Logo

الغارات الإسرائيلية على سورية: ثاني أعنف موجة منذ إسقاط الأسد

الرأي الثالث -  وكالات

 بعد ساعات من تفاهمات السلطة السورية والفعاليات المحلية في السويداء لتهدئة الأوضاع في المحافظة وانتشار قوات الأمن العام فيها، والهدوء الذي عمّ مناطق جرمانا وصحنايا وريف السويداء،

 واصل الاحتلال الإسرائيلي تماديه في الاعتداءات داخل سورية، مع أعنف حملة من الغارات الإسرائيلية على سورية منذ الحملة التي شنها بعد أيام من سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وذلك في إطار محاولاته توظيف الاشتباكات الأخيرة لفرض هيمنته على جنوب سورية. 

بموازاة ذلك، عمد جيش الاحتلال إلى بث أخبار، إما بإعلانات مباشرة وإما بتسريبات، تزعم أنه "منتشر في جنوب سورية"، وأنه أجرى هبوطاً مروحياً في السويداء، وهي الروايات التي دحضتها تصريحات مسؤولي وأهالي المنطقة.

وكانت قد انتشرت صباح الجمعة الماضي مجموعات من قوات الأمن العام، من أبناء السويداء، في بعض مناطق المحافظة، تنفيذاً للاتفاق الذي جرى التوصل إليه الخميس الماضي بين فعاليات المحافظة، والسلطة في دمشق. 

وتزامن ذلك مع معلومات عن موافقة الأمن العام على انضمام 700 عنصر من مقاتلي فصائل السويداء لقواته، على أن يتم نشرهم في مدينة السويداء ومداخل المحافظة تحت مظلة إدارة الأمن العام. 

وأشارت وكالة الأنباء السورية (سانا)، أمس السبت، إلى "انتشار قوات الأمن العام في بلدة أشرفية صحنايا بريف دمشق لضبط الأمن وتعزيز الاستقرار في المنطقة". 

وقالت إن "الحياة تعود إلى طبيعتها في مدينة جرمانا بريف دمشق، وحركة الأسواق تشهد تحسناً ملحوظاً".

بموازاة ذلك، كانت الغارات الإسرائيلية على سورية والتدخلات قد بلغت، فجر الجمعة الماضي، مرحلة جديدة عبر قصف استهدف محيط القصر الرئاسي في دمشق قبل أن يضرب الطيران الإسرائيلي مساء أول من أمس الجمعة العديد من المناطق السورية، 

في حملة تعد بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الأعنف بعد الحملة التي شنها بعد أيام من سقوط الأسد، والتي أدت إلى تدمير غالبية القدرات العسكرية السورية. 

وطاولت الغارات الإسرائيلية على سورية والتي وقعت بالتزامن، مواقع في أرياف حماة ودمشق ودرعا، ما أدى الى استشهاد شخص وإصابة سبعة. 

وقال جيش الاحتلال أن مقاتلاته "شنت غارات على مواقع عسكرية ومدافع مضادة للطائرات وبنية تحتية لصواريخ أرض - جو في سورية".

مواقع الغارات الإسرائيلية على سورية

وبحسب مصادر ميدانية، فقد بدأت الغارات الإسرائيلية على سورية منتصف ليل الجمعة السبت، واستهدفت أولى الضربات كتيبة للدفاع الجوي في جبل الشعرة قرب قرية شطحة، على الحدود الإدارية بين محافظتي حماة واللاذقية، ما أدى إلى إصابة أربعة عناصر من وزارة الدفاع السورية. 

وفي دمشق، شنّت الطائرات أربع غارات استهدفت محيط مستشفى تشرين العسكري ومحيط الفوج 41 على طريق حرستا – برزة ومنطقة الإنشاءات العسكرية قرب حرستا، ما أدى إلى استشهاد مدني، وإصابة ثلاثة. 

كذلك، استهدفت غارتان مواقع عسكرية في محيط منطقة تل منين بريف دمشق. وفي الجنوب السوري، نفّذت الطائرات غارتين طاولتا الكتيبة الصاروخية بين بلدتي موثبين وجباب شمالي درعا، 

بالإضافة إلى غارتين أخريين استهدفتا "اللواء 175" في مدينة إزرع بريف درعا، من دون تسجيل إصابات بشرية. 

وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان أمس السبت، عن "أكثر من 20 غارة"، وصفها بأنها "الأكثر عنفاً منذ بداية العام" الحالي. وأعلن جيش الاحتلال، في بيان أمس السبت، أنه سيواصل هجماته في سورية "لإزالة أي تهديد في المنطقة".

