توغلات إسرائيلية في سورية أثناء الهجمات على إيران
الرأي الثالث - وكالات
تشهد مناطق الجنوب السوري تصاعداً في وتيرة التوغلات العسكرية الإسرائيلية، بالتزامن مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على إيران والذي حوّل الأراضي السورية إلى ساحة مرور للصواريخ الإيرانية، وساحة اعتراض للمسيّرات الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل، وذلك وسط صمت رسمي، ومخاوف من أن تكون سورية هي الهدف التالي لإسرائيل في حال خرجت منتصرة في هذه الحرب.
وقال مسؤول التحرير لدى شبكة تجمع أحرار حوران، يوسف المصلح، أن الاحتلال زاد من عمليات التوغل داخل الأراضي السورية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو/ حزيران الحالي، خصوصاً في محافظتي القنيطرة ودرعا، مع الوصول أحياناً إلى مناطق في ريف دمشق الغربي، مثل بلدة بيت جن، حيث اغتالت قوات الاحتلال أحد الأشخاص واعتقلت آخرين.
وتشتمل التوغلات الإسرائيلية على إجراء عمليات تفتيش وفرض إجراءات أمنية معينة، واختطاف أشخاص، وهدم منازل كما حصل في منطقة الحميدية بريف القنيطرة، وذلك بحجة البحث عن أسلحة أو مطلوبين.
ورأى المصلح أن قوات الاحتلال تسعى إلى "تأمين المنطقة بشكل كامل من أي تهديد محتمل، وسحب السلاح الفردي منها"،
إضافة إلى إنشاء قاعدة معلومات حول سكان المنطقة من خلال عمليات الاعتقال التي تقوم بها لبعض الأشخاص والذين يخضعون لاستجوابات قبل الإفراج عنهم،
وتعمل سلطات الاحتلال على مقاطعة معلوماتهم، بغية اكتشاف الأشخاص المؤثرين في المنطقة والأشخاص المؤهلين أو ممن لديهم استعداد للتعامل مع سلطات الاحتلال مستقبلاً.
اعتراض المسيّرات الإيرانية في سورية
ولفت المصلح إلى أن اعتراض المسيّرات الإيرانية يتم غالباً في أجواء محافظتي درعا والقنيطرة، إذ تحلق الطائرات الحربية على ارتفاع منخفض جداً. وكثيراً ما تسبّب هذه الاعتراضات وقوع خسائر بشرية أو مادية في الأراضي السورية،
إذ أصيبت امرأة بجروح خطيرة إثر سقوط إحدى المسيرات التي جرى اعتراضها من جانب طائرات إسرائيلية قرب بلدة نصيب الحدودية مع الأردن، فيما سقطت مسيّرة إيرانية على منزل سكني في صافيتا بريف طرطوس، ما أدى إلى احتراق المنزل ووفاة امرأة تقطنه نتيجة إصابتها بحروق خطيرة.
كما يؤدي سقوط بقايا تلك المسيّرات في مناطق مختلفة من محافظات درعا والسويداء والقنيطرة إلى إلحاق خسائر مادية بالممتلكات، وسقطت إحدى المسيّرات فوق أحد المنازل في بلدة خراب الشحم، ما سبّب انفجاراً واندلاع حريق سارع الأهالي إلى إخماده.
ولعل التطور الأبرز تزامناً مع العدوان الإسرائيلي على إيران ظهر مع تحرّك الاحتلال للسيطرة على تل أحمر شرقي، ورفع العلم الإسرائيلي فوقه، وذلك تمهيداً لتحويله إلى قاعدة عسكرية جديدة في الداخل السوري تجاور قاعدة تل أحمر غربي.
والمنطقتان تجاوران بلدة كودنا في ريف القنيطرة، التي تعمل قوات الاحتلال على قطع الطرقات الواصلة إليها من خلال السواتر الترابية،
لتضاف إلى النقاط العسكرية الأخرى التي أقامتها قوات الاحتلال داخل الأراضي السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبلغ عدد النقاط أكثر من عشر، أهمها قاعدة البرج في حرش جباثا، حيث جهز جيش الاحتلال مهبطاً للطيران المروحي، بعد أن جرف مئات الأشجار في حرش جباثا، ونقطة الحميدية على الطريق الواصل بين خان أرنبة ومدينة السلام، ونقطة القنيطرة المهدَّمة وقاعدة العدنانية بالقرب من سد المنطرة، وهي قاعدة كبيرة ومحصنة.
وقال الناشط محمد أبو حشيش المقيم في القنيطرة إن قوات الاحتلال تسعى إلى استغلال فترة الصيف، قبل حلول موسم الثلوج والعواصف في القطاع الشمالي من الحدود، وتحديداً في جبل الشيخ، لإقامة قواعد عسكرية جديدة.
ولفت إلى أن هذه القوات استقدمت معدّات ثقيلة تعمل على مدار الساعة، تمهيداً لنشر قوات إسرائيلية كبيرة في تلك المرتفعات المشرفة على مساحات واسعة من الأراضي السورية واللبنانية.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي سيطرت فور خلع نظام الأسد على مرصد جبل الشيخ، وأقامت قاعدة للطيران المروحي بالقرب منه، بما يتيح لها حرية التنقل بسبب وعورة الطرقات وانقطاعها خلال فصل الشتاء نتيجة تراكم الثلوج.
