بين التفاوض والتصعيد: كيف تُدار السياسات بعقلانية لا بالمهل العشوائية
(فوكس نيوز عن وزير الدفاع الأميركي:
• الرئيس ترمب يصرّ على حل المسألة النووية الإيرانية عبر المفاوضات وبطريقة سلمية.
• لكنه يأخذ على محمل الجد احتمال فشل التفاوض مع إيران، ويؤكد وجود خيارات أخرى مطروحة على الطاولة.)
الولايات المتحدة، بكل ما تملكه من قوة اقتصادية وعسكرية، تترك الأبواب مفتوحة وتراعي مصالحها بدقة.
فهي تدرك أن اللجوء إلى الخيار العسكري قد يُكلفها الكثير، ليس فقط على المستوى الشعبي، بل أيضًا على مستوى الحلفاء والعلاقات الدولية، ما قد يفتح المجال أمام خصومها الاستراتيجيين للاستفادة من أي خطأ ترتكبه.
من هذا المنطلق، اختارت واشنطن خيار التفاوض كأولوية، لكنها لم تُغلق باقي الخيارات، واضعةً في اعتبارها أن الطرف الآخر قد لا يكون جادًا أو صادقًا في التوصل إلى تسوية سلمية.
بذلك، تسقط أميركا الحجة عن خصمها، وتكسب التأييد الشعبي والدولي في حال اضطرت لاحقًا لاستخدام القوة، لأنها تكون قد استنفدت كل السبل السلمية.
هذا هو منطق إدارة السياسة الدولية، حيث لا تُغلق الأبواب، ولا تُعطى مهل عشوائية، ولا تُطلق التهديدات غير المحسوبة، حتى لو كانت تملك القدرة على تنفيذها.
لكن من لا يُجيد قراءة الواقع ولا يُحسن التعامل مع معطيات السياسة العالمية، يصدر تهديدًا بمهلة أربعة أيام فقط، ثم يُفجّر أزمة البحر الأحمر وما تلاها من تداعيات اقتصادية وعسكرية.
فمن الذي استفاد من هذه الأزمة ووظّفها لخدمة أمنه القومي ومصالحه الوطنية، وأصبح اليوم يجني ثمارها؟
وماذا جنت اليمن أو فلسطين من هذه الأزمة؟
اليمن ازدادت دمارًا، وغزة واجهت مزيدًا من القتل والحصار، بينما تأثر الأمن الاقتصادي المصري مباشرة، وتضررت مصالح الملاحة العالمية.
القرارات المتعلقة بالحرب والمواجهة لا تُتخذ بعشوائية، بل تُبنى على دراسة دقيقة لكل الاحتمالات، مع تحصين البلاد اقتصاديًا وعسكريًا، وفهم ردود فعل العدو والاستعداد لها، خاصة حين تكون أنت من يعلن الحرب أولًا، لا من يتعرض لهجوم مباغت يدفعه للمواجهة كخيار اضطراري.
أما أن تزج ببلدك في حرب لا تجني منها سوى الخراب، بينما تستفيد منها قوى ودول أخرى وتوظفك كأداة لتحقيق مصالحها، فأنت ترتكب أبشع الجرائم بحق شعبك ووطنك.
والأسوأ من ذلك أنك ترفض تقديم أي تنازلات لتحقيق السلام، في بلد يعاني الفقر وانقطاع المرتبات وانهيار سبل العيش، بينما الدولة التي دفعتك إلى هذا النفق المظلم تُعلنها صراحة: “لا هدف لنا في محادثات مسقط سوى تأمين مصالحنا الوطنية.”
ما هكذا تُدار الدول، ولا تُصاغ السياسات الخارجية.
فالسياسة التي تحوّلك إلى عدو لأغلب دول العالم، وتضر بمصالح الجميع بمن فيهم أشقاؤك وأصدقاؤك الذين لم يؤذوك، إنما تقود بلدك نحو مزيد من العزلة والفقر والدمار.
حتى العدو الصهيوني لم يتضرر من الأزمة، بل استفاد منها، تمامًا كما استفادت إيران من حالة التهور والاندفاع غير المحسوب… وكلاهما يُجيد توظيف الطيش السياسي لخدمة أهدافه.
* دبلوماسي وسياسي يمني