تفجير المنازل.. هل هو فعل منفرد أم فعل ممنهج متعمد (وجهة نظر قانونية)

 كان يوم التاسع من رمضان، حزيناً ، ضاجاً بمشاعر الغضب في كل أرجاء اليمن، كانت أصداء تفجير مليشيا الحوثي ست منازل، في منطقة الحفرة، مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء على رؤوس ساكنيها ، وقتلت ما لا يقل عن عشرين مدني، بينهم أطفال ونساء ، تسع قتلي كانوا من أسرة واحدة "اسرة اليريمي"، حيث قتل الرجل وزوجته وأبناؤه السبعة تحت الركام، تملأ وسائل التواصل الاجتماعي، والأكثر وجعاً ان الجريمة نفذت تحت صرخات ترديد شعار مليشيا الحوثي المعروف. كان المشهد مروعاً، نسخة مخيفة من غزة التي تباد تحت سلاح الاحتلال الإسرائيلي.

حاولت جماعة الحوثي، امتصاص الغضب الشعبي، والحفاظ علي صورتها من الاهتزاز، إقليمياً ودولياً، وهي التي كسبت تعاطفاً شعبياً في قضية نصرة غزة، واستهداف السفن الغربية (بريطانيا وامريكا وإسرائيل في مقدمتها)، وأعلنت أن الحادث، فعل منفرد، لا علاقة للجماعة به، وهو مدان، وأسرعت بإقالة مدير الأمن، وتعويض الضحايا، والوعد بمحاكمة سريعة.

وتحت عنوان "فعل منفرد" كتب محمد علي الحوثي تغريدة علي حسابة علي التويتر، تعليقاً على حادثة تفجير المنازل في رداع، نصاً نبوياً، ينص على "رَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى اله و سَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ"، ليدشن حملة إعلامية لأنصار الجماعة ومناصريها باعتبار الحادث سلوك فردي منبت عن سياسة الجماعة، لا يعكس توجهها، ولا يخدم أجندتها، ومن يضخم الجريمة إعلامياً هم أعداء الجماعة، "المنافقين، أنصار العدوان السعودي الإماراتي، الساعيين لحرف بوصلة الصراع لصالح إسرائيل وأمريكا" حسب المفردات التي سارع إعلام الجماعة لترديدها .

لكشف حقيقة ما يردده الحوثيون من منظور قانوني، علينا أن نفتح نقاشاً قانونياً، حول مزاعم "الفعل الفردي"، لبيان حقيقة الفعل المنفرد "الفعل الفردي" أو "العمل الفردي في القانون، وهل بالفعل يتطابق مع مزاعم جماعة الحوثي، ونبدأ ببيان ماهية " الفعل المنفرد"، والذي غالباً يوصف سلوك الفرد الذي لا علاقة له بسلوك الدولة أو الجماعة عادةً، أي أن الفرد مرتكب الفعل سيكون قد تصرف بمفرده دون توجيه أو تأثير من جهة أخرى مثل الحكومة أو المؤسسة أو الجماعة.

وبالتالي يكون سلوك الفرد الذي تسبب قي الواقعة موضوعاً للتحقيق القانوني والمساءلة، إذا كانت تنتهك القوانين أو تؤدي إلى انتهاك حقوق الآخرين. على سبيل المثال، إذا ارتكب شخص ما جريمة قتل أو سرقة بمفرده دون توجيه من أي جهة أخرى، فإن سلوكه سيكون موضوعًا للمساءلة القانونية وسيخضع لعقوبة تحددها القوانين المعمول بها، وهو ما تسعى جماعة الحوثي إلى تسويقه في جريمة تفجير منازل رداع على رؤوس ساكنيه، مدعية أن الحادث فعل فردي، سيخضع للمساءلة والمحاكمة والتعويض.

في موضوع آخر يضع بعض الفقهاء شروطاً أكثر دقة، وضوابط أكثر تحديداً في الحكم على فعل ما أنه "فعل فردي"، منها أن يكون الفعل المجرم ناتجاً عن إرادة الفرد ورغبته الشخصية، ودون أي تأثير أو تحريض من الدولة أو الجماعة. وثانياً أن لا يهدف الفعل المجرم إلى تحقيق أهداف الدولة أو الجماعة، ولا يُعبّر عن سياستها أو مبادئها.

