غروندبرغ: الاضطرابات الإقليمية تُقوّض السلام في اليمن
الرأي الثالث - متابعات
قال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن هانس غروندبرغ إنّ الاضطرابات الإقليمية ما زالت تُقوّض آفاق السلام والاستقرار في اليمن، إذ لا يزال الوضع هشاً للغاية، مشدداً على الحاجة المُلحّة إلى تدابير استباقية وعملية تُمهّد الطريق للسلام،
وأضاف: "يجب أن نواصل جهودنا المشتركة لدفع اليمن نحو مستقبل ينعم فيه بالسلام مع نفسه وفي المنطقة". جاء ذلك خلال إحاطته الشهرية أمام مجلس الأمن في نيويورك.
كما دان غروندبرغ، إعلان جماعة الحوثيين توسيع نطاق السفن التي ستستهدفها، ودعا إلى الإفراج عن أفراد طاقم سفينة "إم في إترنيتي سي" الناجين بعد غرق سفينتين قبالة الساحل الغربي لليمن مطلع يوليو/تموز.
وطالب الحوثيين أيضاً بالإفراج الفوري، ودون قيد أو شرط، عن 23 موظفاً تابعين للأمم المتحدة، إلى جانب آخرين من منظمات غير حكومية وبعثات دبلوماسية، معتبراً استمرار احتجازهم أمرًا غير مقبول.
من جانبها، شددت الحكومة اليمنية، في بيان أمام مجلس الأمن، على أن أمن وسلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب يمثلان ركيزة للاستقرار الإقليمي،
محذرة من أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية بالصواريخ والطائرات المسيرة والقوارب المفخخة تسببت في خسائر بشرية ومادية وأضرار بيئية واسعة.
وأشارت إلى حوادث بارزة منها غرق الناقلة "روبيمار" مطلع العام الماضي، والهجوم على الناقلتين "MAGIC SEAS" و"ETERNITY C" الشهر الماضي،
داعية إلى دعم قدرات خفر السواحل، وتعزيز آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش، وإطلاق شراكة للأمن البحري في سبتمبر/أيلول المقبل بالرياض، في ظل اتهام الحوثيين باستخدام موانئ الحديدة وأجزاء من الساحل لتهديد الملاحة.
وأشار المبعوث الأممي إلى ثلاث أولويات كان قد تطرّق إليها الشهر الماضي خلال إحاطته السابقة وضرورة الاستمرار في العمل عليها؛ أولها "دعم خفض التصعيد على جبهات القتال، والعمل مع الأطراف على مبادئ وقف إطلاق نار فعال"،
ولفت الانتباه إلى أن أغلبية جبهات القتال لم تشهد تصعيداً، إلّا أنه "شهدنا في 25 يوليو/تموز هجوماً كبيراً على جبهة علب بمحافظة صعدة، أسفر عن أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من الجانبَين،
كما نرى أنّ الحوثيين يُعززون مواقعهم، بما في ذلك حول مدينة الحديدة. هذه التطورات مثيرة للقلق، وتُبرز الحاجة إلى خفض تصعيد فعّال وحوار أمني بين الطرفين".
وتوقف في هذا السياق عند سلسلة من الاجتماعات التي عقدها مكتبه في الأسابيع الأخيرة مع الحكومة اليمنية والجهات الأمنية الإقليمية، برعاية لجنة التنسيق العسكري التي تُيسّرها الأمم المتحدة.
ورأى المسؤول الأممي أن "عمل لجنة التنسيق العسكري بالغ الأهمية للتحضير لتنفيذ وإدارة وقف إطلاق نار مستقبلي".
وعلى مدار الأسبوع، ناقش الطرفان دور اللجنة في خفض التصعيد على جبهات القتال التي شهدت تجدّد الأعمال العدائية خلال العام الماضي،
كما تناولا التحديات في المجال البحري، واستكشفا الخيارات التي يمكن اتباعها في حال استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار.
