حرب واشنطن الاقتصادية على الحوثي.. استراتيجية الضغط بدل الحسم العسكري
تؤدي الولايات المتحدة الأمريكية دوراً محورياً في الحرب الاقتصادية على جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن، سواء من خلال الإجراءات المباشرة كتصنيف الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، أو من خلال دعم خطوات الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
وزادت وتيرة تلك الحرب في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد الضربات الكبيرة التي تلقاها محور المقاومة بقيادة إيران، إذ أصبح وصول الدعم الإيراني لجماعة الحوثي أصعب من أي وقت مضى، كما فقدت الجماعة أحد أهم مواردها والمتمثل في موانئ مدينة الحديدة.
وتزامنت هذه الإجراءات التي تستهدف الحوثي مع ضغوط أمريكية قوية لمعالجة الاختلالات الاقتصادية في مناطق سيطرة الشرعية، والتي كان آخرها حملة تصحيح وضع العملة، والتي أسفرت عن تحسن كبير وغير مسبوق في سعر الريال اليمني مقابل العملات الصعبة.
إصلاحات
تنخرط الدبلوماسية الأمريكية بكثافة في موضوع العملة والوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً،
ولا يتوقف القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة لدى اليمن جوناثان بيتشا، ومن قبله السفير ستيفن فاغن، عن عقد لقاءات مع المعنيين بالشأن الاقتصادي في الحكومة أو غيرها، وحتى بقيادة مجلس القيادة الرئاسي.
وفي آخر لقاء عقده بيتشا، يوم 3 أغسطس الجاري، حضر الاقتصاد بقوة في النقاش، وأثنت السفارة الأمريكية والقائم بأعمال السفير على الجهود التي تبذلها الحكومة لتحسين وضع العملة.
وأجرى السفير بيتشا لقاء مع محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، في 7 أغسطس، وخلال اللقاء أكد الدبلوماسي الأمريكي ضرورة الحفاظ على استقلالية البنك المركزي اليمني بعيداً عن التدخلات السياسية،
مشيداً بجهود المحافظ التي أدت إلى تعزيز الريال اليمني بنسبة تقارب 50%.
القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى اليمن قال في بيان على منصة "إكس": "لقد آن الأوان للحكومة أن تطبق الإصلاحات الضرورية على وجه السرعة"، لافتاً إلى أن الاقتصاد اليمني ومعه حياة اليمنيين وسبل عيشهم على المحك.
يتجاوز الدور الأمريكي في موضوع الاقتصاد ومعالجة الاختلالات في سوق الصرف حدود المرشد والداعم، ليصبح فاعلاً ومراقباً أيضاً، خصوصاً أن ارتباك سوق الصرف فاقم معاناة اليمنيين وخدم أجندة الحوثيين أيضاً.
وتبدي الولايات المتحدة اهتماماً ملحوظاً بموضوع الاقتصاد والبنك المركزي، وضرورة معالجة الاختلالات، ويبدو أن هذه الجهود زادت في ظل حكومة سالم بن بريك،
حيث بدأت ثمار هذه السياسات تظهر بشكل ملحوظ، وانعكست على أسعار العملة، ومن بعدها أسعار السلع والخدمات.
عقوبات
ومنذ يناير 2025، أصبحت الإجراءات الأمريكية أكثر صرامة ضد جماعة الحوثي في اليمن، وذلك بعد تصنيف الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو الإجراء الذي عزز في مارس من العام ذاته، بأمر تنفيذي صدر من الرئيس ترامب.
واتخذت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين سلسلة قرارات وإجراءات صارمة، تمثلت في فرض عقوبات وتجفيف منابع تمويل الجماعة، كما أسهم ضرب إيران في إضعاف مصادر تمويل الجماعة والحد من تهريب الأسلحة وحتى الأموال إليها.
