Logo

عقوبات أمريكية وغارات إسرائيلية.. حرب مزدوجة ضد جماعة الحوثي

 يترسخ يوماً بعد آخر شكل الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" ضد جماعة الحوثي في اليمن، على خلفية انخراطها في حرب الإسناد لغزة، من خلال إطلاق الصواريخ والمسيرات على الأراضي المحتلة.

فالحرب على الجماعة اليمنية أخذت بُعدين، عسكرياً تتصدّره حالياً "إسرائيل"، واقتصادياً وسياسياً، تتصدره الولايات المتحدة عبر سلسلة من العقوبات والإجراءات ضد الجماعة.

وبعد ساعات من سلسلة غارات إسرائيلية دامية أدت إلى سقوط أكثر من 200 قتيل وجريح في صنعاء، أقرت الخزانة الأمريكية أوسع حزمة عقوبات ضد جماعة الحوثي، في خطوات موازية لضربات "إسرائيل" والهدف إضعاف الجماعة.

قصف هو الأعنف

يوم الأربعاء (10 سبتمبر)، شن الطيران الحربي الإسرائيلي أعنف ضربة على قلب العاصمة صنعاء، وموقع آخر في محافظة الجوف شرقي اليمن، ما أدى إلى سقوط 46 شهياً و165 جريحاً، بحسب إحصائية رسمية، بينما لا يزال هناك مفقودون تحت الأنقاض.

القصف الإسرائيلي هو الثاني خلال أسبوعين، وهو امتداد للهجوم السابق الذي استهدف، في 28 أغسطس، اجتماعاً للحكومة التابعة لجماعة الحوثي بصنعاء، وأدى إلى مقتل رئيس الحكومة أحمد الرهوي، و11 وزيراً ومسؤولاً آخرين.

ويأتي الهجوم الإسرائيلي الأخير على مقر التوجيه المعنوي وسط منطقة مزدحمة في حي التحرير بصنعاء ليشكل ذروة التصعيد بين "إسرائيل" وجماعة الحوثي.
 
كما أنه يأتي بعد سلسلة هجمات مؤثرة بالصواريخ والمسيرات نفذتها جماعة الحوثي على أهداف في الأراضي المحتلة، أبرزها مطار رامون في النقب، وكذا منطقة ديمونا النووية، الأمر الذي يمثل تطوراً خطيراً في سياق المواجهة.

ويبدو أن الرد والرد المضاد سيتصاعد من حيث الكم والكيف، وهذا يتضح من خلال ضخامة العدوان الإسرائيلي الأخير على صنعاء، الأمر الذي يدفع باتجاه تكهنات حول الرد المتوقع من جماعة الحوثي هذه المرة.

هذا التصعيد الإسرائيلي ضد اليمن يتوازى مع حرب أخرى تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الجماعة اليمنية، بعد أشهر من توقيع اتفاق إيقاف الهجمات العسكرية المتبادلة بين واشنطن وصنعاء.

حزمة عقوبات

في مايو 2025، أعلن الرئيس الأمريكي توصل إدارته لاتفاق مع جماعة الحوثي لوقف الهجمات المتبادلة، بعد أشهر من بدء واشنطن هجمات جوية وبحرية ضد الجماعة اليمنية، إلا أنها لم تكن ناجحة بالنظر إلى ضخامة التكاليف وقلة النتائج، وزيادة المخاطر على الأسطول البحري الأمريكي في المنطقة.

وبالرغم من توقف الهجمات، فإن واشنطن صعّدت ضد الجماعة اليمنية، عبر تكثيف العقوبات على الجماعة سياسياً واقتصادياً، الأمر الذي أسهم في عرقلة الجهود التي يقودها المبعوث الأممي لإحلال السلام في اليمن.

ويوم الخميس 11 سبتمبر، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية حزمة عقوبات هي الكبرى ضد جماعة الحوثي، شملت 32 فرداً وكياناً، إضافة إلى 4 سفن، علماً بأنها شملت شركات صينية وأخرى موجود بالإمارات.
 
وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون هيرلي، إن جماعة الحوثي تواصل تهديد الأفراد والأصول الأمريكية في البحر الأحمر ويهاجم حلفاءنا في المنطقة، ويقوض الأمن البحري الدولي بالتنسيق مع النظام الإيراني.

وأشار في تصريح نشرته الخزانة الأمريكية، يوم الخميس 11 سبتمبر، إلى أن الولايات المتحدة ستواصل ممارسة أقصى قدر من الضغط على ضد أولئك الذين يهددون أمن الولايات المتحدة والمنطقة.

