر علينا ما يُعد في غيرنا شجاعة استراتيجية ؟؟

لم أكتب دفاعًا عن جماعة ولا تبريرًا لانتهاك بل طرحت رؤية سياسية تتجاوز ثنائية الاتهام والدفاع اليمن بلد يعيش أعمق أزمة في تاريخه الحديث واستمرار القطيعة السياسية وتغليب منطق الإقصاء لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار والتشظي. 

 رفض الحوار لا يعني امتلاك بديل بل غالبًا ما يكون تعبيرًا عن غياب الرؤية واكتفاء بالشعارات والحقيقة أن بناء السلام يتطلب الاعتراف بجميع الحقائق على الأرض لا الإنكار الانتقائي لها. 

لست ممن يطالبون بتناسي الانتهاكات أو طيّ صفحات الألم بل أطالب بوضعها في سياق مساءلة وطنية شاملة لا تخضع لانتقائية سياسية لا بد من محاسبة من أجرم ومنح المتضررين حقوقهم. 

 ولكن هذا لا يتحقق عبر الاستقطاب والتحريض بل عبر عملية سياسية تُوازن بين العدالة والواقع المساءلة لا تتناقض مع الحوار بل تكمله وتمنحه مصداقية وأساسًا أخلاقيًا. 

أما السيادة فليست مجرد شعار يرفع في الخطابات. بل قدرة على اتخاذ القرار الوطني المستقل حتى في أصعب الظروف من ينادي بالسيادة ثم يرفض أي تواصل أو تفاوض بحجج سطحية يعطّل القرار الوطني ويغلق نوافذ الإنقاذ . 

دعوتي للحوار تنطلق من إيمان عميق بأن الكرامة الوطنية لا تُحمى بالصوت العالي بل بالقرار الحكيم ولا تُصان بالرفض المجرد بل بالقدرة على تحويل التفاوض إلى وسيلة لحماية مصالح الشعب. 

وفي هذا السياق أسعدني أن أجد صدى لهذه الرؤية في مواقف وطنية مسؤولة كما عبّر عنها الفريق السامعي الذي ثمّن دعوة الحوار مع الولايات المتحدة والسعودية ورأى فيها مسارًا واقعيًا يمكن أن يفضي إلى رفع الحصار وتمكين اليمنيين من بناء دولتهم . 

مثل هذه المواقف تُعزز القناعة بأننا بحاجة إلى خطاب جامع لا استقطابي وإلى شجاعة سياسية لا إلى مزايدة لأن مستقبل اليمن لن يُكتب إلا بالتلاقي الوطني والانفتاح على الحلول الواقعية. . . 

من الطبيعي أن تواجه أي دعوة صادقة للحوار والتقارب اتهامات جاهزة وقراءات مشوشة بعضها يتعمد التشويه والتخوين ويخلط بين المواقف الوطنية المستقلة والانتماءات السياسية أو الطائفية لقد اعتدت كغيري من بعض الشخصيات على حملات التشكيك سواء في النوايا أو العلاقات أو الخلفيات. .  

لكن ما يهمني ليس إرضاء هؤلاء بل تقديم خطاب صادق وواضح لمن يريدون حقًا مستقبلًا مختلفًا لهذا البلد حين يُتهم من يدعو للحوار بأنه خطير وفارسي فإن ذلك يُظهر حجم الخوف من أي مشروع وطني جامع قد يُخرج اليمن من دوامة الانقسام . . 

ما أطرحه ليس تسويقًا لأحد بل دعوة صريحة للخروج من الحرب وإعادة تعريف المصلحة الوطنية وفقًا لمعادلة الشعب لا السلاح والدولة لا الجماعة. 

أعلم أن هذا النوع من الطروحات لا يرضي أولئك الذين اعتادوا النظر إلى السياسة من زاوية واحدة لكنني على يقين أن الغالبية من اليمنيين يريدون اليوم حلولًا لا صراعات ويريدون مستقبلًا لا ثأرًا .  

لهذا أكتب لا تحت وصاية ولا طلبًا لرضا أحد بل بدافع المسؤولية أمام شعب يستحق أن يُنقَذ من استمرار الانهيار من يرفض الحوار فليقدّم بديلًا عمليًا يُنهي الحرب ويستعيد الدولة أما الاكتفاء بتخوين كل مبادرة فلن يبني وطنًا ولن يعيد حقًا ولن يصنع سلامًا. . 

* سفير بوزارة الخارجية