التصعيد بين الحوثيين والولايات المتحدة الحسابات والتداعيات
ظلت الحرب في اليمن، بما في ذلك المواجهات بين الحوثيين والتحالف العربي بقيادة السعودية، محط أنظار العالم.
إلا أن الدور المتزايد للولايات المتحدة وتورطها المباشر وغير المباشر في المشهد اليمني أضاف بُعدًا جديدًا أكثر تأثيرًا على مسار الأحداث.
ومع تصاعد المواجهة، يبرز تساؤل جوهري: هل يمكن إقناع الحوثيين بعواقب استمرار التصعيد مع الولايات المتحدة؟
وهل يكترثون لهذه العواقب بالفعل؟
يتبنى الحوثيون خطابًا مناهضًا للولايات المتحدة، مستندين إلى رؤية إقليمية تعارض النفوذ الأمريكي في المنطقة، وهي رؤية تتماشى مع الاستراتيجية الإيرانية، التي توفر لهم دعمًا مستمرًا. في هذا السياق،
تُعد المواجهة العسكرية والسياسية مع الولايات المتحدة جزءًا من استراتيجية الحوثيين لتعزيز شرعيتهم الداخلية وتأكيد سيادتهم الوطنية في مواجهة ما يعتبرونه تدخلاً خارجيًا في شؤون اليمن والمنطقة.
أثقلت الحرب كاهل الاقتصاد اليمني وأثرت سلبًا على الوضع الإقليمي، ما يجعل أي تصعيد جديد، خصوصًا مع الولايات المتحدة، ذا تداعيات خطيرة. فقد يؤدي استمرار المواجهة إلى تصعيد عسكري غير مسبوق قد يمتد إلى مناطق أخرى في المنطقة، ما يعقد الوضع الأمني بشكل أكبر وعقوبات اقتصادية إضافية.
ستؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين اليمنيين، الذين يتحملون العبء الأكبر للصراع بالإضافة الى عزلة دولية متزايدة ستحد من فرص التعاون الدبلوماسي والمساعدات الاقتصادية، وهو ما تحتاجه اليمن بشدة للخروج من أزمته الراهنة.
لفهم موقف الحوثيين، لا بد من إدراك أن حساباتهم لا تقتصر على العواقب الاقتصادية والعسكرية المباشرة، بل تمتد إلى المكاسب السياسية والاستراتيجية. فرغم الضغوط الكبيره عليهم ،
إلا أنهم قد يرون في المواجهة مع الولايات المتحدة فرصة لتعزيز نفوذهم داخليًا وإقليميًا، خاصة عبر توظيف القضية الفلسطينية والحرب في غزة لكسب التعاطف الشعبي والدعم السياسي.
لكن في المقابل، قد يصبح الحوثيون أكثر انفتاحًا على التفاوض إذا شعروا بأن التصعيد يهدد استقرارهم الداخلي أو قدرتهم على السيطرة على المناطق التي يهيمنون عليها.
وهذا العامل قد يدفعهم إلى مراجعة مواقفهم وإعادة تقييم خياراتهم السياسية والعسكرية ولعل ماجاء في خطاب المشاط وتوجيه الدعوة للمملكة العربية السعودية في تنفيذ اتفاقيات السلام يعد مؤشراً واضحاً في رغبتهم في الجنوح للسلام .
مدركين أهمية دور السعودية أن تلعب دورًا محوريًا في أقناع الولايات المتحدة في وقف الضربات الجوية على اليمن وفي تحقيق التهدئة والتوصل إلى هدنة طويلة. .
وعلى الرغم من خطاب الحوثيين العدائي تجاه الولايات المتحدة، لا يبدو أنهم غير مستعدين تمامًا للحوار.
