واشنطن تلقي بثقلها لإنهاء حرب السودان... وهدنة "الدعم" بلا مصداقية
الرأي الثالث - وكالات
وسط معارك متواصلة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتحشيد عسكري للطرفين في إقليم كردفان، وسط البلاد، أعلنت قوات الدعم السريع، مساء أول من أمس الاثنين، عن هدنة إنسانية من جانب واحد لمدة ثلاثة أشهر، وفق مقترح اللجنة الرباعية التي تضم السعودية والولايات المتحدة ومصر والإمارات،
مضيفة أن الهدنة، التي لا يزال يرفضها الجيش، تهدف "إلى تعزيز حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات، وفتح بارقة أمل للشعب الذي أنهكته الحرب".
وبينما يُنظر إلى إعلان "الدعم"، لا سيما من قبل الخرطوم، باعتباره مناورة سياسية، مع اشتداد الإدانات لهجومها على مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، واتهامها بارتكاب جرائم حرب فيها مع سيطرتها عليها إثر أشهر طويلة من الحصار،
أكد كبير مبعوثي الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، أمس الثلاثاء، من أبوظبي المتهمة من قبل الجيش بمساندة "الدعم" وأخذ موقف من الصراع إلى جانبها، أن طرفي الحرب لم يقبلا بالهدنة السابقة المعروضة، معرباً عن أمله في أن يقبل الجيش وقائده عبد الفتاح البرهان، بالمقترح الأميركي لوقف النار دون شروط مسبقة، وبصيغته الأصلية.
وجاءت لقاءات بولس في الإمارات وحديثه عن أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعتبر إنهاء حرب السودان أولوية، بعدما كان حضر الملف في مباحثات الأخير وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في واشنطن أخيراً، وطلب الأخير من الرئيس الأميركي "القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان".
شروط مسبقة لمبادرة السودان
وأعلن قائد "الدعم" ورئيس المجلس الرئاسي للحكومة الموازية ومقرها دارفور، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في خطاب نُشر الاثنين على منصة تليغرام، أن "البلاد تمر بلحظات تتطلب الكثير من المسؤولة" وأن "وقف نزيف الدم واجب لا يتحمل التأجيل"،
مشيراً إلى أن إعلان الهدنة "يأتي استجابة لمبادرة الرئيس الأميركي".
وأعرب عن أمله أن "تطلع دول الرباعية بدورها في دفع الطرف الآخر للتجاوب مع هذه الخطوة والجهود الدولية".
كما أعلن دقلو "التزامهم بتسهيل العمل الانساني وتأمين حركة العاملين بالمجال الإنساني وضمان وصول المساعدات الى كل المناطق دون عوائق، وحماية المخازن والمقرات الخاصة بالمنظمات الوطنية والدولية، وتسهيل حركة الفرق الطبية وفرق الإغاثة والتعاون الكامل مع الأمم المتحدة".
وأكد موافقته على "إنشاء آلية مراقبة ميدانية للهدنة تشرف عليها دول الرباعية والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد لضمان تنفيذها".
وذكر أنهم سوف يحاسبون أي شخص يثبت تورطه في انتهاكات تجاه المدنيين، قائلاً "اتخذنا إجراءات وتحقيقات وستعلن نتائجها بكل شفافية".
وأشار حميدتي إلى أن الهدنة التي التزمت بها "الدعم" هي "الخطوة الأولى لوقف العدائيات والوصول إلى حلّ سياسي شامل ومعالجة جذور الأزمة السودانية"،
معرباً عن أمله "في مساعدة المجتمع الدولي للوصول لعملية سياسية وانتقال ديمقراطي يضمن وحدة البلاد، إلى جانب التزامهم بمسار سياسي يشارك فيه الجميع عدا "الحركة الإسلامية الإرهابية" والإخوان المسلمين وحزب المؤتمر الوطني (نظام الرئيس السابق عمر البشير) وواجهاتهم "لأنهم يتحملون كل المأساة التي يعيشها السودانيون طيلة ثلاثة عقود".
