Logo

مخاوف من انتهاكات في الفاشر.. وإدانات دولية لجرائم "الدعم السريع"

الرأي الثالث - وكالات

في وقتٍ تتزايد فيه الاتهامات لقوات "الدعم السريع" بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين في مدينة الفاشر، بعد ثلاثة أيام من سيطرتها على هذه المدينة الاستراتيجية في غرب السودان، تتصاعد الإدانات الدولية لما تصفه منظمات حقوقية بـ"الانتهاكات الممنهجة"، مع ورود تقارير مقلقة مدعّمة بصور أقمار اصطناعية تُعيد إلى الأذهان أحلك فترات الصراع في إقليم دارفور.

واتهمت القوة المشتركة، حليفة الجيش السوداني، قوات الدعم السريع الثلاثاء بـ"إعدام أكثر من ألفي مدني أعزل" منذ الأحد في مدينة الفاشر "معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن". 

وبعد أكثر من 18 شهراً من حصار دام، سقطت الفاشر الأحد بيد قوات الدعم السريع، وكانت آخر معقل للجيش في إقليم دارفور، ما أتاح لتلك القوات بسط سيطرتها الكاملة على الإقليم الشاسع الذي يشكل نحو ثلث مساحة السودان.

وقالت المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين الثلاثاء إنها تلقت تقارير عن "إعدامات مروّعة" و"عنف جنسي استهدف النساء والفتيات" ارتكبته "مجموعات مسلّحة أثناء الهجمات وعلى المجموعات الفارّة". 

وأعربت المفوضية عن قلقها من "تصاعد أعمال العنف الوحشية" منذ سقوط المدينة، مشيرة إلى "الخوف الشديد الذي يعيشه السكان بعد صمودهم طوال 500 يوم من الحصار". وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، لا يزال نحو 177 ألف مدني في المدينة ومحيطها.

ولجأ عدد كبير من الفارين من الفاشر إلى مدينة طويلة على بعد 70 كيلومتراً من الفاشر، وبدا العديد منهم مصابين بالصدمة وبجروح، وفق ما أفاد مراسل لوكالة فرانس برس. وقد تحدثوا عن "مشاهد إبادة جماعية" في الفاشر.

وأعلنت كيانات طبية وعسكرية في السودان عن مقتل آلاف المواطنين وفقدان آخرين على يد مليشيات الدعم السريع، بعد سيطرتها على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، أمس الاثنين، بجانب فقدان الاتصال بعدد من الأطباء والمتطوعين، واختطاف آخرين، وطلب فدية مالية من ذويهم بملايين الجنيهات السودانية، 

كما أعلنت بعض المنظمات عن انقطاع الاتصال بموظفيها بصورة كاملة بعد دخول "الدعم السريع"، في وقت بدأ وسطاء دوليون تحركات لاحتواء الأوضاع، ومنع تفاقم الأزمة السودانية الناتجة من الحرب المشتعلة بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع منذ 15 إبريل/نيسان 2023.

إلى ذلك، قالت منظمة يونيسف في تصريح اليوم الثلاثاء، إن تصاعد العنف في الفاشر بالسودان يشكل خطراً بالغاً على ما يُقدَّر بحوالي 130 ألف طفل ما زالوا محاصرين وسط اشتباكات عنيفة وقصف متواصل ونقص حاد في الغذاء والمياه الصالحة للشرب والدواء. 

وأضافت المنظمة أن الأطفال معرضون لخطر الانفصال عن عائلاتهم، والإصابة، والتعرض لانتهاكات جسيمة مستمرة لحقوقهم. وتابعت: "ندعو بشكل عاجل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتوفير وصول آمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية إلى جميع السكان المتضررين". 

وشددت "يونيسف" على ضرورة حماية المدنيين، بمن فيهم الأطفال، في جميع الأوقات.
 
وأعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان، في تصريح، أمس الاثنين، فقدانه الاتصال بشكل كامل مع الفريق الطبي في مستشفى الفاشر للنساء والولادة، مشيراً إلى أن هذا المستشفى هو آخر المستشفيات العاملة في المدينة. 

ونشر مقاتلون من "الدعم السريع" مقاطع فيديو أمس واليوم وهم يطلقون النار على أسرى ومواطنين يحاولون الفرار من المدينة، 

كما ظهر المقاتلون في مقاطع أخرى وهم يعتدون بالضرب على موظفين بجمعية الهلال الأحمر السوداني في الفاشر بعد اقتحام مقرهم، وظهر جنود "الدعم" وهم يضربون الموظفين بالعصي، ويتهمونهم بأنهم عسكريون، ويوجهون لهم كلمات عسكرية للوقوف والمشي لاختبارهم.

اختطاف كوادر طبية ومتطوعين في مطابخ خيرية

من جانبها، أعلنت شبكة أطباء السودان في بيان اليوم، أن قوة من الدعم السريع بمدينة الفاشر أقدمت على اختطاف 6 من الكوادر الطبية، من بينهم 4 أطباء وصيدلي وكادر تمريض، ظلوا يقدّمون خدماتهم للمرضى والمصابين طيلة فترة الحصار، 

مبينة أنها ابتزّت ذويهم وطالبت بفدية مالية تبلغ 100 مليون جنيه سوداني لكل طبيب مقابل إطلاق سراحه. 