ومع ذلك، فإن أي محاولة لإقناعهم بتغيير نهجهم يجب أن تأخذ في الاعتبار المصالح السياسية والعسكرية التي تحكم قراراتهم. في نهاية المطاف، فإن استمرار المواجهة يحمل مخاطر جسيمة، ليس فقط على الحوثيين أنفسهم، ولكن على اليمن ككل، ما يجعل البحث عن حلول دبلوماسية أمرًا ضروريًا لتجنب مزيد من التصعيد والانهيار
الحل المستدام في اليمن لن يكون فقط عبر اتفاق بين الرياض والحوثيين، بل عبر عملية سياسية يمنية شاملة تعالج الانقسامات الداخلية وتعيد بناء الدولة على أسس عادلة. .
فالأساس اليوم يؤكد على أهمية أن يكون هناك نهج واقعي جديد من أجل التوصل إلى السلام النهائي والشامل في اليمن الذي يحقق الامن والسلام في كامل المنطقة. .
وهذا ماأدركته المملكة العربية السعودية من خلال الأولويات التي وضعتها من أجل الاستمرار في مسار السلام والتسوية السياسية في اليمن. .
لان أستمرار الحرب والصراعات في اليمن قد تجلب حالة من عدم الاستقرار تصيب أثارها السعوديه التي تنطلق بتوجهات وسياسات جديدة قائمة على الواقعية السياسية والمصالح الوطنية التى تحقق الامن و التنمية والرفاهية لشعبها وتقلل من المخاطر الامنية وإستمرار الحروب والصراعات والمواجهة الاقليمية والدولية التى تكون نتائجها كارثية على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. .
فهل يستفيد اليمنيين من السعوديين ويكون لديهم ادوات وتوجهات جديدة تساعد في خروج اليمن من أفة الحروب والصراعات؟؟
لطالما كانت مسألة الحوار مع الحوثيين موضوعًا للجدل في الأوساط السياسية اليمنية والإقليمية والدولية.. .
فمنذ بداية الأزمة اليمنية وتصاعد الصراع المسلح، طُرحت تساؤلات جوهرية حول إمكانية التوصل إلى حل سياسي عبر التفاوض مع جماعة الحوثي، إلا ان هناك عدة عوامل تجعل الحوار مع الحوثيين معقدًا وصعبًا،
العامل الاول غياب الثقة حيث تعرضت العديد من الاتفاقيات السابقة، مثل اتفاق السلم والشراكة (2014) واتفاق ستوكهولم (2018)، لانتهاكات متكررة،
كما ان اتفاقات السلام الأخيرة في عمان وصنعاء والرياض تعثرت مما عزز انعدام الثقة بين الأطراف المنخرطة في هذه الاتفاقيات. .
والعامل الثاني هو الاجنده الايديولوجية والعسكرية فالحوثيون لا ينظرون إلى أنفسهم كطرف سياسي تقليدي، بل كحركة ذات طابع ديني وعسكري تسعى لتكريس حكمها وفق رؤية معينة، مما يجعلهم أقل استعدادًا لتقديم تنازلات سياسية جوهرية. .
اما العامل الثالث فيتمثل في الدعم الخارجي حيث تلعب إيران دورًا رئيسيًا في دعم الحوثيين، سياسيًا وعسكريًا، وهو ما يجعل أي تفاوض معهم مرتبطًا إلى حد كبير بالسياسات الإقليمية والصراع بين القوى الكبرى في المنطقة. .
اما العامل الأخير فهو ان الحوثيين عملو على إحلال هياكل موازية لمؤسسات الدولة تخدم مصالحهم، وأدى إلى أضعاف مؤسسات الدوله مما يعقد إعادة دمجهم في أي نظام سياسي شامل. . .
ورغم هذه التحديات، لا يمكن استبعاد الحوار كليًا معهم لأن الحوار مع الحوثيين ليس مستحيلًا، لكنه ليس سهلًا أيضًا.
هو خيار يجب أن يكون مدروسًا، قائمًا على الواقعية السياسية، ومدعومًا بضمانات تحول دون إعادة إنتاج الصراع. . .
الأهم من ذلك، يجب أن يكون الحوار جزءًا من رؤية وطنية شاملة تضع مصلحة اليمن واليمنيين فوق أي اعتبارات أخرى. . .
* سفير بوزارة الخارجية