حراك دبلوماسي يمني لتوفير دعم لمخطط مواجهة الحوثيين
الرأي الثالث - متابعات
تقود الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً حراكاً دبلوماسياً في عواصم عربية وغربية، وتُجري لقاءات ونقاشات مكثفة، تهدف إلى حشد الدعم لتحركاتها الهادفة إلى إنهاء انقلاب جماعة الحوثيين في اليمن، والحصول على التأييد للخطة المعدّة لمشروع اليمن الجديد، لما بعد الانتهاء من الانقلاب الحوثي.
هذا الحراك الدبلوماسي يواجه بانتقادات أنّه جاء متأخراً ومحاولة من الشرعية لتسويق نفسها واستغلال التطوّرات الإقليمية والدولية والرغبة في إنهاء حرب اليمن.
استراتيجية اليمن الجديد
وكشفت مصادر دبلوماسية يمنية، ومصدر في مكتب الرئاسة، أن الحكومة اليمنية تقوم بنشاط دبلوماسي واسع لحشد الدعم لخطواتها في حسم ملف الأزمة اليمنية، خلال الفترة المقبلة، وتقديم رؤية واستراتيجية اليمن الجديد الذي أعدّته الحكومة والأطراف السياسية.
وأوضحت المصادر أن التوجيهات لوزارة الخارجية وسفراء اليمن في الخارج هي لتكثيف حركتهم وتوسيعها، لتشمل الحصول على دعم سفراء الدول العربية في كل تلك البلدان والمنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية للتحرّك والحشد معاً،
ودعم موقف الحكومة لضرورة إنهاء الحرب والانقلاب الحوثي واستعادة مؤسسات الدولة وإعادة بنائها لإنهاء الأزمة الإنسانية التي تزداد بسبب استمرار بقاء السيطرة الحوثية.
ووفق تلك المصادر "تتضمّن المهمة تقديم صورة واضحة لرؤية الحكومة المعترف بها دولياً واستراتيجيتها، حول اليمن الجديد لما بعد الحوثيين، بما يتضمّن خياري الشرعية لإنهاء الانقلاب الحوثي: خيار سلام من دون حرب، بتسليم الحوثيين السلاح وسحب مقاتليهم من المدن، ومشاركتهم في الحكومة،
فيما الخيار الثاني الحرب البرّية، ويتضمّن في المقام الأول إقناع الدول والحكومات والمنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية لرفع الفيتو عن هذه العملية".
أما في ما يخص مرحلة ما بعد الحوثي، فإن الرؤية المتضمنة لهذه التحركات، وفق المصادر، "تركّز على شكل الدولة ومؤسساتها والمشاركة السياسية والحقوق والحركات ودور المرأة وحق الأقليات والجوانب الاقتصادية ومكافحة الإرهاب والملاحة الدولية، وتشكيل المؤسسات العسكرية والأمنية".
في هذا السياق، عُقدت لقاءات موسّعة في عواصم عدة، في مقدمتها دول مجلس الأمن دائمة العضوية وسلطنة عُمان، لبحث الملف.
وكانت وكالة سبأ التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً قد أشارت إلى لقاء نائب وزير الخارجية اليمني مصطفى نعمان بالسفراء العرب في مقر بعثة الجامعة العربية في واشنطن، والذي أكد أنّه نقل رسائل من الحكومة اليمنية،
وفي مجملها أن تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن يستلزم مساراً شاملاً يتضمن الشراكة مع الحكومة اليمنية وتعزيز قدراتها ودعمها في مختلف المجالات، وأهمية أن يكون التوجه لاستقرار اليمن وتحقيق الأمن والتعافي الاقتصادي، واستعادة الدولة ضامناً لاحتواء أي تهديدات إقليمية ودولية وحماية التجارة الدولية وخليج عدن.
ودعا المجموعة العربية لتبني هذه الرؤى والرسائل في نقاشاتها مع الجانب الأميركي جماعياً أو ثنائياً.
وأشار إلى استمرار الدعم الإيراني للحوثيين وتداعيات ذلك على استقرار المنطقة وممرات التجارة العالمية وأمنها،
مضيفاً أن الحوثيين أفشلوا كل جهود السلام وجرّوا اليمن إلى صراعات متتالية، وتدخلات عسكرية دولية مباشرة،
مؤكداً أن قرار تصنيف الحوثيين منظمةً إرهابيةً أجنبيةً في الولايات المتحدة كان نتيجة طبيعية لهذه الممارسات الإرهابية داخلياً وإقليمياً وفي ممرات التجارة الدولية.
يتوازى الحراك الدبلوماسي للحكومة لحشد الدعم الدولي لرؤيتها واستراتيجيتها لإنهاء الانقلاب الحوثي، مع حراك آخر لفتح نافذة لعودة مفاوضات السلام، لإنهاء الحرب، بين الحكومة وجماعة الحوثيين،
لا سيما في ظل رغبة ومساعٍ إقليمية ودولية، تعمل وفق هذا الاتجاه لفتح بوابة المفاوضات.
وفي هذا الإطار، شهدت مسقط مشاورات يمنية عُمانية بين مسؤولين من وزارتي خارجية البلدين، ركّزت حول ملف الأزمة اليمنية، ورؤية الطرفين للخروج منها.