ويتيح المرصد لإسرائيل كشف مساحات واسعة من الأراضي السورية واللبنانية. وإضافة إلى التحصينات الهندسية التي أنشأتها قوات الاحتلال منذ عام 1974 بعد اتفاق فض الاشتباك مع سورية،
فإن ذلك الاتفاق كان يقضي بوجود خطين (ألفا وبرافو) على أن تخضع المساحة الواقعة بينهما لسيطرة القوات الدولية "أندوف"،
إلا أن الأخيرة انسحبت أكثر من مرة من المنطقة بعد تعرض مواقعها داخل الشريط وضمن الأراضي السورية لعدة هجمات.
ومنذ سبتمبر/ أيلول الماضي، بدأت قوات الاحتلال بإنشاء سياج أمني، مكوّن من عدة أبراج مراقبة بالكاميرات الحرارية، إضافة إلى خنادق عميقة ومساتر ترابية مرتفعة.
ومع سقوط النظام السوري، عمد جيش الاحتلال إلى السيطرة على "المنطقة العازلة" التي نص عليها اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، والممتدة من بلدة حضر في ريف القنيطرة الشمالي عند الحدود اللبنانية وإلى حوض اليرموك عند مثلث الحدود السورية – الأردنية – الفلسطينية على الحدود الأردنية، جنوبي بحيرة طبريا،
بطول نحو 80 كيلومتراً وعمق يراوح بين ثمانية كيلومترات و15 كيلومتراً يتضمن عدداً كبيراً من القرى، علماً أن عمق "المنطقة العازلة" بموجب اتفاق فك الاشتباك كان يراوح بين 500 متر و10 كيلومترات فقط.
وكان مسؤول إسرائيلي كبير ذكر لموقع "أكسيوس"، في 11 يونيو الحالي، أن هدف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو التوصل إلى سلسلة من الاتفاقات تبدأ باتفاق أمني محدّث، يستند إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 مع بعض التعديلات، وتنتهي باتفاق سلام بين الجانبين.
ووفق تحليلات وتسريبات نشرتها صحف إسرائيلية، فإن إسرائيل تريد تعديل اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، بما يتيح مضاعفة حجم المنطقة العازلة أو منزوعة السلاح ثلاث مرات على الأقل لتصل إلى أكثر من 600 كيلومتر مربع من أصل نحو 235 كيلومتراً مربعاً حالياً، بموجب اتفاق 1974.
ويعني ذلك منع انتشار الجيش السوري جنوبي دمشق، كما صرح بذلك نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، مع إعطاء الجيش الإسرائيلي حرية الحركة في هذه المنطقة ضد كل ما تعتبره إسرائيل تهديداً لأمنها.
وستكون الموافقة على هذه الترتيبات هي الشرط الإسرائيلي للانسحاب من الأراضي التي احتلتها، بعد خلع نظام الأسد.
ما بعد العدوان الإسرائيلي على إيران
غير أن الباحث في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني، استبعد ذلك ، مشيراً إلى اجتماع جرى قبل حوالي شهر بين وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة ووفد من القوات الدولية العاملة في الجنوب السوري (أندوف)،
إضافة إلى اجتماع آخر جرى أول من أمس السبت بين وفد من هذه القوات مع الرئيس أحمد الشرع وأبو قصرة، وجرى تأكيد موقف الحكومة السورية المتمسك باتفاق فك الاشتباك لعام 1974 الذي يحظى بدعم دولي.
كما لفت حوراني إلى تصريحات المبعوث الأميركي لسورية توم برّاك بعد زيارته دمشق، في 29 مايو/ أيار الماضي، عن إمكانية الوصول إلى حل بين الجانبين السوري والإسرائيلي،
معتبراً أنه لا يوجد تطابق في الرؤيتين الأميركية والإسرائيلية حيال سورية، وأن واشنطن ستلزم تل أبيب بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على إيران بالانسحاب إلى حدود اتفاق فك الاشتباك لعام 1974.
وحذّر حوراني من أن عدم انتشار القوات السورية الكامل على الجغرافيا السورية، خصوصاً مناطق الجنوب، يمكن أن يتيح لإيران إعادة تشغيل شبكاتها لإزعاج إسرائيل، وهو ما صرح به غياث دلة أحد ضباط النظام بدعوته لإيران لتسليحه بهدف تشكيل جبهة تضرب إسرائيل انطلاقاً من سورية.
واعتبر حوراني أن تواصل التوغّلات الإسرائيلية في الأراضي السورية بعد بدء العدوان الإسرائيلي على إيران يعد بمثابة "رسالة إلى الحكومة السورية وأن إسرائيل ليست غافلة رغم انشغالها بضرب إيران، كي لا تفكر الحكومة السورية بأي تحرك ضد تلك التوغّلات".
واستبعد أن يحاول الاحتلال التوسع في سورية بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على إيران "لسبب رئيسي وجوهري هو أن النظام السوري الجديد اعتمد مبدأ صفر مشاكل مع كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية،
بينما تشكّل إيران تهديداً للأمن العالمي برمته، ناهيك عن المشكلات النفسية والمعنوية التي يعانيها الجيش الإسرائيلي بسبب الحرب البرية على غزة، فإسرائيل تستطيع خوض حرب جوية حاسمة، لكنها غير قادرة على ذلك براً".