Logo

ما تداعيات زلزال إيران على قواعد الحوثي؟

 في كل مرة تضرب فيها الفصائل التابعة للمحور الإيراني داخل المنطقة العربية تأتي ردود الفعل ملامسة لهم المصير المشترك الذي يربط العضو بالرأس، ولكن لا بد للأذرع أن تهتز على وقع الزلزال وهو يضرب هذه المرة جبهة الرأس الإيراني ودارها، مما قد يعلن إخراج إيران نهائياً من المعادلة الإقليمية،

 فكان لا بد أن يستمع الحوثي، ذراعها المتقدمة عربياً وآخر آمالها المسلحة في المنطقة، لهذه الارتدادات الضخمة.

ثمة إجماع للمراقبين على أن الأحداث غير المسبوقة التي بلغت عمق مخزون الاستراتيجية الإيرانية عسكرياً وسياسياً سيكون لها انعكاسات على طبيعة المشهد اليمني، الذي يتقاسمه حليفها الحوثي من جهة، والحكومة الشرعية بمكوناتها المتشاكسة من جهة أخرى، 

باعتبار ميليشيات اليمن آخر الأفرع المجهزة التي يمكن التعويل عليها كأداة مسلحة تمتلك شيئاً من الفاعلية المليشياوية، التي ادخرتها إيران بعدما جهزتها عسكرياً وعقائدياً.

الإسهام بالدم العربي

وفيما يغوص النظام الإيراني في هول الصدمة على وقع الضربات الإسرائيلية المتلاحقة التي نالت من قوام قدرته العسكرية في شقيها البشري والاستراتيجي، على مدى يوم ونصف يوم حتى الآن، جاء بيان مجلس حكم جماعة الحوثي مؤكداً "حق إيران في الرد الرادع على العدوان الأرعن"، مجدداً وقوفه مع "طهران في حقها المشروع للرد".

وغداة خطاب لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي دعا خلاله للاحتشاد في الميادين لاستعراض القوة، هدد إسرائيل مجدداً "باستمرار الهجمات" ضمن مزاعمه "مساندة الفلسطينيين في غزة".

ترجم الحوثيون ذلك سريعاً بإطلاق صاروخ نحو إسرائيل كما هو معلن من قبلهم، ولكن الهلال الأحمر الفلسطيني قال إن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون من اليمن "تسبب في مقتل خمسة فلسطينيين منهم ثلاثة أطفال في الضفة الغربية". 

وهي الواقعة التي أثارت ردود فعل اليمنيين الذين اعتبروها عادة حوثية وإيرانية بالمناسبة لاستهداف اليمنيين والعرب دون غيرهم، حتى وإن كان الهدف المعلن نحو إسرائيل خصوصاً، بالنظر إلى عشرات العمليات المعلنة التي تدعي قصف إسرائيل.

لا صيغ سلام أخرى

ومع الضرب المتلاحق في عصبها الداخلي عقب أشهر من تهاوي قلاعها التي بذلت كثيراً لبنائها في لبنان وسوريا، يتردد السؤال في جانب الانعكاسات المتوقعة على الشأن اليمني عن مصير الحوثيين، الأداة العسكرية المنتشرة في سلسلة جغرافية وعرة وصعبة المراس.

 يقول الباحث السياسي فارس البيل أن الحوثي يقع ضمن المنظومة الإيرانية كبندقية للتوسع عربياً، ويرى أن "التطورات الجارية ستنعكس بصورة كبيرة على اليمن لأن الفرع الحوثي يرتبط عضوياً بالجسد الإيراني".

 ولهذا، ستدفعه "للتحرك لاستنزاف إسرائيل وتخفيف الضغط عنها وتشتيت قدراتها، وهو أداة طيعة لا يهمها تعريض المقدرات اليمنية للتدمير كما جرى خلال الأسابيع الماضية".

ويقول البيل إن التطورات الجارية ستغير من الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة وإن دفعت الحوثي لشن عمليات جديدة وإشعال النيران هنا وهناك"، والسبب أن مطامعها للسيطرة على البحر الأحمر وباب المندب لم تعد واردة ولم يعد وارداً سوى تخفيف الضغط بأداتها الحوثية والخروج من الأزمة بأقل الأضرار، في حال نجت من سقوط نظامها".

