Logo

الاجتياح الإسرائيلي لغزة.. استنزاف طويل وصراع على فرض وقائع جديدة سياسة

الرأي الثالث - وكالات

 بعد قصف جوي عنيف استمر عدة أيام للأبراج والعمارات السكنية، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ أوسع هجوم بري على مدينة غزة منذ اندلاع الحرب، مستفيداً من غطاء سياسي أمريكي ودعم استخباري مكثف. 

وترافق التصعيد مع قصف جوي وبحري عنيف استهدف البنية التحتية والمناطق السكنية، فيما أكدت المقاومة الفلسطينية استعدادها لخوض معركة استنزاف طويلة.

جاء الهجوم في ساعات بعد قصف تمهيدي مكثف، وتتمثل الأهداف المعلنة في تدمير شبكة الأنفاق، واغتيال قيادات المقاومة، والسيطرة ميدانياً على مراكز المدينة. 

ويحظى التقدم العسكري بدعم سياسي واضح من واشنطن، التي تؤكد تصريحاتها أن العملية ستستمر حتى "هزيمة حماس".

محاور التقدم الميداني

تشير تقديرات ميدانية إلى اعتماد الاحتلال على ثلاثة اتجاهات رئيسية في التقدم، أولها المحور الشمالي للمدينة، والتوغل من معبر بيت حانون (إيرز) نحو أحياء الشجاعية والتفاح للسيطرة على مداخل المدينة.

والمحور الشرقي تقدم من محيط معبر كارني (المنطار) وصولاً إلى حي الزيتون والدرج.

والمحور الغربي الساحلي يشمل تحركاً برياً موازياً لشاطئ غزة لعزل المدينة عن مخيمات الوسطى وقطع خطوط الإمداد.
 
تكتيكات المقاومة

يؤكد الخبير العسكري يوسف الشرقاوي أن فصائل المقاومة الفلسطينية تواجه الهجوم عبر حرب أنفاق معقدة، وعمليات كمائن باستخدام صواريخ مضادة للدروع تستهدف الدبابات والآليات، إلى جانب قصف صاروخي مستمر لإبقاء الجبهة الداخلية الإسرائيلية تحت الضغط.

ويوضح الشرقاوي، أن المقاومة تدير معركتها إعلامياً لبث رسائل الصمود ورفع معنويات المدنيين.

ويتوقع أن تشهد غزة معركة استنزاف قد تمتد أسابيع، مع احتمالية تدخل أطراف إقليمية ودولية لفرض وقف لإطلاق النار. 

كما تبرز إمكانية أن تسعى المقاومة لاستثمار المعركة لتحسين شروط أي صفقة تبادل للأسرى، حسب الشرقاوي.

وأشار إلى أن الهجوم البري على مدينة غزة يمثل مرحلة جديدة وخطيرة من الصراع، تتقاطع فيها الحسابات العسكرية مع الأهداف السياسية، فيما تراهن المقاومة على تكتيكات حرب المدن لإفشال خطط الاحتلال وإطالة أمد المواجهة.

احتلال للمدينة

الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم أكد أن التطورات الميدانية والسياسية تشير بوضوح إلى بدء "إسرائيل" احتلال مدينة غزة تحت غطاء أمريكي كامل. 

وقال إبراهيم ، إن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أعلن، خلال توجهه إلى الدوحة عقب القمة العربية الإسلامية، أن واشنطن تدعم استكمال العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، معرباً عن أمله في أن تنتهي بـ"هزيمة حماس وعودة الرهائن"، مضيفاً: "بعد هزيمة حماس سنتحدث عن إعادة إعمار غزة".

وأوضح إبراهيم أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قال في بداية شهادته أمام المحكمة إن "إسرائيل" بدأت عملية عسكرية واسعة ضمن المرحلة البرية من عملية "عربات جدعون 2"، بينما كشف الجيش الاحتلال الإسرائيلي عن بدء عملية برية لاحتلال مدينة غزة قبل نهاية العام بعد سيطرته على نحو 40% من مساحتها.

وأشار المحلل السياسي الفلسطيني إلى أن قناتي 12 و13 الإسرائيليتين تحدثتا عن خطة تقوم على شقين؛ الأول عسكري للسيطرة الميدانية وتدمير البنية التحتية والأنفاق، والثاني سياسي لفرض واقع جديد يسهل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
 
وأضاف إبراهيم أن وسائل الإعلام الإسرائيلية قالت إن مداولات الكابينيت أظهرت خلافاً حاداً بين المستويين السياسي والعسكري؛ حيث ضغط نتنياهو لتسريع الاجتياح، في حين حذر رئيس الأركان إيال زامير من "أثمان باهظة" دولياً وإنسانياً. 

وأكد أن هذه الادعاءات غير دقيقة، مشيراً إلى أن رئيس الأركان ينفذ ما يطلب منه بحذافيره، وأن ما يجري ليس خلافات جوهرية بقدر ما هو نقاش طبيعي.

وقال إبراهيم إن التقديرات الإسرائيلية ترجح أن العملية لن تقتصر على مدينة غزة، بل قد تمتد إلى المخيمات وسط القطاع مع نية لاحتلال تطويق نحو 95% من مساحته، في وقت قدر فيه الجيش نزوح 320 ألفاً جنوباً إلى مناطق يسميها "إنسانية"، في حين بقي مئات الآلاف داخل المدينة، وهو ما يعتبره مستوى يسمح ببدء الاجتياح البري.

ولفت إلى أن مصادر أمنية إسرائيلية تتوقع استغلال حماس للهجوم لتسريع المفاوضات حول صفقة تبادل، فيما شدد مسؤولون أمريكيون على أن إنهاء القتال يمر عبر السيطرة الإسرائيلية على غزة، بينما قال وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، إن جهود الوساطة لا تزال قائمة، وإن قطر معنية بمواصلة دورها.

وبين أن جوهر العملية يتجاوز ما يُروج من مؤشرات ميدانية ودبلوماسية، فـ"إسرائيل" بدأت فعلياً احتلال غزة تحت ضوء أخضر أمريكي فاقع، والقرار النهائي يبقى مرتبطاً بإرادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبحسابات نتنياهو الذي لا يأبه بالكوارث الإنسانية المتفاقمة، رغم تحذيرات أمنية إسرائيلية من مخاطر الاكتظاظ في المناطق التي يُزعَم أنها "إنسانية" والتي لا وجود فعلياً لها على أرض الواقع.