Logo

العراق يُتمّ الاستحقاق الانتخابي ومفاوضات صعبة تلوح في الأفق

الرأي الثالث - وكالات

 أسدل العراق الستار عن ماراثون الانتخابات التشريعية، بعد أشهر طويلة من منافسة سياسية محتدمة واصطفافات حزبية أعادت التسخين إلى المشهد البرلماني، وسط أجواء مشحونة بالتجاذبات وتراشق الاتهامات بين القوى المتنافسة.

 وأعلنت مفوضية الانتخابات إغلاق الصناديق الخاصة بالاقتراع في عموم مدن البلاد، في تمام الساعة السادسة من مساء الثلاثاء، من دون أي تمديد إضافي بوقت الاقتراع، وسط تأكيدات أنها ستعلن نسبة المشاركة في وقت لاحق من هذا اليوم.

وشهد اليوم الانتخابي تصويت العراقيين في أكثر من 8700 مركز انتخابي ضم 39 ألف محطة انتخابية موزعة على عموم محافظات البلاد، ورغم تسجيل حالات تلكؤ في بعض المحطات فإن فرق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تدخلت سريعاً لمعالجتها، 

فيما لم تسجل أي خروقات أمنية أو تنظيمية مؤثرة بحسب تقارير رسمية، كما ازدادت وتيرة الإقبال بعد منتصف النهار، قبل أن تغلق الأجهزة الإلكترونية تلقائياً عند انتهاء الوقت المحدّد. 

ووفقاً لمفوضية الانتخابات، فإنها "ستُباشر بعملية العدّ والفرز اليدوي بعد إغلاق صناديق الاقتراع"،

 وقال المستشار القانوني في المفوضية، حسن سلمان، إن "العملية الانتخابية جرت بانسيابية عالية دون تسجيل أي ملاحظات فنية أو إدارية في عموم المحافظات، وأن فرقنا الميدانية ومراكزنا الانتخابية عملت بشكل منتظم، ولم تُؤشر حتى الآن أي جوانب سلبية مؤثرة على مجريات الاقتراع".

وأشارت إلى أن "وكلاء الأحزاب السياسية سيُزوّدون بنتائج المشاركة"، مؤكدة أن "لمراقبي الكيانات السياسية والأحزاب الحق في تقديم الشكاوى الرسمية في حال رصدت أي مخالفات أثناء عملية التصويت". 

وبحسب مصادر ، فإن "حجم الإقبال لم يرتفع كثيراً عمّا كان عليه بداية النهار، الأمر الذي يجعل نسب المشاركة محدودة"، مبيناً أن "المساجد في كثير من مناطق البلاد حثّت المواطنين على التصويت، وأنها مسؤولية وطنية لا يمكن التقصير فيها".

ومع ترقّب إعلان النتائج الأولية خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة، تدخل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مرحلة "تصريف الأعمال" بحكم الدستور، إلى حين تشكيل حكومة جديدة تستند إلى مخرجات العملية الانتخابية. 

وبينما تزداد المؤشرات على صعوبة رسم ملامح التحالفات السياسية سريعاً، تبقى سرعة ولادة الحكومة المقبلة مرهونة بما ستسفر عنه صناديق الاقتراع من توازنات وكتل مؤثرة، في مشهد يعيد طرح الأسئلة بشأن شكل المرحلة التالية، وقدرتها على تهدئة الشارع وتحقيق وعود الإصلاح. 

وقال السوداني، في مؤتمر صحافي بعد الإدلاء بصوته في أحد المراكز الانتخابية في منطقة كرادة مريم بالعاصمة بغداد: "أدينا التزامنا في البرنامج الحكومي بشأن إجراء الانتخابات، وحرصنا على وجود المراقبين الدوليين في الانتخابات البرلمانية".