تسريبات للاحتلال حول الانتشار جنوب سورية

وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان أمس السبت، أنه "منتشر في جنوب سورية، ومستعد لمنع دخول قوات معادية إلى منطقة القرى الدرزية"، من دون أن يوضح عديد القوات المنتشرة ومناطقها وإن كان قد نفّذ انتشاراً جديداً. 

وأضاف أنه "يواصل متابعة التطورات مع الحفاظ على الجاهزية للدفاع ولمختلف السيناريوهات". 

لكن مسؤولاً درزياً في محافظة السويداء، قال لوكالة فرانس برس، إنه "لم يكن هناك أي انتشار لجنود إسرائيليين" في المنطقة، 

مضيفاً أن الوجود العسكري الإسرائيلي "يقتصر، على ما يبدو، على محافظة القنيطرة" قرب الجولان السوري المحتل، حيث "أقام الجيش مواقع" بعد سقوط نظام الأسد. 

وأعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان آخر، أنه "تم إجلاء خمسة مواطنين سوريين من الطائفة الدرزية لتلقي العلاج الطبي في إسرائيل. تم نقل المصابين إلى مركز زيف الطبي في صفد، بعد إصابتهم داخل الأراضي السورية".

زعم الاحتلال استعداده لمنع دخول "قوات معادية" للقرى الدرزية  

من جهتها، سرّبت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمس السبت، أنه "لأول مرة منذ اندلاع الاضطرابات مع الدروز في سورية أنزلت مروحية نقل تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي الليلة الماضية (الجمعة) معدات ومساعدات إنسانية للدروز في منطقة السويداء، جبل الدروز، على بعد نحو 70 كيلومتراً من الأراضي الإسرائيلية وبعيداً عن المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي كمنطقة أمنية في جنوب سورية". 

وفيما لم يقدم الجيش الإسرائيلي أي رواية رسمية بشأن هذا "الإنزال"، نفت مصادر محلية في محافظة السويداء لتلفزيون سوريا الأنباء التي تحدّثت عن هبوط مروحية إسرائيلية داخل المدينة، مؤكدة أن هذه الأخبار تفتقر إلى أي دليل ميداني.
 
ولا تخفي إسرائيل نيتها إضعاف الدولة ودورها، خصوصاً في جنوب سورية، لفرض واقع أمني وعسكري جديد يعزز قدرتها على الهيمنة على هذا الجنوب، محاولة توظيف أي تطور لصالحها، على غرار زعمها "حماية الأقليات".

 وجوبهت أصوات من الطائفة الدرزية، يتقدمها شيخ عقل الطائفة في السويداء حكمت الهجري، الذي طالب الخميس الماضي بتدخل دولي "فوري"، و"تأسيس مشروع دولة فيدرالية ديمقراطية"، باستنكار ورفض من قبل غالبية الدروز السوريين الذين أكدوا في أكثر من بيان تمسكهم بسورية واحدة موحدة. 

كما سارع الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، لأداء دور في تهدئة الأوضاع والتشديد على ضرورة الحوار فضلاً عن توجهه إلى دمشق أول من أمس، حيث التقى الرئيس السوري أحمد الشرع. 

وفيما اكتفت الرئاسة السورية بنشر خبر عن اللقاء دون أي تفاصيل بشأن مضمونه، أوضح الحزب التقدمي الاشتراكي، في بيان، أنه "في ما يتعلق بالأحداث المؤسفة، أعرب الطرفان عن أسفهما للخسائر في الأرواح، وشددا على ضرورة اضطلاع الدولة السورية بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين. 

وثمّن جنبلاط جهود الدولة السورية في التواصل والحوار مع مختلف مكونات الشعب السوري، مشدداً على أهمية دور أبناء طائفة الموحدين الدروز في مؤسسات الدولة وأجهزتها".

واعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الغارات الإسرائيلية على سورية التي جرت مساء الجمعة الماضي "بمثابة إعلان حرب على سورية"، 

مضيفاً: لكن لا أعتقد أنها تخاطر بتدخل عسكري كامل في الأراضي السورية. ورأى أن الدول الحليفة للإدارة السورية "والتي بعضها يقيم علاقات مع إسرائيل حاولت ولا تزال تحاول الضغط على تل أبيب لإيقاف الغارات الإسرائيلية على سورية ولكن لا أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة تستمع أو تلقي بالاً لأي أحد".

 واستبعد زيادة إقدام تل أبيب على توغل بري في الأراضي السورية يصل إلى محافظة السويداء "لأنها ستلقى مقاومة شديدة من السكان"، معتبراً أن "التيار العام ضد الاحتلال الصهيوني ربما باستثناء الهجري وجماعته، وهم أقلية اليوم في السويداء".

