Logo

يوم عُمان الوطني.. تخليد لتأسيس الدولة الحديثة وتطلّع لرؤية 2040

 الرأي الثالث - وكالات

تستعيد سلطنة عُمان مسار تشكّل دولتها الحديثة بالعودة إلى عام 1744، حين أطلق الإمام أحمد بن سعيد مشروع توحيد البلاد وترسيخ السيادة الوطنية، لتشكّل تلك اللحظة منعطفاً حاسماً في تاريخ المنطقة.

ومع اعتماد 20 نوفمبر يوماً وطنياً، تُعيد السلطنة وصل حاضرها السياسي والاقتصادي بذلك الإرث المؤسِّس، بما يعكس استمرار منهج الدولة الممتدّ عبر أجيال الأسرة البوسعيدية، وصولاً إلى النهضة المتجددة في عهد السلطان هيثم بن طارق.

جذور التأسيس

وشكّل تولي الإمام أحمد بن سعيد الحكم في 20 نوفمبر 1744 بداية مرحلة سياسية جديدة قامت على تثبيت وحدة البلاد وصدّ التحديات الداخلية والخارجية.

ويشير أستاذ التاريخ الحديث بجامعة السلطان قابوس، ناصر الصقري، إلى أن المؤسس "أرسى أسس القيادة وصاغ مفهوم السيادة الوطنية الذي لا يزال حجراً رئيساً في استقلال القرار السياسي العُماني حتى اليوم"،

 مؤكداً أن مشروعه ظل مرجعاً لتعزيز الوحدة الوطنية واستقرار الدولة.
 
ويضيف الصقري، في حديثه لصحيفة "عُمان" مطلع الشهر الجاري، أن اختيار 20 نوفمبر يوماً وطنياً يُجسّد الخيط المستمر بين التأسيس وبناء الدولة المعاصرة، 

معتبراً أن هذا التاريخ "علامة فارقة في الوعي الوطني العُماني واستحضار لصفحة مضيئة في مسيرة الدولة".

وترى الباحثة في التاريخ العُماني، بهية العذوبية، أن بدايات الدولة البوسعيدية اعتمدت على تثبيت الحكم وتطوير البنية الإدارية والعسكرية والاقتصادية، وهو ما أسهم في جعل عُمان قوة مؤثرة في المحيط الهندي وشرق أفريقيا.

ولفتت العذوبية، للصحيفة ذاتها، إلى أن هذا المسار تطور لاحقاً في عهد السلاطين، خصوصاً في زمن سعيد بن سلطان الذي شهدت فيه عُمان توسعاً اقتصادياً وإقليمياً انعكس على حضورها الدولي.

الدولة وامتدادها

ومع صعود السلاطين اللاحقين، اتسع نطاق الدولة العُمانية لتبلغ ذروتها في القرن التاسع عشر، إذ جعل سعيد بن سلطان (1804–1856) من زنجبار مركزاً اقتصادياً وسياسياً مؤثراً، ووقّع اتفاقيات دولية عززت موقع عمان التجاري.

وتبرز الباحثة بهية العذوبية أن رحلته البحرية الشهيرة بسفينة "سُلطانة" عام 1840 دشّنت أول قناة اتصال رسمية بين عُمان والولايات المتحدة، ما شكّل نقطة تحوّل في العلاقات الدولية للبلاد.

وفي التاريخ القريب، مثّل عهد السلطان قابوس بن سعيد منذ 1970، مرحلة انتقالية نحو دولة حديثة ذات مؤسسات، عبر مشاريع التعليم والصحة والبنية الأساسية وتبني سياسة الحياد الإيجابي التي أكسبت عُمان دور الوسيط الإقليمي الموثوق.

وجاءت مرحلة النهضة المتجددة منذ 2020 مع السلطان هيثم بن طارق، حيث بدأت الدولة تطبيق إصلاحات إدارية واقتصادية واسعة وتفعيل رؤية عُمان 2040 وتنويع مصادر الدخل، مع التركيز على تمكين الشباب وتطوير القطاعات الحيوية.

وتكشف قراءة مسيرة الدولة البوسعيدية منذ تأسيسها حجم التحولات التي مرّت بها عُمان من مشروع توحيد سياسي إلى دولة مؤسسات ذات حضور إقليمي ودولي.

ويؤكد هذا الامتداد التاريخي أن بناء الدولة العُمانية الحديثة لم يكن مجرد إرث متوارث، بل عمل يومي مستمر تجدد في كل مرحلة، ليبقى هذا التاريخ ركيزةً للهوية الوطنية ومصدراً لرسم مستقبل البلاد في ظل النهضة المتجددة.
 
إرث ثقافي وسياسي

بدوره يشير الباحث الدكتور حبيب الهادي إلى أن الاحتفال بيوم 20 نوفمبر هذا العام يحمل دلالة وطنية خاصة لسلطنة عُمان، حيث يمر 281 عاماً على تأسيس الدولة العُمانية الحديثة.

