هل السلام في اليمن مرتهن للحرب في غزة؟
في حال صمد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، ومضت الأطراف نحو تنفيذ ما تبقى منه من بنود ومراحل ذلك الاتفاق؛ فهل سيكون اليمن معنيًا بسؤال السلام؟
وهو سؤال أُعِيق طرحه لأكثر من عامين، وتحديدا منذ بدأت حركة الحوثي عملياتها البحرية الإسنادية ضد مصالح إسرائيل .
هل السلام في اليمن مرتبط بالحرب في غزة؟ وهل متى ما توقفت الحرب هناك أصبح لزامًا تحقق السلام هنا؟!
عقب هدوء الأوضاع في غزة بدأت الأوساط في اليمن تتحدث عن الحاجة الملحة إلى السلام وفق اتفاق يحترم حقوق وكرامة اليمنيين ومستقبل اليمن، ابتداءً من استعادة الهدوء السياسي والإعلامي والاستقرار الاقتصادي، من خلال الاتفاق على آلية إعادة صرف المرتبات الحكومية، وتوحيد صرف العملة، وغيرها من الإجراءات التي تُعيد الاعتبار للأوضاع المعيشية والاقتصادية لليمنيين،
وتنطلق منها إلى تنفيذ ما تضمنه ونص عليه اتفاق خريطة الطريق، التي أعلنت الأمم المتحدة عن توافق الأطراف اليمنيّة عليها في 23 كانون الأول/ديسمبر 2023.
لكن منذئذ تجمّدت كل الخطوات نحو استكمال التوقيع على ذلك الاتفاق وتنفيذه.
الحوثيون اتهموا مرارًا الولايات المتحدة بممارسة ضغوط عملتْ من خلالها على تجميد كل ما يتعلق بمشاورات السلام، بما فيه ما يتعلق باتفاق خريطة الطريق، والبدء في تنفيذه، بسبب عمليات الحركة البحرية وفي عمق إسرائيل .
ورفضت الحركة، من جانبها، إيقاف عملياتها، كما رفضت الربط بينها وبين تنفيذ استحقاقات السلام في اليمن.
لنحو عامين لم تتحقق أي خطوة إلى الأمام، ودخل اليمن في مرحلة اللاسلم واللاحرب واللامفاوضات.
عقب إيام من توقيع إسرائيل وحركة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار بدأ الحوثيون شن حملة إعلامية ضد السعودية، ومطالبتها بتنفيذ التزاماتها في اتفاق خريطة الطريق؛ باعتبار أن مفاوضاتهم بشأن الاتفاق كانت مع السعودية بوساطة عُمانية. وحتى الآن لم يصدر عن الرياض أي تعليق.
وتحدثت مصادر عن عودة الوساطة العُمانية مجددًا بين الحوثيين والسعودية، بشأن استكمال المضي في مسار الاتفاق الأخير، بموازاة عودة الوساطة ذاتها بين الحوثيين والأمم المتحدة بشأن الإفراج عن الموظفين الأمميين المحتجزين في صنعاء.
وعاد المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، إلى المنطقة لاستئناف المفاوضات المباشرة مع الحوثيين، من خلال لقاء جمعه في مسقط مع كبير مفاوضي الحركة، مُحمّد عبدالسلام،
بالإضافة إلى لقاءات جمعت المبعوث الأممي بمسؤولين عُمانيين ونائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، مُحمّد مجد تخت روانجي، الذي التقى، أيضًا، بكبير مفاوضي الحوثيين، مُحمّد عبدالسلام، في مسقط.
في سياق مقابل؛ عاد التهديد الإسرائيلي للحوثيين، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال حفل عسكري، الجمعة، إن «إسرائيل لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، وسيدفع الحوثيون ثمناً باهظاً».
فيما علق عضو المكتب السياسي لحركة الحوثي، محمد الفرح، على ذلك قائلًا: مجرم حرب كالفاشل كاتس يتحدث بما يفوق حجمه.