ورأى الأكاديمي المختص بالشأن الإسرائيلي خالد خليل، أن التدخل الإسرائيلي في سورية "بلغ مستويات خطيرة"، مضيفاً: تل أبيب تلعب على الوتر الطائفي ما يسمح لها بالتدخل. 

وتابع: القصف في محيط القصر الرئاسي في دمشق كان رسالة نارية واضحة الدلالة للشرع. ورأى أن الحكومة "تمارس أعلى درجات ضبط النفس، وتنتهج سياسة الاحتواء من خلال الاتفاق مع وجهاء ومرجعيات دينية في الطائفة الدرزية، ولكن إسرائيل تخترق هذه التوافقات السورية لتفجير الأوضاع في البلاد".

وبين أن إسرائيل "تريد الوضع الآمن الذي كان موجوداً إبان حكم الأسد طيلة عقود"، معرباً عن اعتقاده أن تل أبيب "لا تريد المزيد من الجغرافيا بل تريد مناطق نفوذ في جنوب سورية"، وأن الهدف من الغارات الإسرائيلية على سورية هو "الحصول على أوراق ضغط تفاوضية مع الإدارة السورية حيال تفاهمات أمنية محتملة في المستقبل"، 

مضيفاً: التدخل في الشأن السوري من بوابة الأقليات ليس محط إجماع في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً في ظل تفجر العديد من الأزمات الداخلية في إسرائيل، وفي مقدمتها استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، 

فضلاً عن الأزمات التي يواجهها نتنياهو شخصياً فاتهامات بالفساد تلاحقه، وهو ما يدفعه إلى تصدير أزمته إلى الخارج عبر التدخل في سورية تحت ذرائع مختلفة.
 
وأعرب المحلل العسكري مصطفى فرحات، عن اعتقاده أن "حكومة الكيان الصهيوني تقوده نحو الجنون"، موضحاً أن الأحزاب التي تشكل هذه الحكومة هي الأكثر تطرفاً في تاريخ هذا الكيان.

 وتابع: "تستغل تل أبيب الورقة الدرزية ذريعة، ولو لم تكن موجودة لأوجدت غيرها للتدخل في سورية. سقوط نظام الأسد المخلوع يهدد أمن إسرائيل لأنه كان بمثابة الحامي لحدودها الشمالية. 

وأشار إلى أن الجانب الإسرائيلي "عمد إلى تدمير الترسانة العسكرية السورية فور سقوط نظام الأسد"، معرباً عن اعتقاده أن الإدارة الأميركية "لا تدعم التوجه الإسرائيلي في كل شيء"،

 معتبراً أن "هناك توازنات إقليمية ودولية تحول دون تحقيق الهدف الإسرائيلي لتقسيم سورية. المجتمع الدولي يدفع باتجاه إرساء الاستقرار في سورية".

ودان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، أمس السبت، بشدة ما وصفه بـ"الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة والمتصاعدة لسيادة سورية". 

ودعا، في منشور على منصة إكس، إسرائيل إلى "وقف هجماتها على سورية فوراً"، مطالباً بضرورة "الكفّ عن تعريض المدنيين للخطر، واحترام القانون الدولي، وسيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها واستقلالها". 

كما اعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، في بيان، أن "الهدف من تكرر العدوان هو تدمير ممتلكات سورية الاستراتيجية وبنيتها التحتية العسكرية والمدنية واستمرار احتلال أجزاء منها، 

فضلاً عن قدراتها الدفاعية والاقتصادية بغية تطبيق مطامع الكيان الإسرائيلي الشريرة، وذلك بالتوازي مع حرب الإبادة في فلسطين والاعتداءات في لبنان". 

وأكد أن موقف بلاده الثابت "هو ضرورة صون وحدة الأراضي السورية وسيادتها الوطنية كبلد مستقل". 

وشددت منظمة التعاون الإسلامي، في بيان أمس السبت، على ضرورة احترام سيادة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها، داعية المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، إلى وضع حد لهذه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي تهدد السلم والأمن الإقليميين. 

وحذر وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال لقائه مديري مكاتب الأمم المتحدة الإقليمية في القاهرة، أمس السبت، من المخاطر الوخيمة للسياسات الإسرائيلية في المنطقة والتي تتسبب في تأجيج الوضع الإقليمي. 

ودان الغارة على المنطقة المجاورة للقصر الرئاسي بدمشق، في انتهاك جديد للسيادة السورية ووحدة وسلامة أراضيها، وفق بيان للخارجية المصرية. ودعت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان، إسرائيل إلى الامتناع عن أي أعمال قد تؤدي إلى زعزعة استقرار سورية.