السعودية وتحركات "الانتقالي".. موقف واضح لتثبيت استقرار حضرموت والمهرة
الرأي الثالث
دفعت تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتَي حضرموت والمهرة شرق اليمن، المملكة العربية السعودية إلى اتخاذ موقف صارم، معتبرةً ما حدث تهديداً لحالة التوازن السياسية التي عملت عليها الرياض منذ سنوات بين الأطراف اليمنية على حدودها الجنوبية.
فبالتزامن مع انعقاد القمة الخليجية الـ46 في البحرين، يوم 3 ديسمبر، التي أكدت على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله، كان المجلس الانتقالي الجنوبي يفرض أمراً واقعاً بقوة السلاح في حضرموت والمهرة، معلناً المضي في مشروع الانفصال، الذي يشكل تحدياً مباشراً لاستراتيجية السعودية في اليمن.
ويواصل وفد سعودي رفيع المستوى العمل في حضرموت لاحتواء الموقف، والضغط لإخراج قوات الانتقالي من المناطق التي دخلت إليها شرق اليمن، بالتزامن مع موقف إعلامي وسياسي حازم ورافض لتلك التحركات.
رفض سعودي
وجاء التدخل السعودي سياسياً وميدانياً ليؤكد أن الرياض تعتبر ما جرى "خطاً أحمر"، وأنها لن تسمح بالمساس بحالة التوازن السياسية والأمنية في حضرموت، أكبر محافظات اليمن، وذات الحدود الأطول مع المملكة.
بدأت الرياض تحركها بإيفاد لجنة رفيعة إلى حضرموت برئاسة اللواء محمد بن عبيد القحطاني، في خطوة اعتبرها مراقبون التدخل الأكثر وضوحاً منذ سنوات لضبط الوضع في الشرق.
وأكد القحطاني، خلال لقاءات مع مشايخ وأعيان حضرموت، رفض المملكة أي محاولات لفرض أمر واقع، وتشديدها على خروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وتسليم المواقع لقوات "درع الوطن".
وأعلن التوصل إلى مصفوفة إجراءات للتهدئة، أبرزها انسحاب القوات المسيطرة حالياً من منشآت النفط في بترومسيلة وتسليمها لقوات حضرمية بإشراف السلطة المحلية.
وتزامناً مع ذلك، وجّه الإعلامي والسياسي السعودي البارز سلمان الأنصاري تحذيراً صريحاً من أن المملكة لن تترك خطوة الانتقالي تمر دون عواقب على الأرض، لافتاً إلى أن المجلس "اتخذ خطوة خطيرة وقصيرة النظر لفرض واقع سياسي جديد بالقوة".
وأكد الأنصاري في مقال نشره على حسابه بمنصة "إكس" أن "صبر الرياض الاستراتيجي بلغ ذروته، وأنها لن تتردد في تصعيد تدخلها لحماية استقرار اليمن وأمن المنطقة"، حسب قوله.
وقدّم الأنصاري رؤية واضحة لموقف السعودية: رفض شامل لأي تحرك أحادي، ودعم لعودة الوضع إلى ما كان عليه، وتشجيع حلّ سياسي لقضية الجنوب بعيداً عن محاولة الاستئثار بالتمثيل، في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي.
كما استدعت الرياض عضو مجلس القيادة الرئاسي، طارق صالح، للتشاور بعد الأزمة الأخيرة التي أفرزتها تحركات الانتقالي، وعقب عودته إلى اليمن بادر للتباحث مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وفق مراقبين.
تحرك الشرعية
الموقف السعودي جاء منسجماً مع موقف القيادة والحكومة اليمنية، التي سارعت إلى مغادرة عدن والتوجه صوب الرياض، وهناك شرع رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة، بعقد اجتماعات مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن لإيضاح الموقف.
وأعلن العليمي رفضه الإجراءات الأحادية التي اتخذها الانتقالي الذي يرأسه نائبه عيدروس الزبيدي، مشدداً على ضرورة انسحاب جميع القوات الوافدة من خارج حضرموت والمهرة،
وحذر من الانتهاكات التي رافقت إجراءات الانتقالي من اعتقالات تعسفية وترهيب وتجاوزات بحق المواطنين.
وأكد أن هذه التحركات أدت إلى تداعيات اقتصادية مباشرة، أبرزها تعليق صندوق النقد الدولي أنشطته الحيوية، في مؤشر على خطورة التصعيد، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء اليمنية "سبأ".
الحكومة والبرلمان والأحزاب اليمنية أصدرت بيانات متتالية تطالب بإلغاء الإجراءات الأحادية فورًا، معتبرة أن ما جرى يهدد السلم الاجتماعي ويقوّض المعركة المشتركة ضد الحوثيين.