ويأتي إعلان "الدعم"، أول من أمس، عن التزامها بهدنة أحادية، بعد تعرضها لضغوط دولية كثيفة عقب سيطرتها في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على مدينة الفاشر، وتنفيذ مسلحيها مجازر بحق المدنيين، ما دفع الجيش إلى إعلان الاستنفار العام وتصعيد العمليات العسكرية بشنّ غارات جوية استهدفت معاقلها في إقليم دارفور.
كما جاء الإعلان بعد الانتقادات الأميركية لقوات "الدعم" بشأن الإعلان عن خطوات من دون التزام بها، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، إلى جانب الضغوط التي تمارسها واشنطن على مقدمي الإمداد العسكري للمليشيات.
ولا ينفصل إعلان الهدنة الأحادية عن محاولة إحراج الجيش السوداني، خصوصاً بعد إعلان البرهان أنه لا يمكن القبول باللجنة الرباعية وسيطاً في الأزمة، بسبب ضمها الإمارات، ورفضه خطة بولس.
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قد أعلن في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، أن الولايات المتحدة ستؤيد تصنيف "الدعم" منظمة إرهابية إذا كان ذلك سيساعد في إنهاء حرب السودان. وأوضح أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ في الكونغرس ناقشوا المقترح معه، وأن الهدف الأساسي هو وقف الفظائع والانتهاكات التي ترتكبها "الدعم" ضد المدنيين،
مشدداً على أن هذه الانتهاكات "ممنهجة وليست تصرفات لعناصر منفلتة". وجاءت تصريحات روبيو في ختام اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في أونتاريو الكندية.
وبينما لم يصل إلى حدّ توجيه انتقاد مباشر لتدخل أطراف خارجية، قال: "لا أريد الخوض في توجيه اتهامات لأي جهة لأن ما نريده هو نتيجة جيدة، لكن نحن نعرف من هي الأطراف المتورطة في توريد الأسلحة".
ويوم الجمعة الماضي، بحث روبيو مع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، الوضع في السودان، وذلك في اتصال هاتفي، حيث ناقشا "التطوّرات المأسوية في الحرب الأهلية في السودان، وأهمية التوصّل إلى وقف فوري غير مشروط لإطلاق النار والعمل على إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين من دون عوائق"، وفق وكالة الأنباء الإماراتية "وام".
ويوم أمس الثلاثاء، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، أنور قرقاش، إن الإمارات ترحب بالقيادة الأميركية وجهودها لإنهاء الفظائع في السودان، مشدداً على أنه لا يمكن للجماعات المتطرفة العنيفة المرتبطة أو ذات الصلة الواضحة بجماعة الإخوان المسلمين أن تحدد مستقبل السودان. كما ندّد بـ"الفظائع التي ارتكبها كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع"،
مضيفاً أن "لا حلّ عسكرياً" للأزمة. وحول الاتهامات الموجهة إلى بلاده، أكد أن "الادعاءات الكاذبة والمعلومات المضللة لن تثني دولة الإمارات عن مواصلة العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لإنهاء الحرب في السودان".
وجاء كلام قرقاش، في وقت متزامن مع زيارة المبعوث الأميركي مسعد بولس، لأبوظبي، حيث أكد في إفادة إعلامية أمس أن ترامب يعتبر إنهاء حرب السودان أولوية، وأن واشنطن قدّمت للجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" خطة بصياغة قوية، لكنها لم تلق قبول طرفي الصراع.
كما نقل تنديد الإدارة الأميركية بـ"الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والجيش السوداني"، ودعوتها لمحاسبة المتورطين.
وأشار بولس إلى أن الإدارة الأميركية عرضت على الطرفين مقترحات مختلفة في الأسابيع الماضية، من بينها هدنة إنسانية، معرباً عن تطلعه إلى قبول الطرفين "النص الشامل" الذي قدّمته واشنطن.
ولفت إلى أن الجيش رحّب بالمقترح قبل أسابيع لكنه لم يقبل رسمياً بالنص، مضيفاً أن "الجيش السوداني عاد إلينا بشروط مسبقة، لكننا نرغب في أن يُقبل النصّ بصيغته الأصلية".
