Logo

صدام دونالد ترامب وإيلون ماسك: أكثر من قطيعة

الرأي الثالث - وكالات 

 فوجئ العالم، الخميس، باندلاع حرب تصريحات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، مع حسم البيت الأبيض، الجمعة، أن لا اتصال هاتفياً سيجمع الرجلين، بحسب ما نقلته وكالة رويترز عن مصدر مطلع في البيت الأبيض، بعد تسريب معلومات عن احتمال حدوث تهدئة بينهما. 

وجاءت هذه التطورات بعد أشهر من العلاقة المميزة بينهما، التي أثمرت عن تحالف بين أكبر شركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي مع ترامب، في حملته الانتخابية لرئاسيات 2024، وتمويل ماسك حملة ترامب بنحو 250 مليون دولار. 

وكان ماسك، مالك شركات "إكس" (تويتر سابقاً)، و"سبايس إكس" (المخصصة للفضاء)، و"تسلا" (للسيارات الكهربائية)، رجل ترامب المفضل ومدمّر مؤسسات الدولة وطارد الموظفين منها بصفته رئيس "إدارة كفاءة الحكومة" بصفة وزير حتى استقالته منها في مايو/أيار الماضي، هو الشعبوي الداعم علناً لليمين المتطرف وللفاشيين في كل العالم ومحرّض رئيسه على تبني سياسات ومواقف بناءً على خلفية يمينية متطرفة.

ماسك المعارض لقانون ترامب

وبات ماسك ضيفاً دائماً على البيت الأبيض، مصطحباً أحياناً ابنه، وأحياناً أخرى والدته. ولم يتردد ترامب في 11 مارس/آذار الماضي في عقد مؤتمر صحافي، بمثابة إعلان لشركة تسلا في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، برفقة ماسك، أمام صف من سيارات تسلا اللامعة. 

حتى أن الرئيس الأميركي أكد أنه سيصنّف أي عنف ضد وكلاء "تسلا" على أنه إرهاب محلي، وذلك بعد تعرّض بعض تلك السيارات لهجمات متفرقة.

 لكن العلاقة بينهما تحوّلت إلى صدام؛ أولى جولاته كانت أمس الخميس، بإفصاح ماسك عن معارضته مشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي تبناه ترامب، قائلاً إنه "لا يطيق" هذا التشريع، ووصفه بأنه "بشع ومثير للاشمئزاز". 

ويتضمن مشروع القانون، الذي أقره مجلس النواب في مايو/أيار الماضي، إعفاءات ضريبية تقدر بتريليونات الدولارات، وزيادة في الإنفاق الدفاعي، إلى جانب السماح للحكومة الأميركية باقتراض المزيد من الأموال. 

ويُتوقع أن يزيد مشروع القانون، الذي يدعوه ترامب "القانون الجميل والضخم" بصيغته الحالية العجز في الميزانية الأميركية، أي الفارق بين الإنفاق الحكومي والإيرادات، بحوالي 600 مليار دولار في السنة المالية القادمة، وفقاً للتقديرات. 

وفي سلسلة منشورات عبر "إكس"، قال ماسك إن مشروع الإنفاق "المليء بالإهدار بشكل كبير" سيزيد العجز الضخم أصلاً إلى 2.5 تريليون دولار، وسيثقل كاهل المواطنين الأميركيين بديون لا يمكن تحمّلها. 

ويتضمن مشروع القانون تمديداً لتخفيضات ضريبية وُضعت عام 2017، إلى جانب زيادة كبيرة في التمويل العسكري ودعم خطط الإدارة لترحيل المهاجرين غير النظاميين. كما يقترح رفع سقف الدين، أي الحد الأقصى لاقتراض الحكومة، إلى 4 تريليونات دولار.
 
وانهار التحالف السياسي بين ترامب وماسك، مساء الخميس، مع تهديد الرئيس الأميركي بتجريد الملياردير من عقود ضخمة، بقيمة 22 مليار دولار، مبرمة مع الحكومة. 

ولمّح ترامب إلى توجيه ضربة موجعة للمقاول "المجنون" كما وصفه، مهدداً بإلغاء العقود الحكومية التي تشمل إطلاق صواريخ إلى الفضاء واستخدام مجموعة الأقمار الاصطناعية ستارلينك. 

وكتب ترامب عبر منصته تروث سوشال: "الوسيلة الأسهل لتوفير المال في ميزانيتنا، مليارات الدولارات، تكون بإلغاء عقود إيلون مع الحكومة والدعم المقدم له". 

وباع متداولون في وول ستريت أسهم "تسلا" بعد كلام ترامب، لتغلق على انخفاض حاد وقدره 14.3% وتخسر الشركة 150 مليار دولار تقريباً من قيمتها السوقية. 