وتأتي هذه المواقف وسط مخاوف واسعة من انتقال التوتر إلى المدن النفطية والممرات الشرقية الحساسة، وهو ما دفع مجلس القيادة والحكومة لمغادرة عدن، في سابقة تُظهر حجم الانقسام داخل السلطة التي تجمع في تركيبتها الانتقالي وبقية المكونات.
حسابات الانتقالي
رغم الضغط السعودي واليمني الواسع، يتمسك "الانتقالي" بخطواته في الشرق؛ في محاولة – كما وصفها الأنصاري – لـ"إعادة رسم الخريطة السياسية بالقوة"، لكن التطورات على الأرض تشير إلى أن المجلس بالغ في تقدير قوته، مقابل تشكل جبهة حكومية وقبلية واسعة مدعومة بقوات "درع الوطن"، ما جعل تحركه في حضرموت والمهرة أقرب إلى "مغامرة محفوفة بالمخاطر".
وخرج عيدروس الزبيدي بتصريحات لقناة "سكاي نيوز عربية"، مشيراً إلى أن الإجراءات التي اتخذت في حضرموت والمهرة ستمهد الطريق لمعركة استعادة صنعاء من أيدي جماعة الحوثي.
وبالنظر لطبيعة وملابسات التحرك السعودي، يتضح أن الرياض لن تترك حضرموت ساحة للفوضى أو فرض أمر واقع، وأنها تعتبرها ركيزة أساسية للاستقرار وليست ساحة للصراع، ما يضع الانتقالي أمام خيار المضي قُدماً في فرض خياراته والدخول بصدام مع الشرعية والمملكة والعالم، أو التراجع والقبول بالرؤية السعودية للخروج من عنق زجاجة الأزمة الحالية.
وقالت صحيفة "الرياض" في افتتاحيتها يوم 11 ديسمبر، إنه لا يمكن اختزال القضية الجنوبية في كيان واحد أو قيادة واحدة، وإنها تحتاج إلى تمثيل أوسع يعكس التعددية واختلاف الرؤى، في إشارة إلى أن الانتقالي لا يمثل تلك القضية المطروحة للنقاش منذ سنوات.
خرق المرجعيات
ويرى مساعد رئيس تحرير صحيفة "عكاظ" السعودية عبد الله آل هتيلة، أن المملكة تسعى إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار في اليمن، والانتقال به من مرحلة النزاعات إلى مرحلة يسودها الاستقرار والأمن والتركيز على تحقيق تطلعات الشعب اليمني نحو مستقبل أفضل من الرخاء والازدهار والتكامل الاقتصادي.
ولفت آل هتيلة، إلى أن هذا المسعى "يُحتم على جميع المكونات اليمنية الاستفادة من هذه الفرصة، وتقديم الأولويات الاقتصادية والتنموية على الخلافات، وتجنب أي تحركات عسكرية يمكن أن تزعزع أمن اليمن واستقراره".
ويشير إلى أن السعودية ترى أن أي إجراءات أحادية اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت تعتبر خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية في اليمن، وتقويضاً لسلطة الحكومة الشرعية، وتهديداً خطيراً للاستقرار ومستقبل العملية السياسية في اليمن.
وشدد على أن تلك الإجراءات الأحادية بمثابة "محاولة للقفز على جميع الأطر القانونية والسياسية، وتبنٍّ لمنهج الميليشيا الحوثية في اليمن".
واستطرد آل هتيلة قائلاً: "المملكة ترفض بشكل قطعي سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على محافظة حضرموت، وأي تحركات من شأنها خلق مناخ من التوتر وعدم الثقة في الداخل اليمني، وأي محاولة لفرض واقع جديد بالقوة أو جرّ المحافظة لصراعات داخلية".
وأوضح أن المملكة تؤكد ضرورة خروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، وتسليم المواقع والمعسكرات إلى قوات درع الوطن، باعتبار ذلك خطوة محورية لضمان الأمن ومنع تكرار التوترات العسكرية.
كما يبيّن أن الجميع "يعلمون بأن المملكة تُولي مطالب أبناء المحافظات الجنوبية اهتماماً خاصاً، وتعمل على دعم حقوقهم المشروعة عبر المسارات السلمية والأدوات الفاعلة، بعيداً عن أي دعم للصراعات أو الأعمال العسكرية".
ونوّه إلى أن المملكة "ترى أن الأوضاع المعيشية للمواطنين اليمنيين لا تحتمل فتح المزيد من جبهات الاستنزاف الداخلية، وتستوجب اضطلاع جميع المكونات اليمنية بمسؤولياتها في إنهاء الخلافات وتهيئة الأجواء للعمل تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي، وتجنب أي تصعيد يمكن أن يؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية".