بعد ضرب ميناء المكلا.. ما سيناريوهات المشهد القادم في اليمن؟
يأخذ التصعيد في محافظات اليمن الشرقية منحى تصعيدياً غير متوقع، خصوصاً بعد تدخل سلاح الجو السعودي لضرب أسلحة وعربات عسكرية في ميناء المكلا، لدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المتوغلة في صحراء ووادي حضرموت والمهرة شرق اليمن.
التحالف، في بيانه اليوم، أعلن عن وصول أسلحة على متن سفينتين إلى ميناء المكلا بحضرموت شرق اليمن، تمهيداً لنقلها إلى قوات الانتقالي التي تنفذ عمليات عسكرية تهدد الأمن القومي للمملكة.
ويبدو أن الأمر وصل إلى نقطة اللاعودة، خصوصاً بعد إعلان اليمن حالة الطوارئ، وطلبه إخراج القوات الإماراتية من اليمن خلال 24 ساعة، وتكليف قوات درع الوطن باستلام المواقع في حضرموت.
بيان حرب
قال المتحدث باسم التحالف العربي، اللواء الركن تركي المالكي، صباح الثلاثاء (30 ديسمبر)، إنه تم رصد سفينتين قادمتين من ميناء الفجيرة الإماراتي إلى ميناء المكلا، دون الحصول على التصاريح الرسمية من قيادة التحالف، وقامتا بتعطيل أنظمة التتبع وإنزال كمية كبيرة من الأسلحة والعربات القتالية لدعم المجلس الانتقالي.
الجديد في بيان التحالف، الذي يُعد الثاني منذ بدء أزمة حضرموت، أنه أشار إلى أن تقديم الدعم العسكري للانتقالي من قبل الإمارات يُعد مخالفة صريحة لفرض التهدئة والوصول إلى حل سلمي، وكذلك انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 لعام 2015.
وأشار إلى أنه، واستجابةً لطلب رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي، ونظراً إلى ما تشكله تلك الأسلحة من خطورة وتصعيد يهدد الأمن والاستقرار، فقد قامت قوات التحالف بتنفيذ عملية عسكرية محدودة استهدفت أسلحة وعربات قتالية أُفرغت من السفينتين بميناء المكلا، بما يتوافق مع القانون الدولي، دون حدوث أي أضرار جانبية.
وشدد على أن التحالف مستمر في خفض التصعيد في محافظتي المهرة وحضرموت، ومنع وصول أي دعم عسكري من أي دولة كانت لأي مكون يمني دون التنسيق مع الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف بقيادة المملكة.
أسف سعودي
وسرعان ما اتهمت السعودية رسمياً الإمارات بالضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي لدفع قواته للقيام بعمليات عسكرية على حدود المملكة الجنوبية في المهرة وحضرموت، معتبرةً ذلك تهديداً للأمن الوطني للمملكة، ولأمن واستقرار اليمن والمنطقة.
وأعربت الخارجية السعودية عن أسفها لما قامت به الإمارات، مشيرة إلى أن الخطوات التي قامت بها "تُعد بالغة الخطورة ولا تنسجم مع الأسس التي قام عليها تحالف دعم الشرعية في اليمن، ولا تخدم جهوده في تحقيق أمن اليمن واستقراره".
وأكدت الوزارة في بيانها الصادر الثلاثاء (30 ديسمبر)، أن أي تهديد لأمنها الوطني هو خط أحمر لن تتردد حياله في اتخاذ كافة الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهته وتحييده، مؤكدةً التزامها بأمن اليمن واستقراره وسيادته، ودعمها الكامل لرئيس مجلس القيادة الرئاسي وحكومته.
والأهم في البيان أن الخارجية السعودية دعت الإمارات إلى الاستجابة لطلب الحكومة اليمنية بإخراج قواتها العسكرية من اليمن خلال 24 ساعة، وإيقاف أي دعم عسكري أو مالي لأي طرف كان داخل اليمن.
