Logo

تحركات حضرموت قد ترتد على الانتقالي وتحذيرات من فرض واقع جديد

الرأي الثالث - متابعات

 في الأيام الأخيرة، فجر تمدد قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي"   نحو مدن وادي حضرموت سلسلة تطورات أربكت المشهد اليمني المعقد أصلاً، بعدما بسطت تلك القوات سيطرتها على تريم وسيئون والقطن وحورة الخشعة، بما في ذلك مطار سيئون والقصر الجمهوري وقيادة المنطقة العسكرية الأولى. 

وترافق الانتشار مع تسجيل انتهاكات طاولت جنوداً وأسر شمالية، إلى جانب تداول مقاطع يظهر فيها إهانة العلم اليمني ورفع علم الجنوب السابق.

المنطقة العسكرية الأولى، التي تنتشر على مساحة واسعة تمتد من منفذ الوديعة عند الحدود السعودية حتى مشارف عُمان، لطالما وُجهت إليها اتهامات بالارتباط بحزب الإصلاح وبتسهيل تهريب السلاح للحوثيين، وهي اتهامات ينفيها آخرون. 

غير أن وجودها ظل محل اعتراض المجلس الانتقالي، على رغم أن السعودية عملت خلال العامين الماضيين على تجهيز قوات "درع الوطن" لتسلم مهامها، وهي قوات حكومية يغلب عليها الطابع الجنوبي.

لكن الانتقالي استعجل المشهد وأسقط المنطقة قبل اكتمال ترتيبات التسليم، في خطوة رأى فيها مراقبون محاولة لفرض وقائع ميدانية تعزز مشروعه الرامي إلى "استعادة الدولة الجنوبية". 

وامتد التحرك إلى مناطق حدودية مع المهرة، بالتزامن مع تقدم قوات دفاع شبوة واللواء بارشيد نحو مواقع نفطية حساسة مثل الخشعة، وإزاحة وحدات يتهمها الانتقالي بالولاء لقوى إصلاحية نافذة.

هذه السيطرة غير المسبوقة دفعت السعودية إلى تحرك عاجل، إذ وصل وفد أمني وعسكري رفيع إلى المكلا لإجراء محادثات تهدف إلى احتواء التصعيد ومنع انزلاق الوضع إلى مواجهة أوسع، خصوصاً أن حضرموت تمثل ثقلاً اقتصادياً واستراتيجياً بالغ الأهمية بما تضمه من موانئ وحقول نفط وحدود طويلة مع المملكة.

وتسود مخاوف من أن تصب هذه التطورات في مصلحة ميليشيات الحوثي المسيطرة على صنعاء والمحافظات المجاورة، وأن تعيد البلاد إلى مسار التشطير. وفي حضرموت تحديداً تتزايد الهواجس من سيطرة قوات جنوبية من خارج المحافظة، بينما تعمل الحكومة على خروج تلك القوات وتسليم المهام لقوات "درع الوطن".

الساحة اليمنية تبدو اليوم مقبلة على منعطف تتقاطع فيه التحركات المحلية مع رسائل دولية وإقليمية حادة، ما يجعل الأيام المقبلة مرشحة لمستجدات حاسمة تشمل حضرموت والمهرة ومستقبل البلاد.

وقال المتخصص في الشأن اليمني بدر القحطاني أن ما يحدث في حضرموت والمهرة لا يمكن فصله عن الدور السعودي المتنامي منذ إطلاق المبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية التي أعلن عنها وزير الخارجية السعودي عام 2021. 

ويرى القحطاني أن هذه المبادرة شكلت إطاراً لوساطة تعمل الرياض من خلالها على جمع مختلف الأطياف اليمنية، من الجماعة الحوثية إلى الأحزاب التقليدية، وصولاً إلى المكونات السياسية الجديدة، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تأسس عام 2017.
 
ويضيف القحطاني، الكاتب في صحيفة "الشرق الأوسط"، أن الخطوة الأحادية التي نفذها الانتقالي خلال الأيام الماضية كانت السبب المباشر للتحرك السعودي الأخير، إذ دفعت وفداً أمنياً وعسكرياً رفيعاً إلى زيارة حضرموت والدعوة إلى انسحاب القوات وإعادتها إلى معسكراتها، بعدما "انتهت كل الذرائع" التي قدمها قادة الانتقالي لتبرير التحرك.

وبحسب القحطاني، فقد جرى بالفعل تنفيذ عمليات تسليم وتسلم في المنشآت الحيوية والمرافق العسكرية والنقاط الاستراتيجية، بما يهيئ المجال أمام انتشار قوات "درع الوطن" الموالية لمجلس القيادة الرئاسي، والتي يضم قوامها ضباطاً وأفراداً من المحافظات الجنوبية، ويتوافر لها تسليح متقدم وتدريب عسكري يؤهلها لتولي المهام الأمنية والعسكرية في الوادي والصحراء.

ويشير إلى أن الأولوية اليوم يجب أن تتجه نحو معركة الخدمات والاقتصاد، وليس نحو العسكرة ومحاولات فرض أمر واقع جديد، 

مؤكداً أن أي سلوك يسعى إلى السيطرة بالقوة أو إنتاج سلطة موازية "لن يخدم المجلس الانتقالي نفسه، ولن يخدم اليمن بصورته الأوسع"، بل سيضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد المتشظي.

ويضيف أن التحرك السعودي الأخير يعكس محاولة واضحة لإعادة ضبط الإيقاع داخل المناطق المحررة ومنع انزلاقها إلى صراعات جانبية تصب في مصلحة الحوثيين وتقوض آفاق السلام.

ويختتم القحطاني بالتأكيد على أن المسؤولية لا تقع على السعودية وحدها، بل تشمل جميع الدول التي تملك قنوات اتصال وتأثيراً في المشهد اليمني،

 داعياً هذه الأطراف إلى دعم جهود تخفيف التوتر وتشجيع عودة القوات إلى معسكراتها، بما يتيح انتقالاً منظماً تتولى خلاله قوات "درع الوطن" مسؤوليات الحماية والأمن في حضرموت والمهرة.

ويرى أن المرحلة الراهنة يجب أن تكون مرحلة اقتصاد وتنمية لا مرحلة عسكرة وصراع نفوذ، وأن على جميع الأطراف استثمار هذا الظرف لدفع الأزمة نحو بداية نهايتها عبر فتح مسار سياسي قادر على تلبية المطالب المشروعة لكل الأطراف من خلال الحوار والتسوية، لا عبر فرض الأمر الواقع بالقوة.