ثالثا أن لا يكون الفعل قد تم من قبل الفرد أثناء تأديته لواجباته الوظيفية أو بمناسبة وظيفته، رابعاً ألا يكون الفعل قد استخدام أموال أو ممتلكات أو أي موارد أخرى تابعة للدولة أثناء ارتكابه، والبعض يضع شرطاً خامساً ألا يشكل الفعل تهديدًا على أمن أو سلامة الدولة أو المجتمع ، وبالنظر إلى جريمة تفجير المنازل في رداع سنجد أنها ما يسمى لدي مليشيا الحوثي "الفعل الفردي" يفتقر تقريبا لجميع شروط الفعل الفردي، وبالتالي يدخل في خانة "الفعل الممنهج"، فمرتكب الجريمة رجل أمن يشغل منصباً رفيعاً في الجهاز الأمني للجماعة في محافظة البيضاء، واستخدم الأموال العامة والأدوات الخاصة بالدولة "جماعة الحوثي هنا" لتنفيذ الجريمة، كان القصد من فعل التفجير تحقيق الأمن بما يمكن للجماعة الحوثية من فرض سيطرتها على المنطقة، هي غاية للدولة وسنوضح ذلك لاحقاً، والأهم أن المنطقة تخضع لمشرف يتبع اللجنة الثورية، وجميع الأجهزة التنفيذية وغير التنفيذية مسؤولة أمام، وهو مسؤول مباشرة أمام الجهاز التنظيمي للجماعة (المجلس السياسي واللجنة الثورية).

قد يقول قائل: أحياناً قد يرتب شخص ما جريمة بمحض إرادته دون عودة إلى الجماعة أو الدولة، فكيف يؤدي إلى المسؤولية القانونية للجماعة أو الدولة.. نقول ما دام هذا الفرد والسلوك مرتبطاً بسياساتها أو أنشطتها، فيعد الفرد مسؤولًا في المقام الأول عن أفعاله الشخصية ويتم معاقبته بناءً على ذلك، مثل ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية من قبل مسؤول حكومي حتى لو لم تصدر الدولة أوامر بارتكاب هذه الجرائم، بينما يتم تقييم مسؤولية الجماعة أو الدولة استنادًا إلى معايير مختلفة، منها ينظر هل الجماعة أو الدولة قد دعمت أو وافقت على الفعل الذي ارتكبه الفرد مرتكب الجريمة، سواء بشكل صريح من خلال التوجيهات الرسمية أو بشكل غير مباشر عن طريق الإتاحة له للقيام بالفعل، وهو ما يمكن رصده بيسر في جريمة تفجير منازل رداع من خلال إرسال قوات مكافحة الإرهاب من صنعاء الي رداع لتأديب بيت " ناقوس" وبيت "الزيلعي ".

ثانيا الفرق الهندسية المختصة بالتفجير، والتي يتم تدريبها غالباً علي مثل هذه التفجيرات، إضافة إلى جلب مواد التفجير الديناميت والتي تكون في الأصل ملك الدولة، إضافة إلى تواجد عربات مصفحة للقوات الخاصة في موقع الجريمة يؤكد بشكل قاطع موافقة وتدخل سلطة صنعاء في الجريمة.

وهناك معيار متعلق بسيطرة الدولة والجماعة، وتحكمها في سلوك مرتكب الجريمة، وهو معيار يمكن التحقق منه بشكل عام من خلال سيطرة الجماعة والتحكم بأفرادها أم لا، ومن المعلوم قطعاً أن الجماعة وقبضتها الأمنية على جميع أفرادها في جميع الوزارات وسواء الرسميين أو المشرفين، لا يمكن أن يتصرف شخص ما بمفرده دون ضوء أخضر من السلطات العليا المسؤولة، وثانياً من خلال إعلان إقالة المتهم بالتفجير وإحالته للتحقيق دون رصد أي تمرد أو رفض من قبلة، إضافة إلى ذلك هناك مؤشر ثالث علي مساهمة الجماعة في الجريمة من خلال رصد الانتشار العسكري في قلعة رداع ، وحجم التحشيد الذي سبق الحدث.

و هناك معيار متعلق ، بتحريم الفعل ، أي أن يشكل " الفعل الفردي" جريمة بموجب القوانين المحلية والمعاهدات الدولية أو القوانين الدولية مثل جرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية ، بالعودة إلى القانون اليمني يمنح المنزل حرمة خاصة، ويرفض مجرد تفتيشه إلا بإجراءات قانونية خاصة، ضامنة لحرمته وقدسيته، كما يُعدّ القانون الدولي هدم المنازل من قبل القوات المحتلة أو الحكومات انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث تحضر المادة " ٥٣" من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تدمير الممتلكات الخاصة بشكل تعسفي، بما في ذلك المنازل ، كما يحضر البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 هدم المنازل بشكل مباشر أو غير مباشر، كما تحظر المادة " ١٧" من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التعرض التعسفي للممتلكات الخاصة، بما في ذلك المنازل، كما صنف هدم المنازل المتعمد في القانون الدولي بجرائم حرب جريمة حربٍ وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وجريمة ضد الإنسانية إذا تمّ هدم المنازل بشكلٍ واسع النطاق أو كجزء من هجومٍ مُمنهج ضدّ المدنيين، يُمكن اعتباره جريمة ضد الإنسانية

بعد كل ما سبق، إذا لم تكن جريمة تفجير منازل رداع جريمة فردية، فما التوصيف القانوني لها اذا، يمكن الزعم أنها جريمة منظمة في سياق عام ومتسلسل للأحداث منذ عشر سنوات، حيث يمكن وصف جريمة ما "بالممنهجة" في سياق انتهاكات حقوق الإنسان، عندما تشير إلى عنصر التخطيط والتنفيذ بشكل متعمد ومنظم بهدف انتهاك حقوق الإنسان. ويتم التخطيط لهذه الجرائم بعناية تنفيذها بغية تحقيق أهداف معينة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك. تكون هذه الجرائم عادةً جزءًا من سياسات أو استراتيجيات مدروسة تهدف إلى التحكم في السلطة أو فرض السيطرة أو إقصاء مجموعات معينة كجرائم الإبادة الجماعية، والتعذيب المنظم، والإخفاء القسري، وغالبا ، لا يرافق مثل هذه الجرائم التحقيق، وفي جريمة تفجير منازل رداع التي وقعت بتاريخ ١٩ مارس ٢٠٢٤ ، سنجد أن هذه الجريمة جزء من سلسلة جرائم، متكررة، تهدف الي فرض العقاب الجماعي لأفراد الاسرة، لمعارضة أحد أفرادها أو ربها لسياسة جماعة الحوثي.

 بدأ ت الجماعة تنتهج هذا السلوك الإجرامي منذ ما قبل ٢٠١١ حيث كان اول ضحاياها أسرة الحبيشي، الذي فجرت مليشيا الحوثي على رؤوس ١٧ شخص من الأطفال والنساء  لتدفنهم تحت الأنقاض، لقتل اربعه أطفال ما بين عمر ثلاث سنوات وخمس واربع سنوات وثلاث أشهر وأربع نساء تحت صيحات الله اكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل.

وتتسم هذه الجرائم، أي تفجير البيوت بواحدية الطريقة في التفجير، حيث تعمد الفرق الهندسية التي دربت سابقاً، لتنفيذ نهج ثابت، معتمد من قبل الجماعة، في معاقبة الخصوم من خلال تفجير منازل الخصوم، حيث تشرع أولاً في تلغيم البيت بطريقة ما، قبل نهب محتوياته ، ثم يتم التفجير مع تصوير الجريمة برفع الايادي واطلاق "الصرخة " شعار الحوثي الله أكبر، الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل، اللعنة علي اليهود.

ولبيان السلوك المتكرر لهذه الجريمة، سنجد أن عدد البيوت التي فجرتها جماعة الحوثي في اليمن، أكثر من ٨٠٠ بيت، شملت جميع المحافظات اليمنية، بنسب مختلفة، لوحظ أن بعض المناطق كان تتسم عملية التفجير بالكثافة، بسبب مقاومتها لجماعة، مثل أرحب صنعاء، وحجور في حجة. كما لوحظ أن تفجير المنازل شمل جميع فئات المجتمع اليمني، سياسيين، اكاديميين، وصحفيين، وحقوقيين، ومشايخ، ما يؤكد للمتابع أن تفجير المنازل، سياسية متبعة، وسلوك ممنهج، في سياق السيطرة علي المنطقة، وإرهاب الخصوم، وفرض العقاب الجماعي علي الاسرة التي ينتمي اليها المعارض للجماعة. 

كما يمكن وصف تفجير المنازل بالجريمة المنظمة، بحسب أدبيات القانون الدولي إلى أنماط متكررة ومنظمة من الجرائم ترتكب بشكل منظم من قبل مجموعات مُنظمة، سواء كانت هذه المجموعات تابعة للدولة أو مجموعات غير دولية. تتضمن الجرائم المنظمة في حقوق الإنسان أعمالًا مثل القتل الجماعي، والتعذيب، والاختطاف، والاتجار بالبشر، والاضطهاد السياسي، والاعتقال التعسفي، والقمع السياسي ، ويمكن إسقاط ذلك على واقع جماعة الحوثي التي تتسم بالتنظيم ، وتمارس أفعالاً مجرمة ، تتسم بالتكرار ، والتطابق ، كالتعذيب ، والإخفاء القسري ، وتفجير المنازل.

لم تسجل خلال الخمس عشر أن فتحت الجماعة تحقيقاً ضد أحد مرتكبي هذه الجرائم في أي محافظة من المحافظات، ولم تستند في تفجيرها لأي قرار قضائي برغم الملاحظ الكثيرة علي القضاء الخاضع لسلطتها، وهو تأكيد علي موافقة فوقية، ونهج معتمد من أعلى الهرم القيادي للجماعة، عبدالملك الحوثي واللجان الثورة والمكتب السياسي.

* توفيق الحميدي - محامي وناشط حقوقي وسياسي يمني"رئيس منظمة "سام"