وحمّلت الشبكة، "الدعم السريع"، المسؤولية الكاملة عن حياة الكوادر المختطفة وسلامتها، وأضافت أن ما يجري هو عمل إجرامي منظم يستهدف ضرب ما تبقى من منظومة الرعاية الصحية في دارفور، وترهيب العاملين في المجال الإنساني. 

ووجهت نداءً عاجلاً لمنظمة الصحة العالمية وكافة المنظمات الطبية والحقوقية الدولية للتدخل الفوري، وممارسة أقصى الضغوط على الدعم السريع لإطلاق سراح الأطباء فوراً، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة التي تُعد انتهاكاً سافراً للقانون الدولي الإنساني.

الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة يدينان "عمليات القتل الجماعي"

وفي موقف منسجم مع الأمم المتحدة، دان الاتحاد الأفريقي الثلاثاء "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك جرائم الحرب المشتبه بوقوعها وعمليات القتل التي طالت مدنيين بسبب انتمائهم العرقي". 

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت الاثنين من "تزايد خطر الانتهاكات والفظائع ذات الدوافع العرقيّة"، مشيرة بذلك إلى الفظاعات التي ارتكبتها في دارفور مطلع القرن الحالي مليشيا الجنجويد التي انبثقت منها قوات الدعم السريع.
 
ودانت وزارة الخارجية السودانية في منشور على منصة إكس "مشاهد صادمة يوثقها مرتكبوها بفخر ووقاحة". 

وأظهرت لقطات مصوّرة تحققت منها وكالة فرانس برس مقاتلاً معروفاً بتنفيذه إعدامات بحق مدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، وهو يطلق النار على مجموعة من المدنيين العزّل الجالسين على الأرض. 

وأفاد تقرير لمختبر البحوث الإنسانية (هيومانيتاريان ريسيرتش لاب) في جامعة ييل الأميركية، مدعوم بمقاطع فيديو وصور بالأقمار الاصطناعية، بوقوع "عمليات قتل جماعية" بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.

الإمارات: خسارة الجيش لمدينة الفاشر محطة تستوجب التعقّل

وتعليقاً على التطورات الميدانية، كتب المستشار الرئاسي الإماراتي أنور قرقاش على موقع أكس "خسارة الجيش السوداني لمدينة الفاشر بعد حصار طويل تمثل محطة تستوجب التعقّل والواقعية، وإدراك أن المسار السياسي هو الخيار الوحيد لإنهاء الحرب الأهلية". 

ودعا قرقاش إلى الالتزام ببيان "الرباعية" التي تضم الولايات المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات، والذي ينصّ على تشكيل حكومة مدنية انتقالية يُستبعد منها الجيش وقوات الدعم السريع على حد سواء.
 
الجامعة العربية تدين جرائم "الدعم السريع" 

من جهتها، أعربت جامعة الدول العربية عن قلقها البالغ إزاء التطورات الخطيرة في مدينة الفاشر غربي السودان، عقب انسحاب القوات المسلحة السودانية منها، وما تبع ذلك من تقارير أممية وإعلامية حول ارتكاب قوات "الدعم السريع" جرائم مروّعة بحق المدنيين العالقين داخل المدينة. 

وقالت الجامعة، في بيان صدر عن مكتبها الصحافي، إنها "تدين بأشد العبارات الجرائم ضد المدنيين الأبرياء والعزّل من الشيوخ والنساء والأطفال"، 

مؤكدة أن ما يجري في الفاشر "يتطلب وقفاً فورياً وشاملاً للأعمال القتالية"، وأن استمرار الحصار المفروض على المدينة منذ أكثر من عامين يشكّل "انتهاكاً صارخاً" لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2736 (2024) الذي دعا إلى رفع الحصار فوراً.

وأكدت الجامعة العربية تجديد دعوتها إلى حماية المدنيين والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى الفاشر ومحيطها، مع ضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي تطاول الأبرياء هناك. 

وشدّد البيان على أن استمرار الوضع الراهن يهدّد وحدة السودان واستقراره الإقليمي، داعياً إلى تنسيق الجهود العربية والدولية لوقف العنف غير المسبوق والعمل على استعادة السلام والاستقرار في البلاد.

السعودية: ندين الانتهاكات الإنسانية في الفاشر

ندّدت السعودية، الثلاثاء، بارتكاب قوات "الدعم السريع" "انتهاكات إنسانية جسيمة" خلال هجومها على مدينة الفاشر في غرب السودان. 

وأعربت وزارة الخارجية، في بيان أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس)، عن "بالغ قلق المملكة العربية السعودية واستنكارها للانتهاكات الإنسانية الجسيمة التي جرت خلال الهجمات الأخيرة لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر"،

 مشددة على "ضرورة قيام قوات الدعم السريع بواجبها في حماية المدنيين وضمان تأمين وصول المساعدات الإنسانية". 

وسبق للسعودية أن رعت جولات تفاوض عدة في مدينة جدة، فشلت في دفع الطرفين المتحاربين في السودان إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار دائم.

وكان رئيس مجلس السيادة في السودان والقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، أعلن في خطاب مصوّر أمس الاثنين، أن القيادة الموجودة في مدينة الفاشر، بما فيها لجنة الأمن، قدّرت أن تغادر المدينة نسبة لما تعرضت له من تدمير وهجوم على يد قوات الدعم السريع، وقتل للمدنيين، 

وأضاف أنهم وافقوهم في ذلك بأن يغادروا إلى مكان آمن حتى يجنبوا بقية المواطنين والمدينة الدمار.

( فرانس برس، رويترز )