أما الأولوية الثانية، فتتعلق بفتح "الطريق للمحادثات بين الطرفين، بما يتماشى مع الالتزامات التي قُطعت بموجب خريطة الطريق في ديسمبر/ كانون الأول 2023".
وأشار في هذا السياق إلى الزخم المستمر "لمعالجة مسألة الوصول إلى الطرق في مختلف أنحاء البلاد، لا سيّما الطريق الذي يربط محافظتَي البيضاء وأبين".
وشجّع الطرفين "على فتح المزيد من الطرق الرئيسية واتخاذ خطوات إضافية لتسهيل حركة الأفراد والنشاط التجاري"، وتابع حول الوضع الاقتصادي، مؤكداً أن المزيد من "التصعيد والتشرذم الاقتصادي ليس في مصلحة أحد"،
مرحباً "بالخطوات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن والحكومة اليمنية عموماً لمعالجة انخفاض قيمة العملة مؤخراً".
وشدد على ضرورة أن تتخذ الأطراف "إجراءات لبناء الثقة وإظهار حسن النية"، معرباً عن أسفه لأنه "شهدنا الشهر الماضي عكس ذلك، إذ اتُّخذت قرارات أحادية وتصعيدية تُنذر بتعميق الانقسامات داخل المؤسسات وهياكل الدولة".
وضرب أمثلة على ذلك، منها إصدار أنصار الله عملات معدنية جديدة من فئة 50 ريالاً و200 ريال، ما يُسهم في تجزئة الريال اليمني ويُعقّد المناقشات المستقبلية لتوحيد الاقتصاد اليمني ومؤسّساته،
وأكد أن "هناك أمثلة أخرى عديدة على قرارات أحادية تهدف إلى تقسيم المؤسسات بدلاً من توحيدها، وهذه خطوات في الاتجاه الخاطئ"، وحث الطرفين "على الحوار بينهما، فهو السبيل الوحيد للتوصل إلى حلول مستدامة طويلة الأمد لجميع المسائل التي تؤثر على الحياة اليومية لليمنيين".
أما الأولوية الثالثة، فكانت مواصلة العمل مع دول المنطقة والمجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار في اليمن ودعمه.
ويشمل ذلك تلبية الحاجة إلى ضمانات أمنية، بما في ذلك ما يتعلق بالبحر الأحمر، وقال إنّ "ضبط شحنة كبيرة من الأسلحة والتقنيات مؤخراً قبالة ساحل اليمن على البحر الأحمر يؤكد مجدداً أهمية تذكير جميع الدول الأعضاء بالتزامها بالامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بحظر الأسلحة"،
وأضاف: "لكي يحظى اليمن بفرصة حقيقية للسلام، تجب حمايته من الانجرار إلى الاضطرابات الإقليمية المستمرة الناجمة عن حرب غزة.
لذلك، يجب وقف الهجمات على السفن المدنية في البحر الأحمر، كما يجب وضع حدّ للهجمات الصاروخية على إسرائيل والضربات الإسرائيلية اللاحقة على اليمن.
فإلى جانب تعقيده لفرص الوساطة من أجل تسوية طويلة الأمد للصراع في اليمن، أدى هذا التصعيد إلى تدمير شبه كامل لمرافق موانئ الساحل الغربي لليمن، ما يُشكّل ضغطاً هائلاً على البنية التحتية الحيوية".
الوضع الإنساني
من جهته، ركز مدير قسم التنسيق في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، راميش راجاسينغهام، على تدهور الأمن الغذائي في اليمن والأوضاع الكارثية التي يشهدها في هذا السياق،
مشدداً على ضرورة التحرك لزيادة التمويل لتوسيع نطاق الدعم الغذائي والتغذوي الطارئ، وتقديم دعم مالي مباشر لصندوق المساعدات الإنسانية لليمن الذي يشهد نقصاً حاداً،
مؤكداً أن ذلك يجب أن يأتي إلى جانب دعم جهود المبعوث الخاص الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي وإطلاق سراح المعتقلين.