ويؤكد أن هذه الدولة قامت تحت قيادة الدولة البوسعيدية التي تنتمي إلى قبيلة البوسعيد، وهي إحدى القبائل العُمانية الأصيلة التي حكمت عُمان منذ ما قبل الإسلام، مشدداً على أن الهوية العُمانية قد تشكلت على مدى زمني طويل.

ويضيف الدكتور الهادي أن عُمان تمتلك إرثاً ثقافياً وسياسياً واسعاً يعكس عمقها التاريخي وحضورها الإقليمي والدولي المؤثر.

ويلفت إلى أن هذا التراث أصبح الرافعة الأساسية للنشاط التنموي والتقدم والازدهار الذي تشهده سلطنة عُمان حالياً، مشيراً إلى أن "رؤية عُمان 2040 تربط ببراعة بين الماضي والحاضر، وتستشرف في الوقت ذاته ملامح المستقبل".

وأوضح الهادي أن هذه الرؤية تنطلق من الأصول الراسخة للحضارة العُمانية العميقة، ولذلك فهي تعتني بالحضارة، والثقافة، والفكر، والتراث، والإرث المتواصل الذي تحمله عُمان أرضاً وإنساناً.

ويرى الباحث أن عُمان تمثل بالفعل نموذجاً في التعامل مع الأوضاع السياسية الإقليمية والدولية؛ فرغم كونها تعيش في محيط مضطرب مليء بالصراعات والقلاقل، فإنها استطاعت أن تنأى بنفسها عن تلك الأزمات بفضل مواقفها الحيادية والحكيمة.

ويردف أن الركائز الأساسية للسياسة العُمانية تنطلق من عمقها الديني للحضارة الإسلامية، والعمق المجتمعي للمجتمع العربي الأصيل، وكذلك عمق الهوية الثقافية والتاريخ والجغرافيا العُمانية.

ويؤكد أن "رموز عُمان الوطنية من الأئمة والسلاطين والعلماء، والسلطان هيثم بن طارق، يسيرون على مسار سياسي واضح المعالم عبر التاريخ، لأن السلطنة هي دولة مؤسسات ودولة حضارة".

ويشير إلى أن "كل حاكم يأتي إنما يسير على منهج المدرسة السياسية العُمانية، وهي المدرسة التي وصفها المؤرخ العربي حسين غباش بأنها (أقدم تجربة سياسية ديمقراطية في العالم)".

كما يلفت إلى أن "رؤية عُمان 2040" والنهضة المتجددة بقيادة السلطان هيثم هي "امتداد طبيعي وخالد لهذا التأسيس، وتمثل انبعاثاً جديداً للدولة العُمانية بربطها بتاريخ الوطن ويوم تأسيسها في عام 1744، وهو اليوم الذي يمثل انطلاقة الدولة البوسعيدية التي قادت عُمان منذ نحو 3 قرون".
 
الرؤية الحديثة

ويمثل التقدم المسجّل في رؤية عُمان 2040 امتداداً عملياً لمسار بناء الدولة منذ انطلاقتها، حين تأسست أولى اللبنات الإدارية للدولة العُمانية الحديثة، ويعكس التقرير الدوري الرابع للرؤية هذا الامتداد، بعدما حقّقت المؤشرات تقدّماً بنسبة 74% نحو المستهدفات الاستراتيجية.

وتكشف البيانات التي نشرتها وزارة الخارجية العمانية في 27 أكتوبر 2025، عن تحول اقتصادي واسع؛ إذ ارتفعت مساهمة القطاعات غير النفطية إلى 72.8% من الناتج المحلي، 

فيما انخفض الدين العام إلى 14.4 مليار ريال عُماني (نحو 37.4 مليار دولار) أي 35.5% من الناتج.

كما نما الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 18% ليصل إلى 30.1 مليار ريال (نحو 78.2 مليار دولار)، في وقت حافظت فيه السلطنة على تحسن ملحوظ في مؤشرات التنافسية، 

بينها الصعود 94 مرتبة في مؤشر الأداء البيئي، و5 مراتب في مؤشر الابتكار العالمي، و60 مرتبة في مؤشر براءات الاختراع لتستقر عند المركز الـ38 عالمياً.

وفي مسار بناء رأس المال البشري، ارتقت جامعة السلطان قابوس إلى المرتبة الـ334 عالمياً، ودخلت ثلاث جامعات خاصة التصنيف الدولي لأول مرة.

واعتمدت المؤسسات التعليمية 475 مشروعاً بحثياً وسجلت 128 براءة اختراع، إلى جانب استقطاب أكثر من 3400 طالب دولي ضمن برنامج "ادرس في عُمان".
 
وفي القطاع الصحي، افتُتحت 10 مؤسسات جديدة وطُوّرت 21 منشأة، مع إجراء أول زراعة قلب من متوفّى دماغياً.

وتبرهن هذه المؤشرات - الممتدة من الاقتصاد والابتكار إلى الصحة والحوكمة - على أن رؤية 2040 ليست خروجاً عن مسار الدولة الذي بدأ قبل أكثر من 280 عاماً، بل حلقة حديثة من مشروع مستمر يقوم اليوم على المعرفة والاستدامة وكفاءة الإدارة.