 وأكد أن "الحكومة أولت اهتماماً كبيراً بالتداول السلمي للسلطة، وإجراء الانتخابات بموعدها تأكيد على التداول السلمي للسلطة، والمواطن يختار بمسؤولية ووعي من يمثّله في البرلمان، ولهذا نبارك لأبناء الشعب العراقي هذا العرس الانتخابي، ونشكر الأسرة الصحافية والإعلامية لدورها في التغطية الانتخابية".
 
فيما قال زعيم ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، في تصريحات صحافية، إن "العملية السياسية في العراق، لا يمكن تشكيلها إلا بالتفاهمات والتوافقات، والانتخابات تحققت رغم كل العقبات ومحاولات التأجيل، ولو أُجّلت لفقدت العملية السياسية والبرلمان شرعيته". 

وأكد أن "كل الحكومات السابقة كانت توافقية تفاهمية، والحكومة المقبلة لن تخرج عن هذه القاعدة، والأصوات وحدها لا تكفي ما لم تكن هناك تفاهمات وتحالفات لتشكيل الكتلة النيابية الكبرى، ونحن نرفض أي تدخل خارجي في الشأن العراقي، مع الترحيب بالمشورة والدعم فقط".

وكان لافتاً أيضاً تصريح رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم في كلمة له بعد مشاركته في التصويت قائلاً إن "المرحلة المقبلة لن تكون مختلفة عن سابقتها، ولا يمكن اختزال العملية السياسية والانتخابية بجهة، فالدولة والمجتمع أوسع من ذلك". 

وأضاف أن "المشاركين سيحمون مصالح المشاركين والمقاطعين على حد سواء، لأن الجميع أبناء وطن واحد، وعلى الكتل السياسية الجلوس والحوار وتشكيل الحكومة الجديدة في وقت مبكر".
 
من جهته، قال رئيس تحالف "السيادة"، خميس الخنجر، في مؤتمر صحافي عقده عقب الإدلاء بصوته، إن "هذه الانتخابات تمثل فرصة حقيقية للتغيير وبناء مؤسسات قوية وعادلة، وصوت العراقيين هو صوت السيادة والكرامة، ومن أجل عراق فاعل وقادر على استعادة دوره الإقليمي والدولي". 

وبين الخنجر أن "العملية الانتخابية الحالية تؤكد وحدة العراق وانطلاقته نحو مرحلة جديدة، ومرحلة ما بعد الانتخابات ستشهد تفاهمات وطنية بين مختلف القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية". 

وأكد أن "ما يميز هذا الاستحقاق هو وجود قوى تؤمن ببناء مؤسسات الدولة، وحصر السلاح بيدها، وإنهاء ملف الميليشيات بجميع أشكالها".
 
بالمقابل، قال عضو "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق محمود الحياني، إن "العملية الانتخابية سارت بشكل منظم وشفاف، وبجهود كبيرة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والأجهزة الأمنية، ونسبة المشاركة رغم أنها كانت دون طموحنا، إلا أنها تعكس إرادة شعبية حقيقية لا يمكن التشكيك بها". 
 
وبيّن الحياني أن "الإطار التنسيقي يتعامل مع هذه الانتخابات باعتبارها محطة مفصلية لتعزيز الاستقرار السياسي وتوحيد الجهود نحو خدمة المواطنين، والكتل المنضوية في الإطار جاهزة للدخول في حوارات مسؤولة مع جميع القوى الوطنية لتشكيل حكومة قوية تمتلك رؤية واضحة لمعالجة الأزمات الاقتصادية وتحسين مستوى الخدمات".

وأضاف أن "نتائج الانتخابات لن تغيّر من ثوابت الإطار التنسيقي في دعم الدولة ومؤسساتها، ورفض أي محاولات للعودة إلى أجواء الانسداد السياسي أو تعطيل الاستحقاقات الدستورية، والمرحلة المقبلة تتطلب تعاوناً أكبر بين الشركاء السياسيين وإبعاد لغة التصعيد، لأن المواطن ينتظر حلولاً لا صراعات جديدة". 