ورسم راجاسينغهام صورة قاتمة لوضع الأمن الغذائي في اليمن، قائلاً: "هناك أكثر من 17 مليون شخص يعانون من الجوع، وقد يصل هذا الرقم إلى 18 مليوناً بحلول فبراير/شباط من العام المقبل. تتحمل النساء والأطفال العبء الأكبر من هذه الكارثة".
وأكد أن اليمن واحدة من أكثر الدول معاناة من انعدام الأمن الغذائي، مضيفاً أن "استمرار انهيار الاقتصاد وتزايد الضغوط على إمدادات الغذاء، جعل العديد من الأسر غير قادرة على تحمّل تكلفته، رغم حصولها عليه.
وقد تعطلت سبل العيش في القطاع العام وقطاعي الزراعة والثروة السمكية، من بين قطاعات أخرى، بسبب الصراع المستمر".
وأشار إلى أن "نصف أطفال اليمن دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، ويعاني ما يقرب من نصفهم من سوء النمو (التقزم)، ما يعني تأخراً في النمو والإصابة بالعدوى، وخطر الوفاة من أمراض شائعة أعلى من المتوسط بتسعة إلى اثني عشر ضعفاً.
وفي ظل نقص حاد في الرعاية الصحية وعدم توفر خدمات الدعم للكثيرين، يُعد هذا الأمر مسألة حياة أو موت بالنسبة للأطفال".
وأعطى مثالاً على تدهور الأوضاع، بقصة الطفل أحمد البالغ من العمر تسعة أشهر، في مديرية عبس بمحافظة حجة، إذ أدى نقص الغذاء والمغذيات إلى فقدانه ثلثي وزنه الصحي، وأصبح ضعيفاً لدرجة أنه لا يستطيع الجلوس، ويعاني من إسهال حاد وحمى شديدة.
وأوضح أن أحمد بحاجة إلى علاج طارئ لسوء التغذية الحاد الوخيم، الذي تفاقم بسبب العدوى، مؤكداً أن هذه قصة وواقع لآلاف العائلات اليمنية.
وتابع: "يصل الجوع وسوء التغذية في بعض المناطق إلى مستويات حادة. ففي مخيّمات النازحين داخلياً في مديرية عبس بمحافظة حجة، على سبيل المثال، وجدت بعثة تقييم الاحتياجات في يوليو/تموز أن أطفالاً من عائلات نازحة يموتون جوعاً.
هؤلاء أطفال لم يموتوا متأثرين بجراح الحرب، بل بسبب الجوع – جوع بطيء وصامت، تمكن الوقاية منه. هذا هو الوجه الإنساني لانعدام الأمن الغذائي".
وتوقف المسؤول الأممي عند الخيارات المستحيلة التي تُضطر الكثير من العائلات اليمنية إلى اتخاذها بسبب الجوع، موضحاً أن "الجوع يجبر الناس على اعتماد استراتيجيات تكيّف سلبية".
وشرح أن ذلك يعني "في المناطق الريفية بمحافظات المحويت والحديدة وصنعاء، اضطرار الأسر لبيع كل ما يُؤمّن لها سبل العيش على المدى الطويل؛ كالماشية، والأدوات، والأراضي الزراعية، لمجرد توفير قوت يومها،
واضطرار الأطفال للعمل بدلاً من الذهاب إلى المدرسة، ومواجهة النساء والفتيات المراهقات مخاطر متزايدة من العنف المنزلي، والاستغلال، أو زواج الأطفال".
وأشار إلى أنه في المحافظات الثلاث المذكورة آنفاً، "طلبت أكثر من 30 ألف امرأة وفتاة خدمات الدعم ضد العنف الجندري خلال الأشهر الستة الماضية فقط.
ثلث النساء اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 20 و24 عاماً تزوجن قبل بلوغهنّ سن 18 عاماً، وتزوجت واحدة من كل عشر نساء تقريباً قبل سن 15 عاماً. وترتفع هذه الأرقام بين الفتيات في المجتمعات النازحة".