على صعيد السياسة الإقليمية والدولية "ستنعكس هذه التطورات لتؤكد ضرورة التخلص من ميليشيات الحوثي، وحتى الوسطاء لن يقبلوا أن يدخل المفاوضات إن جرى الحديث عنها مجدداً وهو يمسك بالقوة أو يحتفظ بها".

 والأمر الآخر "ستجد الميليشيات نفسها منكشفة أمام اليمنيين الذين يتحينون الفرص للانقضاض عليها".
 
حتى وإن قدمت إيران لحليفها اليمني الدعم البارز بالسلاح والتكنولوجيا الخاصة بالصواريخ والمسيرات، يشير البيل إلى أن ذلك "يتيح انكشاف الحوثي وفقدان حبل قوته السري المرتبط بإيران من ناحية التكنولوجيا والخبراء والسلاح والاستراتيجية الطائفية وغيره". 

ويخلص إلى أن الأحداث دفعت بالحوثي "في وضع صعب، ويشعر أنه في مرمى الاستهداف وفي أيامه الأخيرة، ترجمه حال الارتباك الذي تعيشه الجماعة لأنها تنتظر ما الذي ستوجهها به إيران التي يبدو أنها لن تنجو".

يقلل البيل من الجغرافيا الجبلية التي يحتمي بها الحوثي من المتغيرات الدولية، ويوضح أن "اليمنيين ينتظرون الفرص للانقضاض على الحوثيين واستعادة دولتهم المسلوبة". ويستدل بالقوات الموالية للحكومة الشرعية التي لديها القدرة على تحقيق تلك الغاية.

ويضيف "الأوضاع الإيرانية اليوم ليست كما قبلها، هذا يؤكد توقف الخبراء والسلاح والتكنولوجيا عن جماعة الحوثي كونها دخلت حرباً مفتوحة، لم يعد متاحاً فيها المراوغة والتخفي والتغاضي والابتزاز".

آخر آمال المحور

يقلل الكاتب السياسي عادل الأحمدي من أثر التطورات الإيرانية على حلفائهم الحوثيين، ويرى أن الحوثي "لن يكون ضعيفاً لمجرد إضعاف إيران، حتى ولو سقط النظام هناك لا يجب الاستهانة بخطرهم القائم بحد ذاته والذي قد لا يتأثر بسقوط داعميه".

ويضيف "صحيح أن علاقة الحوثي بإيران كعلاقة الصابع بالكف، ولكن الحوثي امتداد لتيار إمامي ظل يتخفى فترات زمنية ويعمل بإيعاز من الطموح الفارسي، ولهذا فلا سبيل أمام القوى الحكومية سوى سحقه عسكرياً".

وحتى في حال "سقوط النظام الإيراني فلن يدفع ذلك الحوثي للحاضنة العربية لأنه مشروع يتشرب العداء للجوار العربي، ولا أتوقع أن يدفعهم ذلك إلى الموافقة على خريطة الطريق للسلام (خريطة مقترحة من الإقليم والأمم المتحدة للحل السياسي في اليمن)، لأنهم يريدون أن ينتقل إليهم المشروع ومحور الممانعة، والحوثي يقدم نفسه بديلاً لنصر الله كما يفعل بتقليده وتقمص شخصيته".

الهدوء والتريث

ردود فعل الميليشيات المصنفة إرهابياً توالت تباعاً وعبر عنها قادتها على وسائل التواصل الاجتماعي عقب الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف فجر أمس الجمعة الـ13 من يونيو (حزيران) الجاري منشآت عسكرية حساسة داخل إيران، وقيادات بارزة في الحرس الثوري.

ولوحظ التزام القيادة الحوثية الصمت المطبق لساعات، ثم توالت الأصوات التي تبينت الصدمة وبدأت تتعاطى معها وراحت كما جرت العادة تتوعد بـ"انتظار الرد الإيراني لنصرة المسلمين المستضعفين".

وفي سياق مساعي التهدئة من حال الهلع والارتباك في أوساط الجماعة وعناصرها، نشر عدد من قادة الميليشيات سلسلة تدوينات تحث على التزام الهدوء والانتظار وعدم جلد من وصفوها بالضحية في إشارة إلى إيران. 

وهي محاولة وفقاً لمراقبين، تسعى لامتصاص الصدمة العنيفة التي تعيشها الجماعات الموالية للنظام الإيراني، التي ربما ترى الدور مقبلاً عليها بحسب سير الأحداث الذي لم يعد يتوقع فصوله أحد.

توفيق الشنواح 
صحافي يمني