تصعيد يمني
الحكومة اليمنية صعّدت هي الأخرى ، وأعلن رئيس مجلس القيادة اليمني أن الدولة ماضية في حماية المدنيين ومركزها القانوني، ووحدة قرارها العسكري والأمني، متهمةً أبوظبي بالتورط في دعم التمرد وتقويض مؤسسات الدولة.
وأعرب العليمي، في بيان مصوّر ألقاه الثلاثاء (30 ديسمبر)، عن أسفه البالغ للدور الإماراتي المتزايد في دعم تمرد الانتقالي، على النحو الذي جاء في بيان قيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية بشأن شحنات سلاح وعتاد عسكري وصلت إلى ميناء المكلا دون تصريح.
وأصدر العليمي قراراً بإعلان حالة الطوارئ في كافة الأراضي اليمنية، ابتداءً من الثلاثاء (30 ديسمبر) ولمدة 90 يوماً قابلة للتمديد، وفرض حظر جوي وبحري وبري على جميع الموانئ والمنافذ لمدة 72 ساعة بدءاً من 30 ديسمبر.
كما أصدر قراراً بإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وتضمن أيضاً دعوة كافة القوات الإماراتية ومنسوبيها إلى الخروج من جميع الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، على أن تتحرك قوات درع الوطن لتتسلم جميع المعسكرات في محافظتي حضرموت والمهرة.
وبعد سلسلة القرارات هذه، رأس رشاد العليمي اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور ثلاثة من أعضاء المجلس، بارك خلالها القرارات المتخذة، ودعا المجلس دولة الإمارات إلى الالتزام الكامل واحترام سيادة اليمن، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، ووقف أي دعم عسكري أو لوجستي لأي تشكيلات خارج إطار الدولة.
وجدد المجلس دعمه الكامل لجهود الوساطة التي تقودها المملكة العربية السعودية من أجل خفض التصعيد، وحماية المدنيين، وإعادة الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة إلى ما كانت عليه، بما يحفظ أمنهما واستقرارهما وسلمهما الاجتماعي.
ومطلع الأسبوع الجاري، أعلن التحالف أنه سيتدخل بشكل مباشر ضد أي تحركات لـ"الانتقالي"؛ لحماية المدنيين وإنجاح جهود السعودية والإمارات، ويوم السبت (27 ديسمبر) أعلن توجيه ضربة تحذيرية لقوات الانتقالي في غيل بن يمين بحضرموت.
وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير خالد بن سلمان، قد دعا، مطلع الأسبوع الجاري، المجلس الانتقالي إلى تغليب صوت العقل والحكمة والمصلحة العامة ووحدة الصف، والاستجابة لجهود الوساطة السعودية الإماراتية لإنهاء التصعيد وخروج قواتهم من المعسكرات في المحافظتين وتسليمها سلمياً إلى قوات درع الوطن والسلطة المحلية.
رد إماراتي
من جانبها، أعربت الإمارات عن أسفها الشديد لما ورد في بيان الخارجية السعودية، وما تضمنه من "مغالطات جوهرية"، حسب وصفها، حول دور أبوظبي في الأحداث الجارية في اليمن.
ونفت الخارجية الإماراتية ما أوردته الخارجية السعودية حول الضغط على الانتقالي للقيام بعمليات عسكرية تمس أمن المملكة، مؤكدةً حرصها على أمن واستقرار الأراضي السعودية.
ورفضت الإمارات بيان التحالف بشأن قصف شحنة أسلحة في المكلا، مشيرةً إلى أن البيان صدر دون التشاور مع الدول الأعضاء في التحالف، وأن الشحنة لم تتضمن أي أسلحة، وأن العربات التي تم إنزالها لم تكن مخصصة لأي طرف يمني، بل تم شحنها لاستخدامها من قبل القوات الإماراتية العاملة في اليمن.