وأضاف، في تدوينة على منصة إكس: «كعادتكم تعتادون على تكرار التهديدات وإطلاق الكلمات الفارغة؛ وفي النهاية فشلتم في تحقيق أي من أهدافكم العسكرية، وظهرت هشاشة موقفكم وتناقض روايتكم أمام العالم».
وأكدَّ: «سنواجه أي عدوان وسنردّ بحزم؛ ونربي من يرى نفسه منفلتاً حتى يعرف حدوده وحجمه الحقيقي».
عودة التهديد الإسرائيلي قد يدفعنا لتجاوز ما قد نتوقعه من مشاورات مسقط الأخيرة؛ لأن ما نفهمه من تهديد كاتس أن استئناف الضرب الإسرائيلي في اليمن ليس مرتبطًا بثبات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؛
الأمر الذي يدفع إلى تأجيل طرح سؤال السلام في اليمن، والتأكيد على أن السلام في هذا البلد الفقير ليس مرتبطًا بالحرب في غزة فقط، بل بالحرب في المنطقة، ومشروع «الشرق الأوسط الجديد».
يقول نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، عبدالباري طاهر، إن «الحرب على غزة لن تنتهي. وما يقوله ترامب ونتنياهو عن انتهاء الحرب زائف.
فالحرب مستمرة، ولكنها تتخذ، وستتخذ أساليب أخرى. استمرار الهجمات بدعوى عدم التزام حماس، أو عدم تسليم سلاحها».
ويستطرد متحدثًا : «والواقع أنَّ الهدف الرئيسي من الحرب على غزة لم يتحقق مع ذلك؛ وهو التهجير القسري، والتطهير العرقي، وبقاء الاحتلال في أكثر من 50 في المئة من أراضي غزة، وقد يتمدد»،
موضحا أن «هناك توافقا بين ترامب ونتنياهو على لبننة الحرب واستمرارها؛ حتى يتمكن ترامب من تحويل غزة إلى ريفيرا، وبقاء الحصار الشامل، وعدم الانتقال للمرحلة الثانية، والقصف شبه المستمر، كلها مؤشرات على عدم وقف الحرب».
ما يقوله طاهر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الوضع الراهن في اليمن سيستمر.
يوضح نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق: «الحرب في اليمن مرتهنة بالحرب ليس على غزة وحدها، وإنَّمَا في المنطقة العربية كلها.
فالأصابع الأمريكية والصهيونية ليست بعيدة عن الصراعات في السودان، ولبنان، وسوريا، وعموم المنطقة، وهي تطرح علينا إعادة صياغة المنطقة العربية ووعود الشرق الأوسط الجديد وصفقة القرن.
فالهدف من إشعال حروب المنطقة: السيطرة عليها، ونهب ثرواتها».
وأضاف: «وللأسف الشديد الأمر لم يعد بيد حكام الأمة. والحكام قد سلموا الأوراق كلها لأعداء المنطقة العربية، وخريطة الطريق لم تعد بيد من يعنيهم الأمر. وَمَنْ ضَيَّعْ العزم في سَاعاتهِ نَدِمَا».
نخلص إلى أن الوضع الراهن في اليمن لم يقترب من الانفراج، إذ ما زال طريقه نحو السلام طويلًا؛ لأن قرار الحرب والسلام ليس يمنيًا،
وكذلك خريطة الطريق مثلما انطلقت أصبحت خارج دائرة القرار اليمنيّ؛ لكن استئناف الحرب في اليمن ليس في صالح الإقليم؛ مما يجعل من قرار استئنافها غير مرجح؛
أما السلام فحساباته مختلفة، ولن تكون هذه الحسابات متاحة، إلا بعد ذهاب قوى النفوذ الإقليمي بالبلد برعاية دولية، من خلال المشاريع الصغيرة واستهداف مقدراته، إلى مرحلة من التمزق والتفتت والتدمير والعبث يصبح معها اليمنيون على استعداد للقبول بأي شيء؛
في سياق ما يجب أن تكون عليه الجغرافية اليمنية في مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي تدور في رحاه كل حروب المنطقة.
أحمد الأغبري