هل يواصل الحوثيون استهداف "إسرائيل" رغم الهدنة مع إيران؟
مع دخول وقف إطلاق النار بين إيران و"إسرائيل" حيز التنفيذ، تتجه الأنظار مجدداً إلى اليمن، حيث تقف جماعة الحوثيين عند مفترق حاسم بين الاستمرار في الانخراط العسكري ضد "إسرائيل" وتهديد المصالح الأمريكية، أو التراجع تحت ضغط الردع المتزايد من تل أبيب وواشنطن.
وبينما تؤكد المليشيا استمرار عملياتها "حتى وقف العدوان على غزة"، ترى أطراف دولية أن التهديد الحوثي بات يمثل مشكلة طويلة الأمد، خصوصاً بعد إعلانهم الاستعداد لاستئناف استهداف السفن الأمريكية خلال الحرب الإيرانية الإسرائيلية.
ويُثير موقف الحوثيين تساؤلات متزايدة في الأوساط السياسية والعسكرية، لا سيما في ظل الهدوء النسبي الذي أعقب الهجمات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة على إيران،
فرغم غياب أي هجمات حوثية جديدة منذ إعلان الهدنة، فإن التصريحات العلنية لقادة الجماعة تؤكد استمرار المواجهة مع "إسرائيل".
تهديدات ما بعد الهدنة
وقال محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي للجماعة، في منشور عبر منصة "إكس"، إن "قبول أمريكا والكيان الصهيوني بوقف إطلاق النار مع إيران يؤكد أن القوة العسكرية هي اللغة الوحيدة التي يفهمونها"،
مضيفاً أن "عملياتنا العسكرية ضد الكيان الصهيوني مستمرة حتى وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها".
وكانت الجماعة قد أعلنت، في وقت سابق، أنها قد تضرب السفن الأمريكية بالبحر الأحمر والعربي رداً على الهجمات التي قد تشنها واشنطن على مواقع إيرانية، لا سيما المنشآت النووية إلا أنهم لم يقوموا بذلك.
وفي 26 يونيو، قال عبد الملك الحوثي، زعيم "الحوثيين" في اليمن، إن إغلاق البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية مستمر، مؤكداً أن ميناء إيلات لا يزال متعطلاً نتيجة العمليات العسكرية التي تنفذها الجماعة دعماً لأهالي غزة.
وأضاف في كلمة متلفزة: "لا يمكن أن نسمح بمرور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، ومعركتنا البحرية ستتواصل حتى يتوقف العدوان على الشعب الفلسطيني".
تلويح إسرائيلي ورسالة أمريكية
في المقابل، بدأت "إسرائيل" اتخاذ مواقف تصعيدية تجاه الحوثيين، معتبرة إياهم امتداداً مباشراً لإيران، حيث قال وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس: "سنتعامل مع صنعاء مثلما نتعامل مع طهران"،
مشيراً إلى أن "أي استنزاف من قبل الحوثيين سيقابل برد مماثل لما قامت به إسرائيل ضد إيران".
وكان آخر قصف شنته "إسرائيل" بالفعل استهدف اجتماعاً قيادياً، منتصف يونيو، قالت مصادر إنه كان يضم رئيس أركان قوات الحوثيين محمد الغماري، من دون تأكيد مصيره.
كما تفرض تل أبيب حصاراً جوياً وبحرياً على موانئ الحديدة (الصليف، وراس عيسى، والحديدة) ومطار صنعاء، محذرة من أن أي محاولة لإدخال وقود إلى الحوثيين ستكون هدفاً عسكرياً مشروعاً.
من جهتها، ترى واشنطن أن التهديد الحوثي لم ينتهِ، بل مرشح للاستمرار حتى بعد الهدنة،
حيث نقلت وكالة "رويترز" عن اللفتنانت جنرال أليكسوس غرينكويش، مدير عمليات هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، قوله أمام الكونغرس، إن "جماعة الحوثيين ستُشكل على الأرجح مشكلة مستمرة للولايات المتحدة… سنواجهها مجدداً في المستقبل".
استمرار التهديد
وبينما تبدو "إسرائيل" مستعدة لتوسيع نطاق عملياتها لتشمل اليمن، وتصر واشنطن على استمرار الضغط، لا تزال الجماعة تلوح بخيار العودة إلى استهداف السفن الأمريكية في أي لحظة.