وأكد عضو الإطار التنسيقي أننا "نحترم خيارات الناخبين، وسنتعامل مع النتائج وفق الأطر القانونية والدستورية، وسنعمل على بناء تحالفات راسخة تفضي إلى حكومة قادرة على تنفيذ برنامج حقيقي للإصلاح وتحقيق الاستقرار".

وفي الوقت الذي أغلقت فيه صناديق الاقتراع أبوابها، تظلّ الأسئلة الكبرى معلّقة حول حجم تأثير المقاطعة التي تبنّاها التيار الصدري، الذي كان يشكّل القوة الكبرى في البرلمان السابق قبل انسحابه، وما إذا كانت القوى المنافسة ستنجح في ملء الفراغ الذي خلّفه.

 كما برزت خلال العملية الانتخابية تحديات لوجستية وأمنية متفاوتة بين المحافظات، ورغم تطمينات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بشأن "انسيابية الاقتراع"، 

إلا أن تقارير مراقبين أشارت إلى شكاوى فردية تتعلق بتأخر فتح بعض المراكز أو أعطال في أجهزة التحقق الإلكتروني، دون أن ترقى إلى مستوى التأثير المباشر على المسار العام للتصويت.

وتجمع قراءات المراقبين على أن مزاج الناخب العراقي بات أكثر ميلاً للعزوف، بسبب تراكم الإحباط من غياب الإصلاحات وتراجع الخدمات، إلى جانب استمرار نفوذ السلاح خارج الدولة، ما جعل كثيراً من الأصوات الشبابية تنأى بنفسها عن العملية السياسية. 

ورغم ذلك، شهدت بعض المحافظات تنافساً محتدماً بين قوى تقليدية وأخرى ناشئة تسعى لإثبات حضورها في البرلمان المقبل.
 
كذلك يترقّب الشارع المحلي والمجتمع الدولي كيفية تعاطي القوى السياسية مع نتائج الانتخابات، ومدى القبول بها دون طعون أو نزاعات على شرعيتها، لا سيّما أن أي تأخير أو خلاف حول تشكيل الحكومة المقبلة قد يعيد البلاد إلى مشهد الانسداد السياسي الذي عاشته سابقاً. 

ومن المتوقّع أن تبدأ الاتصالات والمفاوضات الأولية بين الكتل مباشرة بعد إعلان النتائج، في محاولة لرسم تحالفات تضمن الأغلبية المطلوبة لاختيار رئيس الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية وفق التوازنات الجديدة.

وبين التفاؤل الحذر والقلق الشعبي، يقف العراق على أعتاب مرحلة سياسية جديدة يختبر فيها قدرته على إنتاج سلطة قادرة على تهدئة التوترات وتلبية تطلعات الشارع، في ظل واقع اقتصادي وأمني يحتاج إلى حلول عاجلة وإرادة سياسية مستقرة.

وانطلقت في عموم المدن والمحافظات العراقية عملية الاقتراع العام للانتخابات البرلمانية بدورتها السادسة في البلاد، وسط إجراءات أمنية مشددة ودعوات سياسية متكررة للمشاركة الفاعلة في عملية التصويت التي ستحدد ملامح المرحلة السياسية المقبلة للبلاد. 

ويحقّ لأكثر من 20 مليون مواطن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العراقية، مع العلم أن نحو سبعة ملايين لم يقدّموا طلبات للحصول على بطاقات انتخابية، أو لم يُحدّثوا بياناتهم. 

كما يستمر حرمان عراقيي المهجر من التصويت، وذلك بناءً على توافق سياسي بين القوى الرئيسة في العراق عام 2021، تحت عنوان التقليل من النفقات ووجود عمليات تلاعب بالأصوات في الخارج.

ووفقاً لأرقام المفوضية العليا للانتخابات في العراق، وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن تنفيذ وإدارة الانتخابات العراقية، فإن 8703 مراكز اقتراع تستقبل منذ صباح الثلاثاء الناخبين،

 كما يشترك أكثر من 400 حزب في الانتخابات العراقية، فيما بلغت التحالفات السياسية نحو 140 تحالفاً.