ومعلّقاً على إعلان "الدعم" أول من أمس، عن قبول وقف النار بشكل أحادي، قال: "رأينا الإعلان ونأمل أن يصمد وأن يلتزم الطرفان". وبشأن الاتهامات التي وجّهها إليه قائد الجيش السوداني أخيراً، قال إنها مبنية على "حقائق مغلوطة".
وكان الرئيس الأميركي قد أعلن الأربعاء الماضي عزمه العمل على إنهاء حرب السودان بعد طلب قدمه له ولي العهد السعودي لوقف الحرب الأسبوع الماضي، في واشنطن.
وقال ترامب خلال زيارة بن سلمان واشنطن إن "الأمير يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان"، موضحاً أن "السودان لم يكن ضمن الملفات التي أنوي الانخراط فيها، وكنت أعتقد أن الوضع هناك تعمّه الفوضى وخارج عن السيطرة".
وأشار ترامب إلى أن "فظائع هائلة تُرتكب في السودان. لقد أصبح أكثر الأماكن عنفاً على وجه الأرض، وكذلك أكبر أزمة إنسانية منفردة. هناك حاجة ماسّة إلى الغذاء والأطباء وكل شيءٍ آخر".
وكتب على موقعه تروث سوشيال أنه سيستخدم "نفوذ الرئاسة لوقف الحرب على الفور".
وكانت "الدعم" قد أعلنت يوم الجمعة الماضي "استجابتها لكل مبادرات وقف الحرب"، وذلك بعد إعلانها في 6 نوفمبر الحالي موافقتها على مقترح لهدنة إنسانية قدمته الرباعية الدولية، لكن بولس أكد أمس أن أياً من طرفي الصراع لم يقبل بالمقترح.
وكانت دول الرباعية قد أصدرت في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي دعوتها إلى هدنة إنسانية أولية لمدة 3 أشهر في السودان، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى جميع المناطق تمهيداً لوقف دائم لإطلاق النار.
يلي ذلك، وفق الخطة، "إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفّافة تُستكمل خلال 9 أشهر، بما يلبي تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مدنية مستقلة تحظى بقاعدة واسعة من الشرعية والمساءلة".
وتقوم الخطة أيضاً على استبعاد كل من الجيش والدعم من عملية الانتقال السياسي بعد انتهاء النزاع. وبعد سيطرة "الدعم" على الفاشر، طرح بولس هدنة، أعلنت "الدعم" قبولها بها، لكن الجيش رفضها ودعا إلى التعبئة،
علماً أن "الدعم" أيضاً واصلت شنّ الهجمات على عدد من المدن والقرى بالمدافع والطائرات المسيرة.
وجاءت هذه التطورات، فيما رفض قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، يوم الأحد الماضي، اقتراح "الرباعية" للهدنة واعتبره غير مقبول، متهماً اللجنة بعدم الحياد، بسبب عضوية الإمارات فيها،
مضيفاً أن ما طرحه بولس هو "أسوأ ورقة يجرى تقديمها باعتبار أنها تلغي وجود القوات المسلحة، وتطالب بحلّ جميع الأجهزة الأمنية وتبقي المليشيا المتمردة في مناطقها".
كما رأى أن سردية بولس بشأن وجود سيطرة لتنظيم الإخوان المسلمين داخل الجيش هي سردية ظلّت تطلقها الإمارات، وأن ذلك لا يعدو أن يكون فزاعة يجرى استخدامها للأميركيين والسعوديين والمصريين.
في المقابل، أعرب البرهان عن تقديره مساعي ولي العهد السعودي من أجل السلام،
واعتبر أن "هذه المبادرة (لوقف الحرب) فرصة لتجنيب بلادنا الدمار والتمزق، ونحن نعول عليها ونعتبرها صوت الحق وصوت المنطقة"، وأعلن أنهم سيتعاطون مع هذه المبادرة بما يمكّن من إنهاء الحرب بالطريقة المثالية التي تريح كل السودانيين.
