Logo

لاجئون صوماليون يعودون إلى بلدهم هرباً من البطالة والصراع في اليمن

الرأي الثالث - فرانس برس

في بيوت عشوائية تفتقر إلى أبسط الأساسيات وتربط بينها طرق ترابية تحيطها القمامة، يعيش آلاف الصوماليين مع أطفالهم في فقر مدقع في حيّ البساتين في عدن، ما دفع كثيرين منهم إلى اتخاذ قرار العودة الى بلادهم. 

اليمن ليس مقصداً للهجرة بحدّ ذاته، لكنّ عدداً كبيراً من الحالمين ببلوغ دول الخليج الثرية، يجد نفسه عالقاً في أفقر بلدان شبه الجزيرة العربية الغارق في الحرب بسبب صعوبة اختراق حدود الدول الأخرى.

بين هؤلاء المهاجرين الصوماليين، عبد الله عمر الذي وضع زوجته وأطفاله العام الماضي في مركب هجرة غير شرعية مقابل 500 دولار، ظناً منه أنه سيجد مستقبلاً أفضل. 

وقال عمر (29 عاماً) لوكالة فرانس برس بإحباط شديد: "يوم نأكل ويوم على الله. هذه هي الحياة". 

ويعمل عمر في غسل السيارات مقابل ألف إلى ألفي ريال يمني (بين 0,6 و1,2 دولار)، ويجني يومياً حوالى 6000 ريال (3,7 دولارات). 

ونشأ عمر في اليمن برفقة والديه خلال حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح الذي أطاحته ثورة شعبية إبان انتفاضة الربيع العربي في 2011. 

وحين صار شاباً، قرّر كآلاف الأفارقة الانتقال إلى السعودية، لكنّه لم يتمكّن من دخولها.

وأضاف: "ذهبت إلى السعودية عبر التهريب في 2017. حرس الحدود السعودي أوقفوني وأعادوني إلى الصومال حيث تزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال".

بعد سبع سنوات من العمل في قطاع البناء في مقديشو حيث كان يكسب يومياً حوالى 25 دولاراً، عاد عمر إلى اليمن المقسوم بين مناطق يسيطر عليها  الحوثيون وأخرى تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ليواجه شظف العيش والبطالة. 

وأضاف الرجل الذي رزق مولوداً رابعاً قبل ثلاثة أشهر: "اعتقدت أنّ اليمن أفضل من الصومال"، البلد الفقير غير المستقر في القرن الأفريقي، لكن "لا عمل ولا مال ولا دراسة للأطفال".
 
في أرجاء عدن الخاضعة للقوات الحكومية اليمنية، ترتفع نسبة البطالة بشكل حاد. ويمكن رؤية مهاجرين أفارقة هائمين في الشوارع أو يعملون في مهن بسيطة كتنظيف السيارات أو حتى يبحثون عن طعام في صناديق القمامة.

 في حيّ البساتين المسمى "مقديشو عدن"، تجلس أمهات يائسات أمام بيوتهن وحولهن أطفالهن الذين تبدو عليهم بوضوح علامات سوء التغذية، فيما خرج الرجال للبحث عن فرصة عمل.

 وسجّلت المنظمة الدولية للهجرة وصول حوالى 17 ألف شخص إلى اليمن انطلاقاً من جيبوتي والصومال في أكتوبر/تشرين الأول بزيادة مقدارها 99% عن الشهر السابق له.

"لا أملك شيئاً" في اليمن

منذ 2014، يشهد اليمن نزاعاً مدمّراً سيطر خلاله الحوثيون المدعومون من إيران على مناطق شاسعة في شمال البلاد، بينها العاصمة صنعاء. وفي العام التالي، تدخّلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعماً للحكومة اليمنية، وأوقع النزاع مئات آلاف القتلى.

 وأدّت الحرب إلى إغراق البلاد في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وفق الأمم المتحدة. ويحتاج حوالى 19.5 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، إلى مساعدات إنسانية في 2025، بمن فيهم 4.8 ملايين نازح داخلي، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
 
ويعيش عمر في غرفة صغيرة من دون أثاث إلا من مرتبتين رقيقتين للغاية، داخل بيت مشترك من طابق واحد، ومن دون باب، ويدفع إيجاراً شهرياً يبلغ 35 ألف ريال يمني (حوالى 21 دولاراً). تتشارك أسرته حماماً ومطبخاً مع أسرتين أخريين.

 وقال عمر: "هنا لا أملك شيئاً... سأعود إلأى بلادي لأوفّر مصاريفي وحياة لأبنائي. على الأقل أشتري لهم أحذية وملابس". 

ولا يزال الصومال نفسه يعاني ويلات الحرب الأهلية، وتسيطر حركة الشباب على مساحات شاسعة من البلاد. 

إلا أن السلام النسبي الذي شهدته العاصمة مقديشو في السنوات الأخيرة حقّق قدراً من الاستقرار، وسمح بطفرة بناء في أجزاء من المدينة، وهو ما يأمل عمر بأن يستفيد منه.

إذا تحقّق السلام

انطلق عبد الله وأسرته نهاية أكتوبر/ تشرين الأول في رحلة إلى مقديشو نسقتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ضمن برنامج العودة الطوعية للاجئين الذي بدأ في عام 2017، وأعاد مذّاك أكثر من 9 آلاف لاجئ صومالي إلى بلادهم. 

ويشكّل الصوماليون نحو 63% من أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء في اليمن البالغ عددهم رسمياً أكثر من 61 ألفاً، بحسب أرقام المفوضية، لكن الأرقام الحقيقية قد تكون أكبر بكثير. 

وأرجع 56% من الصوماليين الذين أعادتهم الأمم المتحدة إلى بلادهم سبب عودتهم إلى "عدم وجود فرص لكسب الدخل" في اليمن، وفق استطلاع رأي للمفوضية.
 
وقال القائم على برنامج العودة الطوعي، عويس الوزان، إنّ البرنامج يساعد "عدداً كبيراً من اللاجئين الراغبين في العودة إلى الصومال دون أن يكون لديهم سبيل للعودة بالتهريب أو دفع قيمة تذكرة". 

وشرح الوزان أنه "بالإضافة إلى إعادتهم مجاناً، نوفّر لكل فرد من الأسرة 250 دولاراً قبل السفر.

 وفي الصومال، توفر المفوضية 200 دولار لكل أسرة لإعادة الاندماج بالمجتمع". وأجلت الأمم المتحدة أكثر من 500 صومالي هذا العام، وستطلق ثلاث رحلات أخرى حتى نهاية العام يتوقع أنّ تقل نحو 450 شخصاً.

ومن بين هؤلاء، المقاول الصومالي أحمد أبو بكر مرزوق (58 عاماً) الذي جاء إلى اليمن قبل 25 عاماً وتزوج مرّتين وأنجب 15 طفلاً. 

قبل الحرب، كان مرزوق يعيش حياة كريمة مكّنته من إرسال المال إلى أهله بالصومال وبناء منزلين في مقديشو. 

وقال مرزوق بحزن: "لا يوجد عمل منذ ثلاث أو أربع سنوات. بناتي يعملن خادمات".

 وعن الصومال، قال: "أشقائي هناك يعملون بالزراعة. إذا تحقّق السلام، أعود إلى اليمن".

()