الحوثيون يبدأون حملة قمع جديدة بتهمة «العمل مع أميركا»
بدأ الحوثيون في اليمن حملة اعتقالات جديدة في مناطق سيطرتهم، بحجة «التعامل مع الولايات المتحدة في تحديد مواقعهم العسكرية وأماكن اختبائهم»، كما قرروا البدء في محاكمة عشرات من المعتقلين سابقاً، أمام المحكمة المتخصصة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة.
وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء أن الاجتماع الذي ترأَّسه رئيس مجلس حكم الجماعة مهدي المشاط منذ يومين مع بعض القيادات، أقر إحالة عشرات ممن تم اعتقالهم في محافظات صعدة وصنعاء والحديدة إلى المحكمة سيئة الصيت، والمتخصصة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة، بهدف ردع الآخرين، بعد ازدياد استهداف المقاتلات الأميركية لمراكز القيادة والسيطرة السرية وأماكن اختباء قيادات الصف الأول ومخازن الأسلحة.
ووفقاً لهذه المصادر، فإن الجماعة - بعد استعراض خريطة الأهداف التي ضربتها المقاتلات الأميركية- خلصت إلى أن هناك تعاوناً على الأرض مع هذه القوات، بخاصة في صعدة؛
حيث يُرجَّح مقتل عدد من القيادات المهمة، بينهم وكيل جهاز المخابرات، ومسؤول تأمين المحافظة عبد الرب جرفان، وقائد المنطقة العسكرية السابعة ناصر أحمد صبحان (أبو مرتضى)، والذي كان قبل ذلك قائد قوات حرس الحدود، ويعدُّ من قادة الصف الأول.
وفي مرتبة ثانية، جاءت العاصمة صنعاء من حيث دقة الاستهداف؛ حيث تعتقد جماعة الحوثي أن هناك تعاوناً من بعض السكان مع القوات الأميركية، وأن هذا التعاون ساعد في تحديد المنازل التي يختبئ فيها قادة الجماعة، والذين استُهدفوا بأكثر من غارة في حي الجراف، وحي عصر، وحي النهضة، وفي مواقع اختبائهم أسفل وأعلى المرتفعات الجبلية التي تحيط بالمدينة من 3 اتجاهات.
محاكمة المعتقلين
وفق هذه المصادر، سوف يُنقل أيضاً عشرات من سكان الحديدة إلى صنعاء، لاستكمال التحقيق معهم، وإحالتهم إلى المحكمة ذاتها التي سبق أن أصدرت عشرات من أحكام الإعدام بحق مسؤولين وسياسيين ونواب ومعارضين ونشطاء يمنيين، بسبب معارضتهم لانقلاب الجماعة على الحكومة الشرعية.
ويتهم الحوثيون المعتقلين من سكان الحديدة بتصوير المواقع التي استهدفتها المقاتلات الأميركية، ونشر ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي أو الكتابة عنها. وترى الجماعة أن ذلك يساعد الجانب الأميركي في تحديد بنك الأهداف، ومراقبة تنقلات المطلوبين، من خلال مراقبة هواتف دائرة المقربين منهم.
وكانت وسائل إعلام حوثية قد نقلت خبر اجتماع مسؤولي حملة القمع ضد السكان، وهما عبد الحكيم الخيواني، رئيس ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات، وعلي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة والمعيَّن وكيلاً لوزارة الداخلية لقطاع استخبارات الشرطة في حكومة الحوثي.
وذكر الإعلام الحوثي أن اللقاء ناقش الجوانب المتصلة بتوجيهات رئيس مجلس حكمهم مهدي المشاط، بملاحقة من يصفونهم بالخونة والعملاء المتعاونين مع الولايات المتحدة.
وفي إطار حملة تخويف وإرهاب السكان، وتذكيرهم بحملة الاعتقالات التي طالت مئات في سبتمبر (أيلول) الماضي، ذكرت الوسائل أن الرجلين اللذين يتنافسان على توسعة السجون وزيادة أعداد المعتقلين، ناقشا ما حققته الأجهزة الأمنية من «نجاحات» في مواجهة ما سمَّتها «شبكات وخلايا التجسس والرصد» التابعة لاستخبارات قوى الاستكبار العالمي.
وحسب إعلام الجماعة، اتفق القياديان على التعامل مع تلك الخلايا وإحالتها إلى القضاء، امتثالاً لتوجيهات رئيس مجلس الحكم في تلك المناطق، وطالبا السكان بالإبلاغ عن تحركات من يصفانهم بـ«العملاء والخونة».
ميزانية حوثية لكبار القادة وعائلاتهم لتعزيز طرق التخفي والحماية
وفي السياق أفادت مصادر مطلعة في صنعاء بأن الجماعة الحوثية خصصت ميزانية مالية ضخمة من موارد المؤسسات الحكومية المختطفة، على هيئة نفقات يومية لكبار القادة وأُسرهم، وذلك منذ انتقالهم من صنعاء إلى وجهات غير معلومة ضمن إجراءات احترازية لتجنب الاستهداف المباشر من المقاتلات الأميركية.
وكشفت المصادر عن أن مكتب زعيم الجماعة الحوثية أصدر في أواخر مارس (آذار) الماضي توجيهات إلى وزارة المالية في الحكومة غير المعترف بها، وهيئتي «الزكاة» و«الأوقاف» المستحدثتين،
إلى جانب مؤسسات مالية أخرى تُدير أموال الجماعة المنهوبة، بتخصيص مليارات الريالات اليمنية لصالح قادة الصفين الأول والثاني ولأسرهم، لتغطية نفقات فترة اختفائهم عن الأنظار. (الدولار بنحو 535 ريالاً في مناطق سيطرة الجماعة).
ووفق المصادر ذاتها، فقد شددت التوجيهات على أن يُقتطع جزء من هذه الميزانية من التبرعات الشعبية التي جمعتها الجماعة سابقاً في مناطق سيطرتها تحت لافتة دعم القضية الفلسطينية.
وفي وقت تستمر فيه الجماعة في رفضها صرف رواتب الموظفين الحكوميين منذ سنوات، اتهمت مصادر عاملة في وزارة مالية الحوثي تورط ثلاث قيادات حوثية بارزة هم: محمد علي الحوثي، ومهدي المشاط، وأحمد حامد، في الاستحواذ على النصيب الأكبر من تلك المبالغ المخصصة لكبار القادة.
وأكدت المصادر أن القيادي محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة، ومهدي المشاط، رئيس مجلس حكمها الانقلابي ومدير مكتبه أحمد حامد، حصلوا على الجزء الأكبر من تلك النفقات، رغم الأوضاع الإنسانية المتدهورة في البلاد.
نهب للموارد
في ظل هذا النهب المنظم للموارد، يعيش أكثر من ثلثي السكان في مناطق سيطرة الحوثيين على حافة الفقر والمجاعة، بينما تستمر الجماعة في التوسع في مشروعها المالي الخاص عبر استغلال الموارد العامة وتوظيفها لصالح القادة وأُسرهم.
كان ناشطون موالون للحوثيين قد كشفوا عن أن مصروفات أحد قادة الجماعة من الصف الرابع بلغت خلال عام واحد فقط أكثر من ملياري ريال يمني، وهو ما يعكس حجم الفساد المالي في صفوف الجماعة حتى في المستويات الدنيا من القيادة.
وتزامناً مع الإنفاق السخيّ على القيادات، كثّفت الجماعة من فرض الإتاوات والجبايات غير القانونية على المواطنين والتجار في مختلف المناطق الخاضعة لها، لتعويض النفقات المتزايدة للقادة المختفين عن الأنظار.
ومنذ بدء الغارات الأمريكية ضد الحوثيين في 15 مارس الماضي، نفَّذت قيادات حوثية عمليات نهب واسعة شملت مؤسسات حكومية ومقرات رسمية في صنعاء ومدناً أخرى، كما باعت أراضي وعقارات تعود ملكيتها إلى الدولة أو صودرت سابقاً من مواطنين.
تلاعُب بالمساعدات
في موازاة ذلك، اتهمت مصادر حقوقية الجماعة الحوثية بمحاولة وقف صرف المساعدات النقدية التي تقدمها منظمات أممية ودولية ضمن المرحلة الـ19 المخصصة للحالات الفقيرة في صنعاء وريفها، ومحافظات إب، وعمران، وذمار، وريمة، والحديدة.
وتستمر الجماعة الحوثية في وضع العراقيل أمام صرف هذه المساعدات، مما تسبب في حرمان مئات الأسر المستحقة في مديريات صنعاء مثل معين وبني الحارث وصنعاء القديمة وبني مطر وأرحب، إضافة إلى مناطق ريفية أخرى.
واشتكى عدد من المستفيدين في صنعاء ومحافظات أخرى لـ«الشرق الأوسط» من ممارسات حوثية تهدف إلى عرقلة عملية صرف المساعدات في بعض مراكز التوزيع، مما فاقم من معاناتهم في ظل أوضاع معيشية متدهورة.