وفي أبريل 2025، أصدرت الولايات المتحدة قراراً بحظر بيع المنتجات النفطية المكررة إلى جماعة الحوثي عبر ميناء الحديدة، ما حرم الجماعة مورداً اقتصادياً هاماً،
علماً بأن الجماعة حصدت قرابة 4 مليارات دولار عبر الرسوم الجمركية على الوقود بين عامي 2022 و2024، وفق تقديرات الخزانة الأمريكية.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على بنك اليمن والكويت، في يناير 2025، بعد اتهامه بمواصلة تسهيل التعاملات مع الحوثيين، وفي أبريل أيضاً، فرضت عقوبات على بنك اليمن الدولي لذات الأسباب.
كما وضعت الولايات المتحدة قيوداً على شركات تعمل في تبييض الأموال والاتجار بالنفط لصالح الحوثيين،
كما فرضت واشنطن، في أبريل 2025، عقوبات على شبكة مالية مرتبطة بـ"سعيد الجمل" تشمل تهريب أسلحة وطحين أوكراني من روسيا، واستخدام العملات الرقمية لتسهيل التبادلات.
وفي يونيو 2025، اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية إجراءً واسعاً استهدف 12 جهة وشخصين، وسفينتين متورطتين في تهريب الوقود والسلع لدعم جماعة الحوثي في اليمن.
وفي يوليو 2025، فرضت واشنطن عقوبات على شبكة تعمل بين اليمن والإمارات، تشمل اليمني محمد السنيدار وشركاته، لتنسيق شحنات نفط إيراني بنحو 12 مليون دولار إلى الحوثيين.
كما دعمت واشنطن إجراءات حكومية قضت بنقل مقرات مؤسسات مالية إلى العاصمة المؤقتة عدن، ومعاقبة أخرى رفضت الانصياع لهذا القرار.
وأصبحت جماعة الحوثي أكثر تضرراً اقتصادياً بعد إخراج موانئ الحديدة، والصليف، وصافر عن الخدمة، بعد ضربات إسرائيلية موجعة، إضافة إلى تدمير مطار صنعاء الدولي.
حسم اقتصادي
ووفقاً للباحث والمحلل السياسي اليمني عادل المسني، فإن المنطقة تشهد احتشاداً أمريكياً غير مسبوق، في سياق السيطرة على الأحداث والتطورات المتصاعدة فيها، لا سيما ما يتعلق بإيران وأنشطتها المزعزعة لاستقرار المنطقة.
وأوضح المسني أن تصاعد سياقات الصراع في لبنان والعراق واليمن يعكس توجهاً أمريكياً لتفكيك أدوات إيران، وفق إعادة ترتيب المشهد السياسي بعيداً عن النفوذ الإيراني.
وقال: "يبدو أن الخيارات تتجه في اليمن إلى استبعاد الحسم العسكري الذي لم يؤدّ إلى تحقيق نتائج ملموسة، والدفع بالحسم الاقتصادي"، لافتاً إلى أنه "من الصعب فهم ما يجري من تحولات مهمة في هذا السياق بعيداً عن هذا التوجه".
واستطرد قائلاً: "استئناف الحرب كلفتها وتداعياتها كبيرة على اليمن والجوار، لكن تنشيط الاقتصاد في المجال المحرر، وإيجاد إصلاحات اقتصادية تتبعها ودائع،
بالتزامن مع التضييق الواسع على الحوثيين، سيفتح الباب أمام تحول دراماتيكي في إنهاء طبيعة الصراع المحتدم في اليمن".
ونوّه المسني بأن "نقل الصراع إلى المسار الاقتصادي له تأثير مباشر على تغيير الأوضاع دون الحاجة إلى حرب"،
مشيراً إلى أن تلك الإجراءات الاقتصادية صارت تحظى باهتمام طاغٍ على غيرها من الأبعاد وتلقى صدى واسعاً في أوساط الناس.
وقال إنه في حال وقفت الولايات المتحدة والسعودية وراء البعد الاقتصادي فإنه سيكون كافياً لتغيير الوضع في اليمن.