زيارة الأمير خالد بن سلمان لطهران هل تغير السعودية تحالفاتها في اليمن؟
في خطوة ذات دلالات استراتيجية عميقة قام الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي بزيارة رسمية إلى العاصمة الإيرانية طهران التقى خلالها بالمرشد الأعلى علي خامنئي في تطور غير مسبوق في العلاقات بين البلدين منذ عقود
جاءت هذه الزيارة في سياق التحولات الإقليمية الكبرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتي بدأت ملامحها تتشكل منذ اتفاق استئناف العلاقات بين الرياض وطهران في مارس 2023 بوساطة صينية
إلا أن لقاء الأمير خالد بخامنئي رأس هرم النظام السياسي الإيراني يتجاوز الطابع البروتوكولي ويعكس نية واضحة لدى الطرفين للانتقال من مرحلة التهدئة إلى مستوى من التنسيق السياسي والأمني ما يستدعي التوقف عند أبرز انعكاساته لا سيما على الملف اليمني
اللقاء حمل رسائل متعددة من بينها رغبة السعودية في فتح قنوات تفاهم مباشرة مع طهران بعيدًا عن الاستقطابات القديمة والتأسيس لمرحلة جديدة من إدارة التنافس الإقليمي عبر الحوار
وقد علّق الباحث في الشأن الخليجي الدكتور فؤاد إبراهيم بأن هذا النوع من اللقاءات لا يتم إلا عندما تكون هناك ترتيبات استراتيجية جارية خلف الكواليس تتعلق بملفات شائكة مثل اليمن وسوريا والعراق
وفي هذا السياق صدرت عن الجانبين السعودي والإيراني تصريحات تؤكد الرغبة في حل سياسي شامل للأزمة اليمنية وهو ما يُفهم منه أن اليمن كان بندًا رئيسيًا على جدول الزيارة
بحسب مصادر دبلوماسية نشرتها صحيفة الشرق الأوسط فإن السعودية طلبت من إيران استخدام نفوذها لدى جماعة الحوثيين لتثبيت الهدنة ومنع التصعيد في مقابل فتح آفاق للتفاوض السياسي
من جانبها أعلنت الخارجية الإيرانية أن الحل في اليمن يجب أن يكون سياسيًا وشاملًا ويأخذ في الاعتبار كل المكونات.
ويبدو أن هناك تفاهمًا ضمنيًا بين الجانبين على تقليص التدخلات العسكرية المباشرة في الملف اليمني وهو ما تؤكده تقارير مراكز أبحاث غربية أشارت إلى بدء إيران فعليًا بخفض حجم الدعم العسكري للحوثيين منذ مطلع 2024.
التأثير الإيجابي للزيارة لم يتوقف عند الحد السياسي بل شمل أيضًا المسار الأممي فقد أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ أن هناك فرصة تاريخية لإنهاء النزاع اليمني في ظل التوافق الإقليمي غير المسبوق.
وعقب الزيارة شهدت التحركات الدبلوماسية في الملف اليمني نشاطًا لافتًا بما في ذلك مشاورات مباشرة وغير مباشرة بين مختلف الأطراف اليمنية بدعم من الأمم المتحدة وسلطنة عمان وبدفع من الرياض وطهران.
حيث أثارت هذه الزيارة تساؤلات حادة داخل أوساط الشرعية اليمنية لا سيما في أوساط حزب الإصلاح الذي يُعد المكوّن الأبرز ضمن الشرعية اليمنية والمتماهي في مرجعيته الفكرية مع جماعة الإخوان المسلمين.
فقد نظر الحزب إلى هذا التقارب بكثير من الريبة إذ يخشى أن يُترجم إلى تسوية إقليمية تعيد صياغة المشهد اليمني السياسي والعسكري على نحو يُكرّس الحوثيين كقوة أمر واقع ويُهمّش دور القوى المتحالفة مع الرياض سابقاً.
كما أن التحول في السياسة السعودية من المواجهة إلى الانفتاح مع طهران قد يُضعف من التأثير التقليدي للإصلاح خاصة أن السعودية كانت تمثل حاضنة سياسية له في كثير من المراحل.
وبدأت بعض القيادات المحسوبة على الحزب تعبر في تصريحات غير رسمية عن مخاوف من أن يتم تجاوزها في ترتيبات ما بعد الحرب أو أن تُفرض تسوية تُقيد هامش نفوذها داخل مؤسسات الدولة القادمة.
وفي المقابل تجد الرئاسة اليمنية نفسها في موقف معقد إذ تسعى إلى الحفاظ على العلاقة مع السعودية من جهة وعدم خسارة مكون إصلاحي له ثقله السياسي والعسكري من جهة أخرى مما قد يدفع بها إلى إعادة صياغة تحالفاتها الداخلية وتوسيع قاعدة الشرعية لتكون أكثر توازناً في المرحلة القادمة.
ورغم هذه الإشارات الإيجابية لا تزال هناك تحديات جدية أمام نجاح أي تسوية من بينها انعدام الثقة بين الأطراف اليمنية وتعدد الفاعلين المحليين الذين لا يخضعون بالضرورة للتفاهمات الإقليمية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وبعض فصائل المقاومة التي ترى أن التسوية قد لا تخدم مصالحها . .
كما أن غياب آلية تنفيذ واضحة وضمانات دولية قد يُضعف من فرص صمود أي اتفاق يتم التوصل إليه. .
الولايات المتحدة من جانبها تابعت هذه التطورات بحذر فالتقارب السعودي الإيراني برعاية صينية يُعد تحولًا استراتيجياً يُنذر بتراجع الدور الأمريكي في رسم معالم السياسة الإقليمية.
وقد ذكرت مجلة Foreign Policy أن واشنطن تنظر إلى زيارة خالد بن سلمان لطهران كجزء من مسار أوسع يعكس استقلالية متزايدة في القرار السعودي واحتمال انفتاح الرياض على بدائل استراتيجية جديدة.
وفي الوقت نفسه لم تُخف الإدارة الأمريكية قلقها من أن يؤدي هذا المسار إلى تعزيز النفوذ الصيني أو الروسي وخصوصًا إذا استُبعدت واشنطن من ترتيبات ما بعد الحرب في اليمن.
ورغم ذلك لم ترفض الولايات المتحدة صراحة أي مبادرة تؤدي إلى تهدئة في اليمن بل عبر المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ عن دعم بلاده لأي جهد يحقق وقف إطلاق النار شرط أن يتم ذلك ضمن الإطار الأممي وبما يضمن مصالح جميع الأطرافر
هذا الموقف يعكس نوعًا من التوازن الأمريكي بين الترحيب بالنتائج والقلق من فقدان أدوات التأثير التقليدية في الإقليم.
في النهاية تمثل زيارة الأمير خالد بن سلمان إلى إيران ولقاؤه بالمرشد الأعلى لحظة مفصلية في تطور العلاقات بين الرياض وطهران وإذا ما أُحسن توظيف هذه اللحظة في خدمة الملف اليمني فقد نشهد تحوّلاً حقيقيًا باتجاه إنهاء الصراع وفتح الطريق أمام مرحلة من الاستقرار الإقليمي.
إلا أن النجاح يتوقف على مدى قدرة اليمنيين أنفسهم على توظيف المناخ الإقليمي الإيجابي والذهاب نحو تسوية وطنية شاملة تحفظ مصالح الجميع وتُخرج البلاد من دوامة الحرب والتجزئة. .
* سفير بوزارة الخارجية