صمت وقلق وغضب... ردود فعل الإيرانيين على وقف النار في غزة
الرأي الثالث
على رغم التوصل النهائي إلى اتفاق للسلام ووقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل وبدء الانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية من غزة، يواصل المرشد الإيراني علي خامنئي، التزام الصمت تجاه هذا الحدث المهم والتاريخي في الشرق الأوسط.
ويأتي هذا في وقت كان قد أشاد مراراً خلال العامين الماضيين بهجوم "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، متعهداً بأن "حماس" و"حزب الله" و"جبهة المقاومة" ستحقق "النصر النهائي" على إسرائيل.
وفي إيران، خرجت القوى الموالية للنظام والحرس الثوري في مسيرات ظهر الجمعة الموافق لـ10 أكتوبر الجاري، إحياء للذكرى الثانية لهجوم "حماس"، الذي أسفر عن مقتل 1139 مدنياً، بينهم 38 طفلاً، مرددين شعارات دعم للحركة ومعادية لإسرائيل.
في الوقت نفسه عبر عدد كبير من أنصار النظام الإيراني على مواقع التواصل الاجتماعي عن قلقهم في شأن اتفاق السلام بين "حماس" وإسرائيل، معتبرين أنه يمثل هزيمة جديدة وتراجعاً إضافياً لوكلاء النظام الإيراني في المنطقة.
وفي أول تعليق رسمي، كتب المستشار السياسي للمرشد الإيراني علي أكبر ولايتي، في منصة "إكس" مستخدماً وسوم "العراق واليمن ولبنان" قائلاً إن "بدء وقف إطلاق النار في غزة قد يكون تمهيداً لنهاية وقف إطلاق النار في مكان آخر".
هذا وفي ظل صمت شخصيات بارزة أخرى مقربة من المرشد علي خامنئي، مثل أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي، علي لاريجاني والرئيس مسعود بزشكيان، وعدد من القادة العسكريين في شأن اتفاق السلام في غزة، أدلى رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، يوم أمس الجمعة، بتصريحات من دون أي إشارة مباشرة إلى الاتفاق،
زاعماً أن "حماس لم تقص، بل باتت تفرض مطالبها على إسرائيل".
وأضاف قالیباف مشيداً بهجوم السابع من أكتوبر أن "عاصفة الأقصى لم تحطم هيبة إسرائيل فحسب، بل دفعت العالم نحو التخلص من الهيمنة الأميركية، ودعم المظلومين، وإفشال مشروع التطبيع بالكامل مع الكيان الصهيوني. إن جبهة المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن، وصمود الشعب الإيراني، أوصلت الأوضاع في المنطقة إلى حد بات فيه الكيان الإسرائيلي النظام الأكثر كراهية في العالم".
وتأتي هذه التصريحات في وقت أعلنت فيه "حماس"، صباح الخميس الماضي، عن التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، وشكرت في بيان رسمي جميع الوسطاء، بمن فيهم دونالد ترمب وحكومات مصر وقطر وتركيا. وجاء في البيان "نقدر جهود رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترمب، الساعية إلى وضع حد نهائي للحرب".
ومن ناحية أخرى، رحبت وزارة الخارجية الإيرانية، الخميس الماضي، في بيان رسمي باتفاق السلام المقترح من قبل دونالد ترمب لإنهاء الحرب في غزة.
وأكدت أن طهران تدعم أي خطوة أو مبادرة تفضي إلى وقف القتال وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وإيصال المساعدات الإنسانية والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.
وجاء في البيان "إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بصفتها داعماً للمقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني، استخدمت خلال العامين الماضيين جميع إمكاناتها الدبلوماسية على مستوى المنطقة ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة، من أجل وضع حد للجرائم وخروج المحتلين من غزة".
مع ذلك قال النائب عن طهران في البرلمان الإيراني أمير حسين ثابتي، إن "هذا الوقف لإطلاق النار سينتهي عاجلاً أم آجلاً، وستبدأ جولة جديدة من الحرب في فلسطين.
لكن على رغم عامين ويومين من القتل والتدمير في حق النساء والأطفال في غزة، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة، وهذه التطورات ستسرع في نهاية المطاف من وتيرة انهيار إسرائيل".
وفي السياق نفسه، قال النائب الأول لرئيس الجمهورية الإيرانية، محمد رضا عارف، إن الحرب التي استمرت 12 يوماً مع إسرائيل شكلت نوعاً من التضامن ورصيداً اجتماعياً بالنسبة إلينا،
مدعياً أنه خلال لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة في أحد البلدان، قال له أنطونيو غوتيريش إن "هذه الحرب أغلقت ملف محاولات إطاحة الحكومة الإيرانية".
لكن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، قال الخميس الماضي، رداً على سؤال من أحد صحافيي قناة " SABC" في شأن هذه التصريحات، إنه لا يستطيع تأكيد صدور مثل هذا الكلام عن غوتيريش.
من جانبه قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخميس، تعليقاً على اتفاق السلام في غزة إن "إيران أبلغتنا وأكدت دعمها لهذا الاتفاق"،
مضيفاً أن الإيرانيين يعتقدون أن هذا الاتفاق إنجاز عظيم". وأكد ترمب بالقول "سنتعاون مع النظام الإيراني، وكما تعلمون، هناك عقوبات كبيرة مفروضة على إيران، لكن في الوقت نفسه هناك كثير من القضايا التي نرغب في أن نشهد من خلالها إعادة إعمار بلدهم".
والآن، يعرب عديد من الشخصيات السياسية ووسائل الإعلام المقربة من الحرس الثوري والمرشد الأعلى علي خامنئي، خلافاً للموقف الرسمي لوزارة الخارجية، عن مواقف تتسم بالقلق والغضب المكبوت تجاه اتفاق السلام بين "حماس" وإسرائيل.
كما أن التظاهرات التي خرجت في الشوارع يوم أمس الجمعة، وما رافقها من شعارات حادة، تعكس بوضوح أن قطاعاً كبيراً من أنصار التيار الحاكم في طهران يعتبرون هذا الاتفاق تراجعاً عن شعارات "محو إسرائيل" و"المقاومة حتى النصر النهائي".
أما وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري، فقد حاولت، في تغطيتها للاتفاق، تجنب ذكر تفاصيله أو دور الوسطاء، مفضلة استخدام عبارات منحازة مثل "هزيمة إسرائيل" و"فرض شروط المقاومة"، في مسعى لتقديم صورة تتماشى مع الخطاب الرسمي للنظام وتثبيت روايته.
وفي هذا السياق، يرى محللون سياسيون في طهران أن هذا الاتفاق قد يشكل نقطة تحول في ميزان القوى الإقليمي، وقد يضع السياسة الخارجية للنظام الإيراني تحت ضغط متزايد.
ويرى هؤلاء أن صمت المرشد الإيراني إزاء حدث بهذه الأهمية يعكس صعوبة الموقف الإيراني، إذ من جهة تضطر طهران إلى الترحيب باتفاق جاء بدعم من حلفائها الإقليميين والولايات المتحدة، ومن جهة أخرى لا ترغب في الإقرار العلني بتراجع خطاب "المقاومة".
وفي المقابل أيضاً، يعتقد كثير من المراقبين الإقليميين أن وقف إطلاق النار في غزة، إلى جانب التطورات السياسية في لبنان واليمن وسوريا والعراق، قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في خريطة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"