الفلسطيني لا يحارب بل يناضل

 ثمّة من يفهم مسألتي النصر والهزيمة فهماً كميّاً، على طريقة مشجعي كرة القدم: ثلاثة/ صفر تعني فوزاً مؤكداً لمن سجل الأهداف الثلاثة وهزيمة مدوية لصاحب الصفر.

التاريخ، الأمة، الحرية، الهوية، الوجود.. مسائل غير رقمية. هناك حروب لا يمكن أن تعد معاركاً، وآثار تملك قيمتها من معناها لا من حجمها. فقد واجه الجزائريون جيش فرنسا ب"القفة". وحين ضجت فرنسا متهمة الجزائريين بالإرهاب، قائلة إنهم ينقلون المتفجرات في القفف، أجابهم بن مهيدي: هاتوا لنا طائراتكم وخذوا القفة. أي: نناضل بما نملك.

الفلسطيني لا يحارب بل يناضل. في الجبهة، والأوروبيون يحاصرون آخر تشكيل عسكري تركي رفض الاستسلام، كان الضابط الشاب أتاتورك  يصيح بجنوده: لا أقول لكم قاتلوا بل آمركم أن تموتوا. ولولا تلك المجموعة التي أمرها أتاتورك أن "تموت" لاختفت تركيا من الخارطة إلى الأبد. 

أتذكر واحدة من ملاحظات هيكل على "قلة كفاءة مبارك". كان يردد القول أن "مبارك" طيار تعلم في حياته المهنية أن كل ما يحتاجه هو معرفة الأرقام والاستجابة لها بالطريقة نفسها. فهو على شاشة القيادة يرى الارتفاع، سرعة الرياح، درجة ميلان الجناح، وأرقام أخرى. يستجيب لكل التحولات بتعديل مناسب في الأرقام على الشاشة. ولذا فحين تقول له "أمّة وتاريخ" فإنه يعجز عن استيعاب ما تقصده.

عشية الحرب العالمية الأولى كانت بريطانيا وفرنسا تسيطران على ٣٥% من مساحة العالم. ولو لجأ البشر إلى المقاييس الكمية في النصر والهزيمة لكانت بريطانيا وفرنسا لا تزالان تسيطران على ٣٥% من مساحة العالم. 

كما أن الثوار اليونانيين وهم يواجهون النازية، الفلبينيين وهم يواجهون أسبانيا، والإيرلنديين وهم يواجهون بريطانيا، كانوا يسمعون تلك النداءات التي تقول لهم لا جدوى من كل هذا.