العقوبات استهدفت من يقومون بتسهيلات لحصول الحوثيين على مواد عسكرية متطورة، من ذلك مكونات الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيرة، التي استخدمت للهجوم على قوات الولايات المتحدة وحلفائها، إضافة الى الشحنات التجارية في البحر الأحمر.

توسيع الصراع

المحلل والباحث في العلاقات الدولية عادل المسني، يرى أن الاحتلال الإسرائيلي يعيش أزمة كبيرة إزاء الفشل في تحقيق انتصار على "حماس" في غزة، ما يدفعه نحو توسيع الحرب خارجياً.

وأضاف ، أنه كلما واجهت "إسرائيل" انتكاسه زادت حاجتها إلى مزيد من العدوان، ولا سيما مع استمرار معركة الإسناد التي يتحدث عنها الحوثيون.

وقال إن الهدف الآخر للضربات الإسرائيلية على اليمن، يتعلق بالصراع مع إيران وإضعاف نفوذها، مضيفاً: "أتصور أن سياقات الصراع ليست محكومة بالمخططات بقدر ما هي محكومة بإكراهات الصراع".
 
ولفت إلى أن ذلك "يؤدي إلى مزيد من الصراع، ويقود أطرافه إلى مساحات خارج نطاق السيطرة، كما رأينا في سوريا ويحصل في لبنان، فلم يكن في ذهن الكيان إسقاط بشار الأسد، لكن الحرب تفرض أجنداتها على المتحاربين".

واستطرد قائلاً: "يجب ألا يُنظر إلى الصراع في اليمن على أنه صراع مع الحوثي فقط، بل قد يتوسع ليشمل أطرافاً إقليمية ودولية بالنظر إلى مصالح هذه الأطراف"، رابطاً هذا التصعيد الأمريكي والإسرائيلي بدور الصين وروسيا المتزايد في المنطقة.

وتابع: "لا يمكن إغفال دور الصين وروسيا المتزايد في المنطقة، إضافة إلى سلوك الكيان في استفزاز الإقليم من إيران إلى تركيا وقطر، فقد يخلط الأوراق ويجعل من الصعب التحكم بمسارات الصراع".

تطور الاستهداف

أما الخبير العسكري والاستراتيجي علي الذهب فيسلط الضوء على الضربات الإسرائيلية ضد الحوثيين وتطور سياقها في هذه المرحلة، مشيراً إلى أن الهجمات الأخيرة، في 28 أغسطس الماضي، مثلت نقطة تحوّل جديدة في مسار الهجمات.

وقال  إن تلك الهجمات استهدفت الجسد السياسي التنفيذي لجماعة الحوثي من خلال ضرب مقر سري للحكومة، غير المعترف بها دولياً، ما أدى إلى مقتل رئيسها و11 وزيراً وموظفاً رفيعاً.

وأشار إلى أن هجمات يوم 10 سبتمبر الجاري، أظهرت توسع دائرة الاستهداف لتشمل الجهاز الإعلامي العسكري (دائرة التوجيه المعنوي) في صنعاء، إلى جانب مراكز سياسية ومالية وعسكرية، وخطوط تهريب للأسلحة، كما الهجمات في مدينة الحزم بمحافظة الجوف.
 
ويرى الذهب أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة أظهرت مستوى متقدماً في الدقة والتأثير، ما يشي بوجود شبكة استخبارية متعددة المستويات، محلية وإقليمية ودولية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما إذا كانت "إسرائيل" قد نجحت في اختراق جماعة الحوثي.

ويذهب إلى أن "إسرائيل" اتخذت منحى مختلفاً في حربها مع جماعة الحوثي، إذ بدأت بتدمير القواعد المادية والبنى الاقتصادية، ثم مضت تدريجياً إلى استهداف القيادات التنفيذية، لكنها تبدو عاجزة عن الوصول إلى رأس الهرم القيادي.

وعن العقوبات الأمريكية يرى الذهب أن "هناك حالة من التعاون والتكامل بين الأمريكيين و"إسرائيل" في ضرب الحوثيين، فمصلحة الكيان الإسرائيلي مقدمة لدى الأمريكيين على مصالح الكل في المنطقة، وعليه فجماعة الحوثيين تواجه ضغوطاً عسكرية إسرائيلية، وأخرى تتعلق باستهداف واشنطن لشبكاتهم المالية".