ورغم توقف القتال بين إيران و"إسرائيل"، فإن صاروخاً أُطلق من اليمن حطم هذا الهدوء الظاهري، مذكراً العالم بأن المحور الإيراني لم يُطو عنه بعد، حيث يُنظر إلى إطلاق الحوثيين لهذا الصاروخ كرسالة واضحة بأن الهدنة التي تم توقيعها لا تشملهم، وأنهم يحتفظون بحقهم في الرد مقابل استمرار التصعيد في غزة أو الضغوط الأمريكية – الإسرائيلية.
وتعتقد جماعة الحوثي أن "إسرائيل" لا تملك بنك أهداف شاملاً في اليمن كما في طهران، وأن قدراتها الاستخبارية ضدهم لا ترتقي لتلك التي في إيران.
وإلى جانب ذلك، رغم التراجع النسبي في المخاطر المباشرة التي تهدد الناقلات والسفن في الخليج العربي بعد انتهاء ما وصفته المجلة بـ"حرب الـ12 يوماً"، فإن البحر الأحمر، الذي بات فعلياً تحت رحمة جماعة الحوثي، لا يزال خارج نطاق الثقة البحرية العالمية، بسبب الطبيعة غير المتوقعة للتهديد الحوثي، واستقلاليته الجزئية عن طهران.
إظهار استقلالية القرار
ويقول الباحث السياسي نجيب السماوي إن جماعة الحوثي، رغم ارتباطها الوثيق بإيران، تحاول إظهار استقلالية ميدانية عن القرار الإيراني، خاصة بعد الهدنة الأخيرة بين طهران وتل أبيب، التي لم تشمل الجماعة لا في الشكل ولا في المضمون.
ويؤكد السماوي بقوله:
- الحوثيون يدركون تماماً أن إسرائيل لا تملك حضوراً استخبارياً كافياً في اليمن، ولا بنك أهداف دقيقاً يمكن أن يُحدث تغييراً في بنية الجماعة، ولذلك فإنهم يواصلون الهجمات وهم مطمئنون إلى أن الرد، إن وقع، سيكون دعائياً أكثر منه ميدانياً.
- الحوثيون يستثمرون الوضع الحالي لتحسين موقعهم الإقليمي، في ظل تراجع إيران بعد الضربات النوعية التي طالت منشآتها النووية وقادتها العسكريين، والتي أثّرت بشكل كبير على صورة طهران كقوة مركزية في الإقليم.
- الجماعة تدرك أن إيران لم تعد قادرة على استخدام "ورقة الوكلاء" كما كانت من قبل، وأنها – أي إيران – تواجه انكشافاً استراتيجياً، خاصة بعد عدم تحرك حزب الله أو الحوثيين حين قصفت أمريكا العمق الإيراني.
- استمرار الحوثيين في استهداف إسرائيل رغم الهدنة يعكس تحولاً في تكتيك الجماعة، التي تسعى إلى ترسيخ حضورها في المشهد الإقليمي كلاعب مستقل، يستطيع توجيه ضربات واختيار توقيت التصعيد، دون الرجوع الكامل لطهران.
- استمرار الحوثيين في التصعيد، رغم تغير ميزان القوى، يُعد محاولة لتعويض الفراغ الذي تركته إيران بعد الضربات الكبرى، كما أنه يخدم الجماعة داخلياً في حشد التأييد الشعبي، ويعزز صورتها الدعائية كمكون "صامد" في وجه "إسرائيل" وأمريكا، حتى وإن كانت قدراتها الميدانية لا تُقارن بخصومها في الميدان العسكري.
الجيش الإسرائيلي يرجح اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن
أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم السبت أنه «على الأرجح نجح في اعتراض» صاروخ أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».
وقال الجيش في منشور عبر تطبيق «تلغرام» إن صفارات الإنذار دوت في عدة مناطق داخل إسرائيل عقب إطلاق الصاروخ.
كانت إسرائيل قد هددت حركة «الحوثي» المتحالفة مع إيران بحصار بحري وجوي إذا استمرت هجماتها عليها.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، يطلق «الحوثيون»، الذين يسيطرون على أنحاء كثيرة من اليمن، الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، ويستهدفون حركة الملاحة في البحر الأحمر، مما أحدث اضطرابات في التجارة العالمية.
كما ان معظم الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقها «الحوثيون» إما جرى اعتراضها، أو لم تصل لأهدافها. ونفذت إسرائيل سلسلة من الضربات رداً على ذلك.