وكان هذا أكبر تراجع على الإطلاق تشهده "تسلا" في يوم واحد. ورد ماسك مجدداً مؤكداً أنه سيبدأ "سحب" مركبة دراغون الفضائية من الخدمة، علماً أنها تعد ذات أهمية حيوية لنقل الرواد التابعين لناسا إلى محطة الفضاء الدولية.

وجاء في منشور لماسك على "إكس": "في ضوء بيان الرئيس حول إلغاء عقودي الحكومية، ستباشر سبايس إكس سحب مركبة دراغون الفضائية من الخدمة على الفور". 

لكنه بدا لاحقاً وكأنه يتراجع عن ذلك في معرض رده على مستخدم عبر "إكس": "حسناً لن نسحب دراغون"، إلا أن كلامه لم يكن واضحاً. 

وبعد دقائق من إغلاق البورصة، رد ماسك بتأييد منشور على "إكس" يقترح عزل ترامب من الرئاسة وتعيين نائبه جي دي فانس رئيساً. 

ومن المرجح ألا يقدم الجمهوريون على هذه الخطوة، علماً أن الحزب الجمهوري يتمتع بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.

 كما اقترح ماسك تأسيس حزب ثالث في الولايات المتحدة، لمنافسة الجمهوريين والديمقراطيين. 

من جهته، قال ترامب في تصريحات نقلها التلفزيون من المكتب البيضوي "خاب أملي كثيراً"، بعدما انتقد مساعده السابق وأحد كبار مانحيه مشروع قانون الإنفاق المطروح أمام الكونغرس.

وتبادل الرجلان بعد ذلك الإهانات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر بماسك إلى حد نشر منشور قال فيه إن اسم ترامب وارد في وثائق حكومية بشأن الملياردير جيفري إبستين المدان بجرائم جنسية، الذي انتحر في زنزانته في عام 2019 خلال انتظار محاكمته. 

وقد أثارت قضية انتحاره نظرية مؤامرة. وأضاف ماسك: "يوماً سعيداً دي جاي تي" في إشارة إلى اسم ترامب الكامل، دونالد جون ترامب. 

وعن ذلك، ذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت لوكالة فرانس برس، أن منشور ماسك حول إبستين "فصل مؤسف من جانب إيلون المستاء من مشروع القانون الكبير والجميل لأنه لا يتضمن السياسات التي يريدها". 

وكان ترامب قد تعهّد خلال حملته الرئاسية لعام 2024 بكشف الوثائق السرية المتعلقة بقضية جيفري إبستين، كما قال في مقابلة مع مقدم البرامج ليكس فريدمان في سبتمبر/ أيلول 2024، إنه من المرجح أن ينشر "قائمة العملاء" الذين زاروا إبستين، وإنه لا يمانع في نشر ملفات إضافية.
 
وتعود قصة هذه الوثائق إلى القضية الشهيرة التي أدين فيها إبستين بتهمة الاتجار بالجنس على المستوى الفيدرالي، وكشفت وثائق المحكمة التي نشرت في يناير/ كانون الثاني 2024 أسماء مشاهير في قضيته مثل الأمير البريطاني أندرو والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وترامب والملياردير بيل غيتس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك كان إبستين يجلب لهم عاملات جنس. 

وحجب الكثير من المستندات والوثائق، جزء منها أرجع إلى حماية هويات الضحايا. 

زاد الغموض مع وفاة إبستين داخل السجن في 2019 (خلال فترة ترامب الأولى بين عامي 2017 و2021)، وبينما قالت التقارير الرسمية إنه توفي منتحراً، إلا أن مشاهير وصانعي محتوى زعموا أنه "تم قتله من جانب أصحاب النفوذ حتى لا يكشف عن باقي الأسماء".

وكان اسم ترامب قد ورد منذ القضايا الأولى التي لاحقت إبستين، وخرجت إلى العلن صور له مع الأخير، في منتجع ترامب في مارآلاغو في فلوريدا، تعود لعام 1997 ثم في 2000، وذلك مع زوجته ميلانيا، وشريكة إبستين، ماكسويل. 

وكان ترامب قد وصف إبستين في عام 2002، بتصريح لإحدى المجلات الأميركية، بأنه "رجل جيد جداً"، وأكد أنه يعرفه منذ 15 عاماً. 

وقال ترامب حينها: "من الممتع جداً مجالسته، حتى أنه يقال إنه يحب النساء الجميلات تماماً مثلي، والعديدات منهن شابات... جيفري يتمتع جيداً بحياته الاجتماعية". 

في فبراير/شباط الماضي، بعد أسابيع قليلة من تنصيبه، أعلنت وزيرة العدل بام بوندي عن نشر المرحلة الأولى من الوثائق المتعلقة بقضية جيفري إبستين، 

مؤكدة التزامها بتعهد الرئيس الأميركي بالشفافية وكشف النقاب عن "الأفعال المقززة التي ارتكبها جيفري إبستين وشركاؤه"، 

أشارت وزيرة العدل إلى أن الوزارة تلقت بالفعل نحو 200 صفحة من الوثائق ولكن هناك آلاف الوثائق التي علمت بها ولم يسبق الإفراج عنها رسمياً، وأنه سيتم نشرها. 

