من غزة إلى جوهانسبرغ… هل بدأ مخطط التهجير "الطوعي"؟
الرأي الثالث - وكالات
أثار وصول أكثر من 150 فلسطينياً من غزة إلى جنوب أفريقيا، عبر رحلة غامضة انطلقت من مطار رامون الإسرائيلي مروراً بنيروبي، جدلاً واسعاً حول ما إذا كانت "إسرائيل" قد بدأت بالفعل في تسهيل عمليات تهجير "طوعية" لسكان القطاع، في وقت تتصاعد فيه التحذيرات الحقوقية من مخطط أوسع لإفراغ غزة من سكانها.
القضية انفجرت عندما رفضت سلطات مطار "أو. آر. تامبو" في جوهانسبرغ السماح بدخول الفلسطينيين بسبب عدم امتلاكهم وثائق سفر صالحة، قبل أن تتراجع لاحقاً وتسمح بدخولهم، بقرار من رئيس البلاد سيريل رامافوزا، الذي أعلن لاحقاً فتح تحقيق استخباراتي لمعرفة الجهة التي نظمت الرحلة وكيف تمكن المسافرون من عبور نيروبي دون وثائق.
وأوضح رامافوزا أن بلاده لن تجبرهم على العودة، كونهم قدموا من منطقة حرب تستوجب التعامل الإنساني معهم، لكنه شدد على ضرورة كشف الجهات التي رتبت نقلهم بطريقة "غامضة".
وزارة الخارجية الفلسطينية أعربت عن تقديرها لموقف جنوب أفريقيا، لكنها أوضحت أن المسافرين وقعوا ضحية خداع من جهات تدفع نحو التهجير وتستغل الظروف الإنسانية في غزة.
وأكدت الخارجية في بيان لها، السبت 15 نوفمبر الجاري، أن الفلسطينيين غادروا عبر مطار رامون في جنوب دولة الاحتلال دون أي تنسيق مسبق مع الجانب الفلسطيني، محذّرة من شركات ومؤسسات تتاجر بالبشر وتروج لمشاريع التهجير، ومشددة على أن ذلك يمثل جريمة بموجب القانون الدولي.
وتكشف القضية التي فجرتها جنوب أفريقيا ملامح شبكة تهجير غير معلنة تعمل في الظل، تستفيد من مأساة غزة ومن يأس سكانها الباحثين عن ملاذ آمن.
"المجد".. الشركة الخادعة
صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية كشفت أن منظمة تدعى "المجد" ومقرها القدس المحتلة، وهي التي رتبت خروج الفلسطينيين من القطاع تحت شعار "المساعدة الإنسانية".
ونظمت المؤسسة المجهولة رحلتين غامضتين حملتا فلسطينيين من قطاع غزة إلى جنوب أفريقيا، وسط شبهات باستغلال الظروف الإنسانية الصعبة ودفع العائلات نحو مسارات تهجير مجهولة تحت غطاء "الإغاثة الإنسانية".
وتقدم المؤسسة نفسها كجهة طبية وإنسانية توفر علاجاً ودعماً نفسياً وفرص سفر، غير أن طبيعة موقعها الإلكتروني المليء بالأخطاء، وغياب أي صلة لها بمنظمات دولية أو شركاء موثوقين،
إضافة إلى جمعها بيانات شخصية حساسة مقابل وعود فضفاضة، تثير شكوك متصاعدة في الأوساط الفلسطينية والحقوقية، حول أهدافها الخفيّة والجهات التي تديرها.
وحول تلك الرحلات، أوضحت "يديعوت أحرونوت" أن جيش الاحتلال رافق الحافلات التي نقلت الفلسطينيين من داخل غزة حتى معبر كرم أبو سالم، ومنها إلى مطار رامون حيث أقلعت الطائرة،
كما نقلت عن ضابط إسرائيلي أن خروجهم تم بعد موافقة "دولة ثالثة" على استقبالهم.
أموال وابتزاز
الكاتب والمحلل السياسي ياسين عز الدين أوضح أن طائرة تقل 153 فلسطينياً وصلت إلى جنوب أفريقيا، وقد أكد أن الرئيس الجنوب إفريقي وافق على منحهم تأشيرات لمدة 90 يوماً فقط إلى حين تدبير أوضاعهم، بينما تفتح السلطات تحقيقاً حتى لا تتكرر الحادثة، خصوصاً مع استخدام الاحتلال لهذه الرحلات في تهجير الفلسطينيين إلى المجهول.
وقال عز الدين : إن "23 شخصاً غادروا لاحقاً إلى كندا وأستراليا وماليزيا لامتلاكهم تأشيرات مسبقة، بينما بقي 130 آخرون في مصير مجهول".
وأشار عز الدين إلى أن الاحتلال تعمد عدم ختم جوازاتهم لمنع عودتهم إلى غزة، وهو ما دفع السلطات الجنوب أفريقية لرفض إدخالهم أولًا قبل أن يُسمح لهم لأسباب إنسانية.
ويؤكد أنهم دفعوا ما يصل إلى 5 آلاف دولار للشخص، بينما أخبرهم منظمو الرحلة من عملاء الاحتلال أن بإمكانهم إحضار حقيبة ظهر فقط، قبل أن يمنعهم الجنود في معبر كرم أبو سالم من حمل أي حقائب والسماح لهم فقط بجوازات السفر والهواتف وقليل من المال.
ويضيف عز الدين أن هذه هي الطائرة الثانية، إذ سبقتها رحلة في أكتوبر الماضي على متنها 176 فلسطينياً دخلوا جنوب أفريقيا بطريقة غير واضحة، وتركتهم المؤسسة المرتبطة بالاحتلال يواجهون مصيراً مجهولاً، مؤكداً "وقاحة المحتل الذي لا يكتفي بتهجيرهم بل يبتزهم مالياً ثم يلقي بهم في المجهول".
مخططات إسرائيلية
يكشف ما حصل في جنوب أفريقيا، عن المخطط الرسمي الذي أعلن عنه وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، حول تأسيس وكالة خاصة تعنى بتنظيم عملية مغادرة سكان غزة الراغبين في الانتقال إلى دول ثالثة، وذلك ضمن إطار أوسع للتعامل مع واقع ما بعد الحرب الدائرة.
وقرر كاتس في فبراير الماضي إنشاء مديرية متخصصة تحت إشراف وزارة الحرب، تتولى تنسيق الإجراءات المتعلقة بـ"المغادرة الطوعية"، وتستند الخطة إلى توفير دعم مادي ولوجستي شامل لمن يرغبون في مغادرة القطاع، بما يشمل تسهيلات في النقل البحري والجوي والبري.
كذلك، سبق أن ذكرت وكالة "بلومبيرغ" بأن "إسرائيل" حددت مطار "رامون" وميناء "أشدود" لتنفيذ مخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلق بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
ونقلت الوكالة، في فبراير الماضي، عن مسؤول إسرائيلي وصفته بـ"مطلع على المناقشات" -لم تسمه- أن وزير الحرب الإسرائيلي كاتس تسلم مسودة الخطة التي تحدد آلية تنفيذ عمليات التهجير انطلاقاً من مطار رامون وميناء أشدود.