ويوم أمس، اعتبر وزير الإعلام السوداني، خالد الإعيسر، إعلان "الدعم" قبول الهدنة لا يتجاور كونه "مناورة سياسية مكشوفة تتناقض بشكل صارخ مع الواقع المرير الذي ارتكبته قواتها على الأرض".
وأشار إلى أن تصريح دقلو "ليس سوى محاولة جديدة لخداع المجتمع الدولي وتلميع صورة شوهتها الحقائق الدامغة بجرائم قواته وانتهاكاتها المستمرة".
وأضاف أنه يجب "على العالم ألا يسمح لنفسه بأن يُستدرج إلى هذا الخطاب المضلل، فقد أثبتت التجارب السابقة، وفي مقدمتها هدن اتفاق جدة، أن الجيش السوداني التزم بما وُقع عليه،
بينما استغلت المليشيا تلك الهدن لتمرير إمدادات مرتزقتها من السلاح والعتاد وتحقيق مكاسب عسكرية على حساب المدنيين".
بدورها، أكدت وزارة الخارجية السودانية، أمس، أن السلام يجب أن يصون سيادة البلاد ووحدتها، بحسب وكيل الوزارة معاوية عثمان خالد،
مضيفاً أن الحكومة تؤكد "رغبتها الصادقة وعزمها الأكيد على إحلال سلام عادل وشامل في البلاد، يصون سيادتها ووحدة أراضيها، ويحقّق تطلعات الشعب، على نحو ما جاء في خطاب رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان للقيادات العسكرية".
وإذ أكد أن الحكومة "ظلّت منفتحة على جميع المبادرات الجادة والهادفة لإنهاء الحرب التي أشعلتها قوات الدعم السريع"، جدّد الترحيب بمساعي ولي العهد السعودية "الرامية إلى إحلال السلام العادل في السودان"،
مثمِّناً الطرح الذي قدمه ولي العهد خلال لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، "والذي يعكس التزام المملكة بدعم الشعب السوداني وتعزيز الجهود الإقليمية والدولية الساعية لإنهاء الحرب وتحقيق السلام"، وفق رأيه.
وأكد "استعداد الحكومة للانخراط البنّاء في هذا المسار بما يقود إلى سلام عادل ومستدام".
أما التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود" الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، فردّ أول من أمس على خطاب البرهان،
معتبراً في بيان أن الأخير "تنصل عن المضي في مسار السلام الذي اقترحته مبادرة الرباعية، واحتوى خطابه على مغالطات عديدة ورسائل خطيرة فحواها استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى في البلاد، ما يهدد وحدتها وسيادتها وتماسكها".
واعتبر التحالف أن مبادرة الرباعية "وجدت قبولاً منقطع النظير داخلياً وخارجياً، ولم ترفضها جهة غير المؤتمر الوطني وحركته الإسلامية (نظام البشير)،
لافتاً إلى أنه بـ"إعلان البرهان رفضه للمبادرة، فإنه يضع مصالح ورغبات هذه الجماعة الإرهابية فوق تطلعات الشعب السوداني ومحيطه الإقليمي والدولي".
ويوم أمس، اعتبرت منظمة العفو الدولية أن الفظائع التي ارتكبتها "الدعم السريع"في الفاشر تشكل جرائم حرب، مؤكدة في تقرير أنها جمعت شهادات تصف الوحشية التي نفذتها تلك المليشيات عندما تمكنت من السيطرة على الفاشر.
وأضافت المنظمة أن الفظائع شملت إعدام عشرات الرجال العزل، واغتصاب النساء والفتيات، لافتة إلى أن أشخاصاً آخرين اعتقلهم رجال المليشيات كرهائن مقابل فدية، وأن شهوداً قالوا إنهم رأوا "مئات الجثث ملقاة" في شوارع المدينة وعلى الطرق الرئيسية الخارجة من الفاشر.
وقالت الأمينة العامة لـ"العفو الدولية"، أنييس كالامار: "هذا العنف المستمر والواسع النطاق ضد المدنيين يشكل جرائم حرب وقد يشكل أيضًا جرائم أخرى بموجب القانون الدولي".