وكان المشهد تلفزيونياً لجذب أنصار ترامب، إذ إن الوثائق المذكورة بدت تكراراً لما هو منشور بالفعل ولم تتضمن القائمة التي يرغب أن يراها كثيرون.

وبالعودة إلى خلاف ترامب وماسك، فعندما التقى ترامب على انفراد مسؤولي البيت الأبيض الأربعاء الماضي، لم يكن هناك ما يشير إلى أن الصدام العلني مع ماسك وشيك. 

وقال مسؤولان في البيت الأبيض مطلعان على الأمر لوكالة رويترز، إن ترامب أعرب عن ارتباكه وإحباطه في الاجتماع بشأن هجمات ماسك على مشروع القانون "الجميل والكبير". 

وقال المسؤولان إن ترامب تراجع عن شن هجوم على ماسك لأنه أراد الحفاظ على دعمه السياسي والمالي قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2026. 

لكن بحلول بعد ظهر أمس الخميس، تغير مزاج ترامب، ووصف ماسك بأنه "متقلب". 

وفي إشارة إلى هذه الصفة، أعرب مسؤول ثالث في البيت الأبيض لـ"رويترز" عن دهشته من تحول ماسك، مشيراً إلى أنه "فاجأ الرئيس والجناح الغربي (يضم المكتب البيضوي وغرفة العمليات) بأكمله". 

ويمكن أن يعيد الانفصال تشكيل مستقبل الرجلين، فبالنسبة إلى ترامب، إن فقدان دعم ماسك يهدد نفوذه المتزايد بين أكبر شركات التكنولوجيا وجماهير وسائل التواصل الاجتماعي والناخبين الأصغر سناً، وهي مجموعات رئيسية قد يصعب الوصول إليها.

 كما يمكن أن يعقّد جمع التبرعات قبل انتخابات التجديد النصفي العام المقبل. 

أما بالنسبة إلى ماسك، فمن المحتمل أن تكون المخاطر أعلى، إذ يخاطر الانقطاع بتكثيف التدقيق في ممارساته التجارية التي يمكن أن تعرض العقود المبرمة مع الحكومة لخطر إجراء تحقيقات منتظمة فيها.
 
وبرزت انعكاسات الصدام بين ترامب وماسك على الحزب الجمهوري، إذ أيّد السيناتور راند بول من ولاية كنتاكي، موقف ماسك بشأن "القانون الجميل والضخم"، مشيراً إلى أنه لن يدعم القانون إذا تضمن رفع سقف الدين. 

وأشار إلى أن "الحزب الجمهوري سيتحمّل مسؤولية الدين بمجرد تصويته لمصلحته"، بحسب تصريحه لقناة سي بي إس الأميركية. 

وردّ ترامب بسلسلة منشورات غاضبة على منصة "إكس"، متهماً بول بأنه "لا يفهم المشروع إطلاقاً"، وأضاف أن "سكان كنتاكي لا يطيقونه"، واصفاً أفكاره بـ"الجنونية". 

ودافع الجمهوريون عن مشروع القانون، إذ قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثون إن الحزب "سيمضي قدماً وبسرعة"، رغم "الاختلاف في وجهات النظر".

ومع تريث بعض أعضاء الحزب الجمهوري في اتخاذ موقف محدد من صدام ترامب ـ ماسك، انتقد حلفاء ترامب ماسك، بل شجعوا الرئيس الأميركي على اتخاذ إجراءات ضده. 

في السياق، قال ستيف بانون، مستشار البيت الأبيض في ولاية ترامب الأولى والمنتقد المتكرر لماسك: "يوصي الناس، بمن فيهم أنا، الرئيس بسحب كل عقد مرتبط بإيلون ماسك وأن تبدأ التحقيقات الرئيسية على الفور". 

وقال بانون إن وضع الهجرة لماسك المولود في جنوب أفريقيا، والتصريح الأمني، و"تعاطي المخدرات والعلاقة مع الصين والتورط في محاولة إيصال الرئيس شي (جين بينغ) إلى حفل التنصيب (لترامب في 20 يناير الماضي) يجب أن تخضع جميعها للتدقيق". 

في المقابل، رحّب بعض الديمقراطيين بتصريحات ماسك رغم انتقاداتهم السابقة له ولفريق عمل "إدارة كفاءة الحكومة". 

وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر: "حتى إيلون ماسك، الذي شارك في العملية وكان من المقربين لترامب، يقول إن المشروع سيئ. يمكننا أن نتخيل مدى سوء هذا المشروع".

 وحدّد ترامب والجمهوريون في الكونغرس موعداً نهائياً في 4 يوليو/ تموز المقبل لإقرار القانون وتوقيعه.

( فرانس برس، رويترز)