وزارة الخارجية العُمانية علّقت على المشاورات اليمنية العُمانية في مسقط بين مسؤولين من وزارتي خارجية البلدين بالقول إن الطرفين تبادلا وجهات النظر حول مستجدات القضية اليمنية والسبل الكفيلة لاستئناف العملية السلمية، للوصول إلى حلّ عادل وشامل يُراعي مصلحة الأطراف كافة من دون استثناء،
كذلك بُحثت القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، واستُعرضت العلاقات القائمة بين البلدين، وبُحث التعاون الثنائي في المجال الاقتصادي والتبادل التجاري ومسائل التنقل والتواصل بين الجانبين.
وكيل الشؤون السياسية للخارجية العُمانية خليفة الحارثي، قال في تغريدة له بعد اللقاء: "يبقى اليمن الشقيق والجار وتظل الجهود العُمانية مستمرة لمساعدته للخروج من الأزمة الحالية لمصلحة شعبه الشقيق بكل مكوناته".
حركة بطيئة ومتأخرة
وكانت مصادر يمنية قد أوضحت أن مشاورات مسقط جاءت بعد ساعات من إعلان الاتفاق بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين، بوقف العمليات العسكرية الأميركية مقابل وقف الحوثيين هجماتهم على السفن الأميركية في البحر الأحمر،
مشيرةً إلى أن المشاورات اليمنية العُمانية هذه كانت معدّة مسبقاً، ولها علاقة مع ما دار من محادثات بين الأميركيين والحوثيين بوساطة عُمانية.
لكن دبلوماسياً يمنياً سابقاً قال ، إنه وفق المعطيات، فإن الحركة الدبلوماسية الأخيرة التي تقوم بها الشرعية بطيئة نوعاً ما ومتأخرة، وكان يفترض أن تكون الحكومة أكثر نشاطاً مع بداية التوتر في البحر الأحمر وباب المندب، وليس الآن.
واستدرك قائلاً: "مع ذلك من الواضح أن هناك جهوداً حثيثة تجري، وتأخذ مسارات عدة، الأول مسار خارجي تقوده وزارة الخارجية من وزير ونائب ووكلاء ومديري الدوائر إلى جانب سفراء اليمن لدى دول العالم والمنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية،
فيما هناك مسار يقوده رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي وبعض أعضاء المجلس الرئاسي، والمسار الآخر يقوده رئيس وأعضاء التكتل الوطني السياسي، من خلال اللقاءات المكثفة مع سفراء الدول والبعثات الدبلوماسية الممثلين في اليمن، إلى جانب البعثات والهيئة والمنظمات الدولية في اليمن أفراد وجماعات".
وأضاف أن السلطة المعترف بها دولياً، وهي تقوم بهذا الحراك الدبلوماسي في عواصم عدة، تسعى للظهور موحّدة الصف وتحاول الدفع والاستفادة من التكتل الوطني الذي جرى تشكيله قبل أربعة أشهر في العاصمة المؤقتة عدن، لإيصال هذه الرسالة، من خلال لقاءات جماعية، لا فردية، تشارك فيها كل المكونات والأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة، بواسطة القيادات أو ممثلين لها.
ولفت إلى أن تحقيق أهداف هذا الحراك الدبلوماسي والحصول على نتائج مباشرة غير واضح، فهذه تعّد محاولة ونجاحها أو فشلها مرتبطان بفاعلية وسائل الضغط والقدرة على إقناع هذه الدول، وتقديم الضمانات، وما زالت دول الرباعية (السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة) تحديداً داعمة لهذه المساعي، بعد لقاءات مسقط وطهران.
مع ذلك، فإن بعض السياسيين والمراقبين يرون أن السلطة المعترف بها دولياً، وفيما تتناسى الانقسامات والخلافات الداخلية، تسعى إلى تسويق نفسها من جديد، واستغلال التطورات الإقليمية والدولية والرغبة في إنهاء حرب اليمن، لذلك تحاول إظهار نفسها في مركز القوة والقدرة على إدارة المشهد والأزمة، وتلميع صورتها، وتعيد تصدير نفسها من بوابة الأزمة الإنسانية والصراع في البحر الأحمر.
ويشير بعض إلى أن الحكومة اليمنية لم تستطع الاستفادة من الفرص التي سنحت لها خلال السنوات الماضية، وآخرها العملية العسكرية الأميركية ضد الحوثيين، ولم تتمكن الحكومة من حشد الدعم الدولي لتمكينها من القضاء على الحوثيين.
وقال الصحافي ناصر المشارع، في منشور له على صفحته في "فيسبوك": "كانت أمام الشرعية فرصة لتحرك دولي وحشد تأييد العالم في تقوية عضدها لمواجهة الحوثيين،
لكن في الظرف الذي أتيحت الفرصة، افتعلت القوى المؤيدة للحوثيين في الشرعية مشاكل داخل الحكومة، وحرب خدمات لتأجيج الشارع لمنح حياة أخرى لجماعة الحوثيين لإبقاء سيطرتها على المحافظات الشمالية فترة أطول".
وأضاف: "لهذا لن تنتصر الشرعية في حربها، حتى وإن طالت الحرب لعقود، ما لم يتم التخلص من أدوات الجماعة في حكومة الشرعية".
فارس الجلال