وفي أول رد فعل، أعلن أربعة من أعضاء مجلس القيادة، وهم عيدروس الزبيدي، وطارق صالح، وعبد الرحمن المحرمي، وفرج البحسني، رفض قرارات العليمي، واعتبارها مخالفة للتوافق، مؤكدين دور الإمارات الإيجابي في اليمن.
خيارات المواجهة
وتعليقاً على هذه الضربة، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني الدكتور علي الذهب إن الضربة ليست نهاية للمهلة، لأنها غير شاملة، بل مركزة ومحددة، تستهدف تعزيزات وإمدادات كانت تصل إلى الانتقالي عن طريق الميناء.
وأشار الذهب ، إلى أن هذه الضربة بمنزلة "إجراء وقائي لتقويض وقطع منافذ الدعم والإمداد للمجلس الانتقالي، ولم تكن تعبيراً عن انتهاء المهلة التي قدمتها السعودية للمجلس".
واستطرد قائلاً: "هذه الضربة نقلت المواجهة بين السعودية والإمارات من الظل إلى العلن، لأن السعودية لا تزال تستخدم لغة الدبلوماسية تجاه المجلس الانتقالي في محاولة لجذبه إلى صفها، ولا أعتقد أنه سيلتقط الفرصة، لأنه حليف للإمارات، وعلاقته متشابكة معها".
ولفت إلى أن الدعوة التي أطلقها وزير الدفاع السعودي، وكذلك التحالف العربي، جاءت كمعالجة جزئية للأزمة، ولكن هذه المعالجة، حتى اللحظة، أخذت الشق القانوني أو الدستوري أو المبرر الرسمي.
وعن المشهد القادم، توقع الذهب أن تدفع السعودية القوات التي دعمتها وتقوم حالياً بحشدها، وفي المقدمة قوات درع الوطن، إلى جانب ألوية من أبناء حضرموت وربما قوات شمالية أخرى، لبسط السيطرة في حضرموت.
وشدد على أن السعودية لن تقبل المساومة بأمنها القومي في حضرموت وشرق اليمن، وأن أي حل لا يتضمن الانسحاب الفوري لقوات الانتقالي سيقود إلى دورة عنف قادمة.
نهاية التحالف
من جانبه، يرى الدكتور بكيل الزنداني، أستاذ الدراسات الأمنية المشارك بجامعة قطر، أن الضربة التي استهدفت أسلحة إماراتية في ميناء المكلا،
وهذه التطورات السريعة والقرارات التي اتخذها المجلس الرئاسي، كلها مؤشر على أن "التوافق في الملف اليمني، والتحالف القائم قد انتهى رسمياً".
وتوقع الزنداني، أن تنفجر ملفات أخرى في المنطقة بعد هذه التطورات، على سبيل المثال ملف الصومال وملف السودان على الأقل في الوقت الحالي، متوقعاً حدوث "تصدع في مجلس التعاون ذاته".
وأضاف: "سيقود هذا التطور إلى إعادة رسم خارطة التحالفات الإقليمية والدولية، كما سيؤثر على العلاقات الخليجية الأوروبية والأمريكية، والعلاقات الخليجية العربية والإسلامية،
كما سيفتح الباب أمام عودة الحرب في اليمن، وهذا ما لا نتمناه، لأنها ستكون حرباً داخل الداخل، أي صراعات بين القوى الجنوبية الجنوبية، والشمالية الشمالية، وهكذا".
واختتم حديثه بالقول: "بمعنى آخر، أن الأمن الوطني، والأمن الإقليمي أصبحا مهددين بشكل واضح وكبير، وكل هذه الأجندة تم التحذير منها، لأن المستفيد منها ليست الإمارات ولا الانتقالي ولا اليمن ولا السعودية ولا مصر
بل الكيان الصهيوني هو المستفيد الوحيد من هذه التصدعات في الجسد العربي والخليجي، والجسد اليمني، والمنطقة بشكل عام".